وارسمْ على صفحةِ الأيامِ نجواهَا
واصدحْ بما شئتَ فالآلامُ كم رقَصتْ
على جَوى الرُّوحِ حتى ابتلَّ خَدَّاهَا
كم عذبَتْها سنينٌ حارَ طَالِبُها
وروَّعتْها ليالٍ طالَ مَمْساهَا!
وقيَّدتْها صُروفُ الدهرِ وارتسمتْ
على الشِّفاهِ رسومٌ كلَّما فاهَا
عصفورُ ما قصةُ الأحلامِ إذ وُئِدتْ
في مهدِها وتوارتْ في زواياهَا؟
كانتْ لنا أملاً بالأمسِ نرقُبُهُ
واليومَ أضحتْ سرابًا في الدُّنَى تاهَا
ما قِصةُ القلبِ والذكرى تحرِّقُهُ
يَسري بهِ الوجدُ طولَ اللَّيلِ أوَّاهَا
ما قصةُ العينِ والأنهارُ تغمرُها
يُرى على ظاهرِ الخَدَّينِ مجرَاهَا ؟
ما حادثاتُ الليالي السُّودِ تحسبُها
ضربًا منَ السحْرِ أضحى القلبُ مغناهَا؟
كم روَّعتْنا صروفُ الدهرِ كم عزفتْ
أوتارُها الحُزنَ مصحوبًا بلأْوَاهَا!
أُسائلُ الدهرَ والآهاتُ شاهدةٌ
عن جاثماتٍ بظهرِ الأرضِ نلقاهَا
عنِ الطلولِ البوالي عن تقادُمِها
مَنذا الذي بترابِ الأرضِ سوَّاهَا؟
أينَ الأُلى درجُوا واستوطنُوا زمنًا
فيها وباهوا الورَى يومًا بمبناهَا؟
تصرَّمتْ وانقضتْ أعمارُهم وغدَتْ
قصورُهم طللاً يُبكى لمرآهَا
واستوطنتْها وحوشُ الأرضِ واحْتشدتْ
على جَلامدِها الغِربانُ تنعاهَا
والريحُ صرَّتْ نهارًا في مجاهِلِها
والبومُ عافتْ معَ الأيامِ سُكناهَا
محَا الخريفُ بقايا من معالِمِها
لم يُبْقِ منها سِوى النَّجوى وذكراهَا
وغصةً لم تزل في الحلقِ مُذْ شهِدتْ
عينايَ آثارَهم والدَّمعُ روَّاهَا
وحسرةً جرَّحتْ قلبي وكَم نزفتْ
دماهُ بينَ الوَرَى تُفضِي بشكواهَا !
في كَرَّةِ الدَّهرِ للأرواحِ عِبرتُها
وفي الثَّرى تحتَ صُمِّ الصخرِ عُقباهَا