جامعة أم القرى
أ.د. جهاد محمد قربة
أولا":- الخطوط الرئيسة لتطور الفكر الجغرافي :
مقدمة :
يعتقد البعض إن الجغرافيا قديمه بقدم الجنس البشري فمع مرور الزمن سعت المجموعات البشرية المختلفة للعيش بتناسق مع وسطها الطبيعي من خلال اكتشاف الأماكن التي تتوافر فيها متطلبات الحياة الأساسية (مثل المسكن والملبس والمأكل )، بهدف اتخاذها كأماكن استقرار وأمان، كما دفع حب اطلاع المجموعات البشرية الأخرى القيام برحلات استكشافية إلى مناطق كانت مجهولة بالنسبة إليهم ووصف ما شاهدوه في تلك الأماكن , فعملية وصفهم للأماكن التي اكتشفوها خلال أسفارهم يعتبره البعض بحد ذاته نقطة البداية لعلم الجغرافيا, أما التطورات الأخرى التي طرأت على الفكر الجغرافي عبر العصور ( منذ كتابات الإغريق القدامى حتى يومنا هذا ) فسيتم استعراضها بإيجاز شديد يهدف إلى تعريف الطالب على طبيعة علم الجغرافيا وميدانه بشكل عام من خلال تحديد المراحل التي مر بها هذا العلم .
مراحل تطور الفكر الجغراقي :
منذ وقت طويل , والإنسان يحاول باستمرار تطوير معرفته بالعالم الذي يحيط به , فعلى سبيل المثال عرف المصريون القدماء كيفية قياس مساحات الأرض وكيفية توجيه مبانيهم , كما حددوا عدد أيام السنة , أما الفينيقيون المعروف عنهم بكثرة أسفارهم واكتشافاتهم للأقاليم غير المعروفة فقد طوروا العديد من المهارات الملاحية وابرزوا الاختلافات المناخية بين الأماكن المختلفة، وبالرغم من أن عناصر المعرفة ط§ظ„ط¬ط؛ط±ط§ظپظٹط© قد ساهمت بها كل حضارة من حضارات العالم المختلفة , إلا إن الإغريق القدماء كانوا أول من قدم معلومات جغرافية تفصيلية وبالتالي فهم بحق مؤسسوا علم الجغرافيا .
لعل أول جغرافي إغريقي هو الشاعر هوميروس Homer فملحمة الأوديسة Odyssayلهوميروس تضمنت وصف جغرافي لاماكن مختلفة في إقليم البحر المتوسط، بالرغم من إن مغزى ملحمته لم يكن بالتحديد تقديم الوصف الجغرافي وإنما هو الإخبار عن مغامرة مثيرة , وبعد هوميروس بحوالي خمسماية عام , ألف هيكتاتيوس Hecataeus كتابا بعنوان وصف الأرض De******ion of the Earth حيث يعتبر الأول من نوعه الذي يهدف إلى وصف الأرض فالعالم طبقا لهيكاتيوس هو أساسا منطقة البحر المتوسط , وقبل بداية القرن الخامس قبل الميلاد تطورت كتابات الإغريق من الوصف إلى محاولة التفسير , فهيرودوت Herodotus المعروف بميوله وتخصصه بدراسة التاريخ إلا انه قام ببحث الكثير من المواضيع الجغرافية، فقد ترتب على أسفاره الكثيرة وكتاباته الوصفية حينا والتفسيرات حينا آخر للاماكن التي زارها , المساعدة في توضيح العديد من القضايا الجغرافية فعلى سبيل المثال فقد وضح كيفية تكوين الدالات من خلال عملية الترسب المائية كما أشار إلى إن تغيرات درجة الحرارة ترتبط باتجاهات الرياح .
أما بلاتو Plato فقد أشار خلال القرن الرابع قبل الميلاد إلى إن الأرض كروية وفي الوقت ذاته افترض Eudoxus بأن النطاقات المناخية Kilma تطوق الأرض , فكانت الأفكار التي جاء بها كل من بلاتو وEudoxus مجرد أفكار نظرية تحتاج إلى مزيد من الإثبات والبرهان , فقد حاول أرسطو Aristotte تلميذ بلاتو إيجاد البرهان القوي لإثبات الأفكار التي جاء بها بلاتو فلاحظ أرسطو ظل الأرض الدائري على سطح القمر وبين إن درجات الحرارة تتناقص كلما ازدادت المسافة عن خط الاستواء , إما الكسندر العظيم Alexander the Great بصفته احد تلاميذ أرسطو فقد ساهم في تطوير المعرفة الجغرافية الإغريقية من خلال القياسات التي قام بها خلال حملات الغزو التي رافقها فقد ضمن تقاريره التي أعدها معلومات جغرافية قيمة عن الأماكن التي شاهدها.
وآخر علماء الإغريق العظماء المعروفين بمساهمتهم في أغناء المعرفة الجغرافية هم ايراستوتين Eratosthenes وسترابو Strobe لقد دعي ايراستوتين مرارا بأبي الجغرافيا لأنه أول من حدد معنى مفهوم الجغرافيا المؤلف من شقين Geo ومعناها الأرض Graphos ومعناها بيان. كما اشتملت مساهمات ايراستوتين على تصميم خارطة العالم بين عليها كل من أوروبا والهند وليبيا. وهو أول من قام بقياس محيط الأرض باستخدام زاوية سقوط أشعة الشمس والمعادلات الرياضية. أما سترابو فقد كان الفضل له في تأليف كتاب الجغرافيا التي تكون من سبعة عشر مجلدا وتبرز أهمية هذا الكتاب بأنه يعد تجميعا للإضافات الجغرافية الإغريقية بوجه عام. لقد قدم الإغريق القدماء الاسم والإطار الذي يمكن العمل من خلاله في إضافة المزيد من المعلومات الجغرافية من قبل كل باحث فيما بعد
واتسمت الكتابات الجغرافية خلال الحقبة الرومانية بعدم الشمولية وتركزت بصورة رئيسة على مسوحات محلية وتأليف الموسوعات المعلوماتية عن بيئات محدودة بالإضافة إلى محاولاتهم الجادة في عمليات تحديد حدود الوحدات السياسية. لقد أعقبت الحقبة الرومانية حقبة العصور الوسطى من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر والتي عرفت بأطول فترة شحت خلالها الكتابات العلمية الجغرافية خاصة في أوروبا.
وفي الوقت التي تدهورت فيه الجغرافيا في أثناء العصور الوسطى كان للعرب خلال القرن السابع والثامن الميلادي الفضل في حماية التراث الجغرافي اليوناني والإضافة علية فقد كتبوا في موضوعات شتى في الجغرافيا الوصفية والرياضية ودرسوا مشكلة مساقط الخرائط .
يعتبر بداية القرن الخامس عشر الميلادي بداية عصر الاكتشافات التي تم خلاله وخلال القرن السادس عشر توسيع المعرفة الجغرافية وتسجيل المزيد من المعلومات الجغرافية عن الأماكن الجديدة التي تم استكشافها ,. لقد زودت البعثات الاستكشافية في الفترة الممتدة بين 1550 – 1850م كثيرا من الباحثين الأكاديميين بمعلومات جغرافية مهمة عن الأماكن المختلفة من العالم وسكان تلك المناطق الجديدة، لذا غدت الجغرافيا تظهر كأحد العلوم الأساسية فمن المعروف أنه تم التركيز علية على تدريس الجغرافيا في جامعة ويتنبرغ Wittenberg university سنة 1509 من قبل الأستاذ بارتل سنتين Barthel Stein وفيما بعد تم التأكد من أهمية العلوم الجغرافية واعتبارها من أهم العلوم الجامعية من خلال أعمال ايمانويل كانت Immanuel Kant الذي درس في جامعة Konigsberg الألمانية في الفترة الواقعة بين (1757 – 1797 ) حيث كان يؤكد في أعماله وتدريسه للجغرافيا على أهمية العنصر البشري كجزء مكمل للموضوع الجغرافي .
لقد انتهى عصر الاكتشافات الجغرافية بظهور أعمال اثنين من رواد المدرسة الجغرافية الألمانية الحديثة وهما الكساندر همبولت Alexander von Humboldt وكارل ريتر Karl Ritter حيث كان لكليهما التأثير الكبير على مسيرة الفكر الجغرافي مما دفع فريق من الباحثين بالاعتقاد بأنه كان لهامبولت وريتر الدور الحاسم في نهاية الفترة الكلاسيكية بالجغرافيا وبداية الجغرافيا الحديثة كما اعتبر "هامبولت" بأنه مؤسس الجغرافيا الطبيعية الحديثة وريتر بأنه مؤسس الجغرافيا الحضارية .
وبالرغم من عصرية الفكر الجغرافي لكل من همبولت وريتر إلا أنهما يختلفان اختلافا بيناً في المنهج المتبع من قبل كلا منهما عند معالجة الموضوعات الجغرافية فهامبولت كان رحالة وكاتبا للظواهر التي يشاهدها في رحلاته العديدة غير انه ايضا نحى منحى التفسير من خلال الفرضيات التي وضعها
إما ريتر الذي عمل في مهنة التدريس في إحدى الجامعات الألمانية فقد ساهم في تطوير مفاهيم الترابط بين السكان ووسطهم البيئي الطبيعي حيث افترض وجود نوع من الترابط العضوي بين السكان وبين الطبيعة. لقد تبنى وجهة النظر هذه كثيرا من الباحثين كما انه دار جدل حولها فيما بعد ومن اوجة الاختلاف الأخرى بين كلا من ريتر وهامبولت هي إن نظرة هامبولت إلى العالم نظرة شمولية بينما اتجه ريتر نحو المنهج الإقليمي حيث ركز على دراسة الأقاليم .
أما أوجه الشبة بين كلا من هامبولت وريتر فتتمثل في ميل كلا منهما نحو إطفاء الصبغة العلمية على الجغرافيا كما إنهما يرون إن الجغرافيا في تعاملها مع الظاهرات والحوادث ذات الأصول المختلفة مترابطة في جهات مختلفة من العالم كما أشارا الحاجة الماسة لتطوير مفاهيم جغرافية عامة تتعلق بوجود العلاقات القوية بين الظاهرات الجغرافية البشرية والطبيعية , في عام 1874 ازداد تعميم الجغرافيا كإحدى الفروع الأكاديمية في الجامعات الألمانية فقد سبق وان اشرنا إلى إن لهامبولت وريتر تأثيراً كبيرا ً على مسار هذا الفرع الأكاديمي وخلال القسم الأخير من القرن التاسع عشر تم بحث العلاقة المتبادلة بين الإنسان ووسطه الطبيعي في إحدى الموضوعات الجغرافية الهامة في ألمانيا وكان فريدريك راتزل Fredrich Ratzel المعروف عنه بأنه مؤسس الجغرافيا السياسية Political Geography قد تطرق إلى مثل هذا الموضوع من خلال استخدامه لفكرة ريتر المتعلقة بوحدة العالم العضوية لتطبيقها على قضايا الجغرافيا الحضارية واقترح راتزل بأن المجموعات البشرية وبشكل عام الدول أو الوحدات السياسية تتصراع مع بعضا البعض على الحيز المكاني ووجهة نظره هذه تستند على الافكار الداروينية المتعلقة بالاختيار الطبيعي والبقاء للأصلح في أي بيئة طبيعية .
ثانيا":- بعض المفاهيم الأساسيه في الجغرافيا:
لقد اشتملت العديد من الدراسات ذات العلاقة بمختلف العلوم الجغرافية التي سنستعرضها لاحقا، على بعض المفاهيم الجغرافية التي يجب التعرض لها وشرحها بشكل مختصر نظرا لأهميتها، ومن الواضح إن تلك المفاهيم قد أفرزت وتم ترديدها في مختلف الدراسات الجغرافية وأنها في تطور مستمر خاصة بعد ظهور مجموعة علوم الجيوماتيك، و سنحاول خلال الفقرات التالية من تحديد إطار تعريفي لأهم المفاهيم وهي كما يلي: .
التوزيع المكاني – Spatial Distribution العلاقات المكانية Spatial Relationships –والموقع- ******** والمسافة -Distance والاتجاه Direction – والتفاعل المكاني Spatial Interaction – والإقليم – Region والحجم Size والشكل – Shape والنمط Pattern -والانتشار المكاني Spatial Diffusion .
1_ التوزيع المكانيSpatial Distribution : يشير هذا المفهوم الى مواقع الظواهر الجغرافية المختلفة مثل (المستوطنات البشرية,السكان,توزيع الغابات,المزارع)في الحيز المكاني في وقت معين.
2_العلاقات المكانية Spatial Relationships : وتعني جميع التفاعلات والعلاقات الترابطية بين أماكن مختلفة وعناصر مختلفة يشملها الحيز المكاني وتعبر العلاقات المكانية عن المهمة الجغرافية التي تتلخص بالمحاور التالية:
-تحليل العلاقات المكانية بين العنصر أو المكوّن الجغرافي المدروس مع ما جاوره من عناصر ومكونات من نفس النوع.
– تحليل العلاقات المكانية بين العنصر أو المكوّن الجغرافي المدروس مع ما جاوره من عناصر ومكونات من نوع مختلف.
-تحليل العلاقات المكانية بين العنصر أو المكوّن الجغرافي المدروس مع عناصر أو مكونات المحيطين المحلي والإقليمي المؤثرة في النشوء.
3_ التفاعلات المكانيةSpatial Interactions : عبارة عن الانسياب المستمر والمتبادل بين العناصر والمكونات اما على المستوى المحلي أو الإقليمي أو القومي أو الدولي، كانسياب البضائع والناس والمعلومات بين أماكن مختلفة فحجم التجاره بين الدول وهجرة السكان بين الأقاليم كلها أمثلة على التفاعل المكاني،ولقد حدد اولمان ulman ثلاث أسس لحدوث التفاعل المكاني أو عدم حدوثه وهذه الأسس على النحو التالي:
_التكامل Complementarlty
_ إمكانية النقل أو قابلية المادة للنقل Transferability
_الفرصة المعترضة Intervening Opportunity
أ_التكامل: ويشير إلى درجه الطلب على ماده معينه (سلعه معينه)في مكان معين وتوفرها في المكان الأخر عندئذ يحدث انسياب تلك السلعة بين المكانين وبشكل أوضح زيادة الطلب على منتوج الخضروات من قبل مدينة ما يتم تلبيته من قبل المنطقة الزراعية الرئيسية الإنتاج الخضروات المجاورة لهذه المدينة .
ب_إما بالنسبة لإمكانية نقل السلعة أو قابلية السلعة للنقل فترتبط ارتباطا وثيقا بتكاليف نقلها والتي ترتبط بدورها بالمسافة الفاصلة بين نقطة البداية ونقطة النهاية فإذا حصل إن تكاليف نقل سلعه معينه غدت مرتفعه جدا فعملية نقل السلعة بين مكانين لن تتم حتى في حالة وجود تكامل بين المكانين.
ج– وقد يحول دون حدوث التفاعل بين مكانين معينين حالة وجود فرصه معترضة، ويمكن توضيح اثر هذا العامل من خلال افتراض إن منطقة (أ)ذات فائض في إنتاج محصول معين ومنطقة (ب)تعاني عجز في توفر هذا المحصول إما منطقة (ج) الواقعة بين المنطقتين (أ)و(ب) فهي ذات فائض من نفس السلعة وبالتالي يترتب على وقوعها بين (أ)و (ب) يعيق الفاعل بين (أ) و(ب) بل يصبح التفاعل ممكن بين (أ)و(ج) الأقرب إلى (أ) بسبب انخفاض تكاليف نقل السلعة المنتجة بينهما.
4_ الموقع******** : عبارة عن تحديد مكان الأشياء أو الظواهر الجغرافية في الحيز المكاني Space وهناك نوعان من المواقع :
(أ)- الموقع المطلق ******** Absolute : وهو عبارة عن موقع أي شيء أو أي ظاهرة جغرافية ضمن نظام شبكة الإحداثيات الفلكية لسطح الأرض (خطوط العرض والطول).
(ب)- الموقع النسبي Relative ******** : هو عبارة عن مكان أي شيء أو أي عنصر من عناصر الأرض نسبة لمواقع الأشياء الأخرى ويعكس هذا المفهوم حالة تجاور الأشياء أو العناصر الجغرافية في الحيز المكاني أو في المجال Juxtaposition in Space .
ولتوضيح هذا المفهوم يمكن القول بأن صاحب المصنع لا يهمه عند إقامة مصنعه في مكان معين بالموقع الفلكي ( بالنسبة لخطوط الطول والعرض ) لمكان مصنعه , بل الذي يهمه بالدرجة الأولى , مدى بعد أو قرب مكان مصنعه من السوق , أو مكان المواد الأولية الداخلة في عملية التصنيع بالإضافة إلى العوامل الأخرى المحددة لتوقيع الأنشطة الصناعية المختلفة , ونفس الشيء ينطبق على حالة اختيار مكان السكن المرغوب فيه , فاختيار البعض مكان سكنه القريب من المؤسسات التعليمية (كالمدارس والجامعات ) والصحية (كالمستشفيات والمراكز الصحية الأخرى ) وأماكن عملهم له مايبرره فإذن الموقع النسبي يمكن إن يفرز قيمة موقعيه وتحديد أدق على المستوى الإقليمي, فالأماكن المفضلة تزداد قيمتها بسبب درجة قربها النسبي من الأماكن الأخرى المرتبطة بها .
5– المسافة Distance : ويرتبط هذا المفهوم بمفهوم الموقع خاصة الموقع النسبي , ويعبر عن الفاصل الطبيعي بين مكانين معينين في الحيز المكاني بالمسافة المطلقة وتتمثل وحدات القياس المسافة المطلقة إما بالكيلومترات أو بالأميال وفي بعض الأحيان يتم التعبير عن المسافة المطلقة بوحدات قياس أخرى كوحدات الزمن المستغرقة بقطع المسافة أو بمقدار تكاليف قطع هذه المسافة وهذا ما يطلق علية مفهوم المسافة النسبية Distance Relative .
6– الاتجاه Direction أو التوجيه Orientation :فالتوجيه يساعد تحديد الجهة أو المكان المقصود فالجهات الأربع معروفة لدى جميع حضارات العالم , فتحديد الشرق والغرب يمكن إن يتم من خلال شروق وغروب الشمس , والشمال والجنوب من خلال النجوم , وقد يستخدم بعض الناس الاتجاهات النسبية كقول البعض " ذاهب إلى البلد " ويعني به وسط المدينة وربما تكون العاصمة , وكقول بعض المصريين " وأنا ذاهب إلى مصر " ويعني بذلك توجهه نحو مدينة القاهرة وهناك من يستخدم Land Ward أي التوجه نحو البر و Sea Ward ويعني التوجه نحو البحر , إما تعبير الشرق الأقصى , الذي يعتبر أوروبي الأصل فيشير إلى إن الدول الأسيوية موجودة في الشرق , فهناك من يطلق اسم الشرق الأقصىFar East على مجموعة من الدول الأسيوية وذلك لأنها أكثر بعدا عن أوروبا والبعض الأخر يطلق الشرق المتوسط Middle East على مجموعة الدول الأكثر قربا لأوروبا .
7– الحجم Size : يتم التعبير في معظم الأحيان عن كبر الظاهر الجغرافية الطبيعية أو البشرية بمقدار حجمها، وعادة ما يتم التعبير عن حجم دولة أو مدينة ما بمقدار عدد سكانها كما يعبر عن حجم الغابة بمقدار مساحتها وعدد الأشجار التي تشتملها إذن حجم الظاهرة الجغرافية يمكن التعبير عنه بعدة معايير فحجم المدينة يمكن التغبير عنه بمقدار مساحتها بالكيلو مترات المربعة أو بمقدار عدد سكانها على نحو ذكرناه سابقاً. ويعود الاهتمام بمفهوم الحجم من قبل الجغرافيين إلى انه كل ما كانت المنطقة الجغرافية كبيرة وواسعة المساحة كل ما زاد احتمال احتوائها على تنوع كبير للمكونات الجغرافية فيها مثل الموارد الطبيعية، كما إن توزيع العناصر والمكونات الجغرافية يتأثر إلى حد كبير بحجم المنطقة الجغرافية التي تنتشر فيها تلك الأشياء مثل توزيع الترب والمستوطنات البشرية فالعناصر الجغرافية التي يبدو نمط توزيعها متكتلا بمنطقة جغرافية محدودة المساحة يبدو توزيعها مبعثرا بمنطقة جغرافية مساحتها اكبر خمسة مرات من المنطقة الأولى .
8– الشكل Shape : يرتبط شكل المنطقة الجغرافية أو الإقليم الجغرافي بمدى التفاعل المكاني ومستويات التكاليف بين الأماكن المختلفة فالوحدة السياسية التي تأخذ الشكل المتطاول قد تشتمل على أماكن معزولة أو متباعدة عن بعضها البعض إما الوحدات السياسية ذات الشكل الملموم Compact Shape مثل جيبوتي وفنزويلا وفرنسا أو اسبانيا فإنها تشتمل على أماكن متجاورة من بعضها البعض مما يكون له الأثر الواضح على تكاليف النقل والاتصال بين تلك الأماكن المتجاورة .
9– النمط Pattern : عبارة عن ترتيب الأشياء أو الظواهر الجغرافية في المجال أو على سطح الأرض ويمثل النمط كلا من النقاط Points والخطوط Lines والمساحات Areas فنمط النقاط يمكن إن يعبر عن عناصر موضعية متكتلة متكتلة Clustered عندما يبدو متمركزا في قسم محدود من منطقة معينة بينما تخلو بقية المنطقة من تلك النقاط وعندما يكون نمط النقاط مبعثر Dispersed فان ذلك يعكس انتشار النقاط في كافة إرجاء المنطقة أو الإقليم الجغرافي .
أما عندما يتألف النمط من مجموعة من الخطوط فقد تمثل حين إذن الحدود المشتركة بين الأماكن أو خطوط المواصلات والاتصالات وفي أحيان أخرى يتم استخدام سمك الخطوط للتعبير عن قوة التفاعل المكاني بين الأقاليم كتمثيل حجم الهجرة والتجارة بين تلك الأقاليم كما يتم استخدام خطوط في التمثيل الكارتوغرافي لظواهر طبيعيه تتعلق بالأنهار والاوديه على الخرائط أما النمط المنتظم فيمكن ملاحظته من خلال تمثيل شبكة الطرق المنتظمة في المدينة العصرية، غير انه يسود في المدن القديمة نمط من شبكة الطرق غير المنتظمة وغير المتصلة Disjointed . أما إذا تم ربط النقاط كالمدن أو المستوطنات البشرية بشبكه من الطرق يدعى ذلك النمط حينئذ بالنمط المركب .
10- الإقليمRegion : ويمثل منطقه جغرافيه من سطح الأرض ذات خصائص أو خاصية جغرافيه مهيمنة تميزها عن غيرها من المناطق الأخرى، وهناك نوعان من الأقاليم:النوع الأول ويدعى بالأقاليم العامه Region Formal حيث يتم تحديد حدود هذا النوع من الأقاليم من خلال توزيع ظواهر جغرافية معينة ( اللغة , الدين) أما النوع الثاني الذي يدعى بالأقاليم الوظيفيةRegion Functional فهي ليست بالضرورة متجانسة من حيث الخصائص التي تميزها عما يجاورها من مناطق جغرافية أخرى فالأقاليم الوظيفية تمتلك تنوع داخلي ملحوظ ويتخللها أنماط وعلاقات متبادلة حيث يتم التركيز على دراسة الأنماط المترابطة داخل الإقليم الوظيفية وتمثل المدينة وضاحيتها مثال عن الإقليم الوظيفي .
11– الانتشار المكانيSpatial Diffusion : ويعرف بأنه آلية أو عملية انتشار العناصر والمكونات الجغرافية المختلفة ( انتقال السكان , وحركة البضائع , والمعلومات ) على السطح أي داخل المجال أو المكان ولمثل هذه العملية تأثير مزدوج الأول: ويتمثل في التأثير التي تفرزه هذه العملية على خصائص السكان المهاجرين , والثاني يتمثل في تأثير عملية الانتشار على الأماكن التي تنتشر فيها تلك العناصر أو المكونات المادية أو البشرية , فأي محاولة لدراسة وفهم قضية انتشار الظواهر الجغرافية مكانيا من خلال تحليل تطورها تستلزم تحديد عناصر هذه العملية , فالعنصر الأول يمثل الزمن لان أي ظاهره جغرافية تنتشر من مكان لأخر فإنها تحتاج إلى وقت كافي لحدوث ذلك. إما العنصر الثاني فهو متغير المكان حيث إن عملية الانتشار تتم بين الأماكن المختلفة وتدعى آلية نقل هذه الظاهرة ( أو السكان الذين يقومون بنقل الظاهرة ) بالناقلين Carriers إما أولئك الذين يتبنون هذه الظاهرة يطلق عليهم اسم المتبنين Adopters والذي لا يتبنى تلك الظاهرة يطلق علية Non – Adopters .
إن الاهتمام بعناصر عملية الانتشار المكاني ليس جديد في الدراسات الجغرافية فلقد اهتمت الدراسات الجغرافية التاريخية بتحليل وتحديد طبيعة العلاقات بين متغير الزمن Time والحيز المكاني Space وابرز هذه الدراسات تلك التي قام بها ساور Sauer الذي تتبع من خلالها أصول أنماط الزراعة في أمريكا الوسطى , إما دراسة هاجر ستراند Hager Strand فقد ألقت الضوء على الظروف التي نجم عنها اتخاذ القرارات المتعلقة بانتشار الظواهر الجغرافية مكانيا فقد ركز هاجر ستراند في دراسته أيضا على انتشار بعض الطرق الزراعية الجديدة في مناطق زراعية تقع في وسط السويد بينما ركزت الدراسات الأخرى على انتشار ظاهرة الابتكارات التقنية Technological Innovations وبعضها الأخر استقصى انتشار الإيديولوجيات السياسية Political Ideologies.
فمجمل القول بأن الدراسات التي بحثت في طبيعة العلاقة المتبادلة بين متغيرات الزمن والحيز المكاني التي لها الدور الحاسم في عملية الانتشار المكاني للظواهر الجغرافية تعد الأساس لفهم توزيع الكثير من الظاهرات الجغرافية.
أنواع الانتشار:
يمكن التمييز بين نوعين رئيسين من أنواع الانتشار :
1- الانتشار الممتد Expansion Diffusion : هو عبارة عن انتشار تدريجي للعناصر والمتغيرات الجغرافية من مكانها الأصلي إلى أماكن أخرى , فالظاهرة المنتشرة تبقى وتزداد في مكانها الأصلي , وتظهر في مناطق جديدة بمرور الوقت فالانتشار الممتد يشتمل على نمو ملحوظ في أعداد من يساعدون أو يسمحون في تطوير الانتشار واتساع المنطقة التي تنتشر فيها الظاهرة الجغرافية ومن بين الأمثلة على هذا النوع من الانتشار هو اعتماد استعمال أنواع من البذور المحسنة الزراعية من منطقة إلى أخرى , ويمكن إن يأخذ الانتشار الممتد عدة إشكال من بينها الانتشار السريع أوالساري Con***ious Diffusion حيث إن هذا النوع من الانتشار يتحدد بعامل المسافة ويعتمد على الاتصال المباشر Direct Contact وبهذا فان احتمال انتشار الظاهرة في الأقاليم القريبة أو المجاورة لمكان الظاهرة الأصلي أعلى من انتشارها في المناطق البعيدة ومن الأمثلة على هذا النوع من الانتشار هو ظاهرة انتشار الأمراض المعدية , وانتشار الإشاعات Rumors والامتداد العمراني Urban Expansion وانتشار الآفات الزراعية إما الشكل الأخر الذي يأخذه الانتشار الممتد فهو الانتشار المتسلسل Hierarchic Diffusion فهنا تتم عملية الانتشار من المراكز العمرانية الكبيرة الحجم إلى المراكز العمرانية الصغيرة الحجم ومن الأمثلة على هذا النوع من الانتشار هو انتشار الاختراعات المتعلقة بالأزياء الجديدة والسلع الاستهلاكية الجديدة من المدن المتروبوليه إلى المراكز العمرانية الأقل حجما ويطلق أحيانا على هذا النوع من الانتشار , الانتشار الشلالي أو المدرج Cascade Diffusion حيث إن عملية الانتشار تتم من الأعلى إلى الأسفل أو من المراكز الكبيرة إلى المراكز الصغيرة فمن المعروف إن المؤسسات التجارية والمصرفية تنتشر بشكل تسلسلي حيث إن تأسيسها يبدأ في المراكز الحضرية الكبيرة قبل انتشار فروع لها في المراكز الحضرية الصغيرة الحجم ,
2- انتشار النقلي أو الانتشار بإعادة التمركز Diffusion Re******** : يشير هذا النوع من الانتشار إلى إن الظاهرة الجغرافية المنتشرة تترك المنطقة التي نشأت فيها وتظهر وتثبت بمناطق جديدة واهم مايميز الانتشار النقلي على الانتشار الممتد هو إن الظاهرة المنتشرة لا يستمر تواجدها بمكانين مختلفين في وقت واحد ومن الامثلة على هذا النوع من الانتشار هو هجرة السكان من الريف الى المدن أو هجرة السكان البيض من المدن في الولايات المتحدة الأمريكية إلى ضواحي المدن الميتروبولية الأمريكية ويمكن إن يأخذ الانتشار النقلي شكل الانتشار النقلي المتسلسل ويوضح هذا النوع من الانتشار , انتشار بعض مراكز النوادي الرياضية الأمريكية من مراكزها الأصلية إلى مدن أخرى بهدف تحسين عوائدها المالية وبغض النظر عن نوع الانتشار الذي اشرنا إليه سابقا فان عملية الانتشار المكاني للعناصر والمكونات الجغرافية يمكن إن يتم في مراحل معينة، ففي دراسة هاجرستراند اقترح نموذجا يصف فيه مراحل الانتشار متخذه شكل موجات تدعى بموجات الانتشار وطبقا لنموذج هاجر ستراند فان عملية الانتشار تتم من خلال المراحل الأربعة التالية :
1- المرحلة الأولية Primary S***e : يتم خلال هذه المرحلة بدء انتشار الظاهرة الجغرافية بعد إن يتم تأسيس مراكز الاستقبال وبالتالي يبدو خلال هذه المرحلة التباين الواضح فيما يتعلق بأعداد المستقبلين للفكرة أو الطريقة الجديدة وبين مراكز الاستقبال والمناطق البعيدة عن المركز أو الوطن الأصلي للطريقة الجديدة .
2- مرحلة الانتشار Diffusion S***e : وفي هذه المرحلة تتناقص التباينات الإقليمية regional contrasts فيما يتعلق بنسبة المتبنين للطريقة الجديدة المنتشرة .
3- مرحلة التكثيف Condensing S***e : وفي هذه المرحلة تتساوى نسبة الذين تبنوا الطريقة الجديدة أو الاختراع الجديد في جميع المناطق بغض النظر عن قرب او بعد المناطق عن الموطن الأصلي للطريقة الجديدة .
4- مرحلة التشبع Saturation S***e : وتتميز ببطء حركة انتشار وتوقفها في نهاية هذه المرحلة , وفي هذه المرحلة أيضا تختفي التباينات الإقليمية أو المكانية في جميع إنحاء الوحدة الجغرافية التي انتشرت فيها الطريقة الجديدة .
العوامل المحددة للانتشار المكاني:
تتحدد استمرارية عملية الانتشار المكاني (موجات الانتشار )للعناصر والمكونات الجغرافية بما يعترض هذه العملية في بعض الأحيان من عوائق أو حواجز التي بدورها يمكن إن تحد من هذا انتشار إن لم تعمل على إيقافها تماما ويمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من الحواجز التي لها دور باز في الحد من انتشار مكونات سطح الأرض جغرافيا المادية الطبيعية أو البشرية أو الاقتصادية كما يلي:
1- الحاجز الماص Absorbing Barriers : هذا النوع من الحواجز يوقف عملية الانتشار (موجة الانتشار) تماما كما في الماضي لعب كل من المحيط الشاسع والصحراء الواسعة وسلاسل الجبال الوعرة كحواجز مانعه أعاقت حركة انتشار مختلف العناصر البشرية والاقتصادية ولا تزال الحدود السياسية المشتركة لبعض الدول تحول دون انتقال السكان عبرها فجدار برلين كان حتى وقت قريب من نوع الحواجز الماصة الذي حال دون انتقال الألمان الشرقيين إلى المانيه الغربية في الفترة الممتدة بين 1961-1989
2- الحواجز المسربة Permeable Barriers : فإنها تمتص قسم من طاقة موجة الانتشار ولكنها تسمح لباقي الموجه بالمرور من خلال تلك الحواجز فالحدود السياسية تلعب في احيان أخرى كحواجز نفاذه تعمل على تقليل أو تنظيم انسياب الظاهرة الجغرافية (حركة السكان)من خلالها دون إن تمنعها تمام .
3- الحواجز العاكسة Reflecting Barriers : يعمل هذا النوع من الموانع على تحويل وإعادة توجيه موجة الانتشار نحو الاتجاه الآخر فالامتداد العمراني في بعض أحياء مدينة عمان أو دمشق أو في مكة المكرّمة ارتد نحو المناطق المنبسطة أو الأقل وعوره بدل من امتداد المباني فوق المناطق شديدة الانحدار.
تعتبر الحواجز الماصة والنفاذة والعاكسة بأنها حواجز مكانيه Spatial Barriers تؤثر تأثير قوي على حركة انتشار الظواهر الجغرافية غير إن هناك حواجز غير مكانيه Non – Spatial Barriers تؤثر أيضا على عملية الانتشار المكاني وابرز أنواع الحواجز غير المكانية الحواجز السيكولوجية Psychological Barriers وإن تبني أو عدم تبني طريقه زراعيه جديدة أو أنواع محسنه من البذور يرتبط بشكل أساسي باستعداد المزارع بالمخاطرة لتبني هذه الطريقة الزراعية الجديدة لما يترتب عليها من ربح أو خسارة أما الحواجز الحضارية Cultural Barriers فتتعلق بالنواحي الدينية واللغوية والسياسية فانتشار طرق تحديد النسل قد يكون من المستحيل إن يتم تبنيها من قبل الأسر الاتي لا تسمح لها معتقداتها الدينية بذلك وفيما يتعلق بالنتائج المترتبة على عملية الانتشار المكاني بالظواهر الجغرافية على سطح أرض منطقه ما فيمكن توضيحها من خلال انتشار ظاهرة إنشاء الإنفاق مما ترتب على ذلك من تغير في درجة قرب الأماكن التي تقع على طول شبكة الإنفاق كما هو الحال في مكة المكرّمة كما إن انتشار ظاهرة النقل بالسيارات دفع الحكومات والمؤسسات ذات العلاقة باتخاذ قرار يقضي بإنشاء شبكة طرق حديثه وأدى إلى خلق توسعات في إنشاء المزيد من الطرق السريعة وظهور المزيد من الضواحي السكنية حول المدن الكبرى فضواحي المدن الأوروبية والأمريكية يتركز السكان في ضواحيها أكثر من أواسطها التي فقدت الكثير من سكانها .
ثالثا":-تعريف علم الجغرافيا :
أي تعريف عندما يقدم يجب إن يكون شاملا للشيء المعرف وبشكل موجز, وغير منقوص وان يكون جزلاً أي أن يكون غير مجتزأ أو استخدم لصياغة هذا التعريف العبارات الفوضوية وأن يكون أخيرا" متضمنا"لمختلف مركبات الشيء المعرف .
وتعريف الجغرافيا كعلم يجب إن يحتوي على اساسيات منها :
1 – ما هو ميدان الجغرافيا .
2- ما هي المهمة الجغرافية .
3- ما هي أهداف الجغرافيا .
وندرك محاولة كل جغرافي يتمتع بحس فلسفي للعلم الذي ينتمي إليه بطريقة أو بأخرى إن يضع تعريفا خاصا به للجغرافيا , و بعض الجغرافيين حاولوا وضع تعاريف للجغرافيا مدهشة أو ملفتة للانتباه بغرض الإبهار، كما أن هناك تعاريف للجغرافيا غامضة وركيكة في نفس الوقت. إن الهدف من تحليل هذه التعارف هو في أن نتبيّن من خلالها الاتجاهات الفكرية في العلوم الجغرافية, كما نريد إن نستعرض من خلالها المصطلحات الخاصة بالفلسفة الفكرية الجغرافية المتوفرة بين أيدينا والتي قدمت من قبل الجغرافيين ، ونحدد التعاريف الجيدة إذا كان ورائها فلسفة علمية أدت في الواقع الى تطوير هام للجغرافيا أو لأحد فروعها.
أ-بعض من التعريفات المجتزأة للجغرافيا:
التعريفات الجغرافية السريعة أو المجتزأة هي بالضرورة تعريفات ناقصة مثال:
1- الجغرافيا هي علم التوزيعات .
2- الجغرافيا هي علم الأينية.
3- الجغرافيا هي علم فلسفة المكان .
4- الجغرافيا هي علم العلاقات المكانية .
5- الجغرافيا هي علم الاختلافات المكانية .
6- الجغرافيا هي ما يفعله الجغرافيين .
7- الجغرافيا هي علم الأمكنة .
8- الجغرافيا هي علم الحروب.
9- الجغرافيا هي علم الاختلافات الإقليمية .
10- الجغرافيا هي علم النظم المكانية
وهذا التعريف الأخير هو للجغرافي الأمريكي المشهور الذي ساهم في تأسيس فكر الجغرافي الحديث واسمه هارت شون , وترجم كاتبة إلى اللغة العربية كل د . عبد العزيز آل السيخ , وموسى الشاعر.
والسؤال المطروح الآن يكمن في كيفية النظر إلى جملة هذه التعريفات، وهل يجب اعتمادها علميا خاصة وأن مجملها جاء على يد جغرافيين رفيعي المستوى ؟.
ويلاحظ على هذه التعريفات أنها ناقصة، وهي بالضرورة عالية الغموض ولا ندري ما هو المقصود منها على سبيل المثال: الجغرافيا هي علم فلسفة المكان ؟
كما لا تخضع هذه التعاريف جميعا إلى التعريف المثالي للجغرافيا الذي يجب إن يتضمن ميدان الجغرافيا ومهمتها وأهدافها، ويضاف إلى قضية الغموض عدم الدقة والخطأ في ترجمة المعاني الأصلية من المراجع الأجنبية التي أخذت منها، ومثالنا عن ذلك: تعريف الفرنسي دو لابلاش De la Blache بأن الجغرافيا هي علم الأمكنة. لابلاش استخدم كلمة Espace وقال إن علم الجغرافيا هو علم Espace. بالإنجليزي،الجغرافيا هي علم ال Space هذه هي الترجمة الحرفية لتعريف الفرنسي لابلاش كل شيء يكمن في ترجمة Espace التي ترادفها بالانجليزية Space والمعاني المحتملة باللغة العربية لكلمة Space أو Espace هي المجال – الفراغ – الفضاء.
وجاء هذا الخطأ الشائع الذي تم قبوله حاليا نتيجة لعدم التمييز بين كلمة Space وكلمة Place حيث إن كلمة Place تعني حرفيا المكان , فإذا كان المعنى باللغة الانجليزية والفرنسية ل Place يعني المكان فكيف تترجم كلمة Space إلى مكان .
ونتساءل الآن عن المعنى الذي يمكن إن تأخذه كلمة Space عندما نستخدم هذه الكلمة للدلالة عن ميدان الدراسة الجغرافية أو الشيء المدروس من قبل الجغرافيا؟
للإجابة عن هذا السؤال وأخذا بعين الاعتبار المعاني العربية الممكن استخدامها لكلمة Space لتعبر عن سطح الأرض الذي هو حقل الجغرافيا وميدانها، نقول " المجال "، وبالتالي فان أي تعريف بغير اللغة العربية استخدم في متنه كلمة Space فان المقصود هو المجال!
إذن عندما نترجم تعريف لابلاش لا يمكن القول بأن الجغرافيا هي علم الأمكنة إنما نقول بأن الجغرافيا هي علم المجال، كذلك عندما نترجم هارت شون " نقول الجغرافيا علم الأنظمة المجالية وليس المكانية .
في اللغة العربية فان التعبير المكاني للجغرافيا هو السائد حاليا والمقصود به سطح الأرض والمكان هو ليس مجرد موضع ومن خلال دراستنا للتعاريف نفترض في كل مرة تأتي أو تستخدم فيها كلمة مكان بأن المقصود منها هو المجال Space بالرغم أنه لغويا"وفي اللغة العربية لا يمكن ترجمة كلمة Space إلا بكلمة مجال .
ب -تعريف الجغرافيا من خلال بعض الموسوعات العلمية الرئيسة :
1- تعريف الموسوعة العلمية الفرنسية " لاروس Larrousse " :
الجغرافيا هي العلم الذي يهدف إلى وصف الشكل الحالي لسطح الأرض حسب مركبتيه الطبيعية والبشرية.
2- تعريف الموسوعة البريطانية : هي العلم الذي يهدف إلى بيان وتفسير سطح الأرض الحالي حسب مركبتيه الطبيعية والبشرية بهدف تحديد شخصية الأقاليم .
3- تعريف لجنة المصطلحات البريطانية 1950 م: الجغرافيا هي دراسة الاختلاف المكاني لسطح الأرض كما يبدو حسب خصائص وصفات وعلاقات عناصر سطح الأرض مع بعضها البعض وانتظامهما كالمناخ والتضاريس والأنهار والنبات والسكان والصناعة والإدارة.
4- تعريف الجمعية الجغرافية الأمريكية 1927م : الجغرافيا هي علم ايكولوجية سطح الأرض الذي يعني بدراسة استجابات الإنسان لعناصر البيئات الطبيعية المختلفة .
ج-تعريف بعض الجغرافيين ذو الشهرة العالمية :
1- مؤسس الجغرافيا الألماني " هتنر " 1898م : الجغرافيا هي علم معرفة مناطق الأرض حسب اختلاف بعضها عن بعض الأخر يأخذ بعين الاعتبار الإنسان الذي يعتبر جزء لا يتجزأ من طبيعة منطقة ما , ومن ناحية أخرى يقول بأن الجغرافيا : هي العلم الذي يدرس التوزيعات الجغرافية لسطح الأرض أي انه علم المناطق والأمكنة وما يختص باختلافاتها وعلاقاتها المكانية .
2- تعريف الفرنسي "دو كلوزيه" المأخوذ من كتاب تطور الفكر الجغرافي الذي عرّ به عبد الرحمن حميدة والمنشور عام 1982م : الجغرافيا هي العلم الذي يدرس سمات سطح الأرض أي المشهد المنظور " اللاندسكيب " الذي ينتج عن تفاعل المناخ والتضاريس والتجمعات النباتية والحشود البشرية وكذلك تدرس الجغرافيا القوى الطبيعية والبشرية التي تتحكم بتنظيم " اللاندسكيب " في الزمان والمكان فهي تسعى لان تفسر تناسقها على سطح الأرض داخل الإطارات الإقليمية .
3- تعريف الأمريكي " جيمس يرستن " : في مقدمة كتابة عن الجغرافيا الأمريكية قدم بريستن بأن الجغرافيا تعنى بدراسة الظواهر المجتمعة التي تشكل وتكون سمة للاماكن , كما تعنى بدراسة أوجهة الشبة والاختلاف بين الأمكنة .
4- تعريف الفرنسي ماكس دوهو: وهو التعريف المقتبس من كتابة الوجيز في الجغرافيا البشرية " 1963م، وقال بأن الجغرافيا :هي علم العلاقات المتعددة الذي يفسر عمل الإنسان وأساليب حياته في مواطنه على سطح الأرض .
د-التعاريف العربية للجغرافيا التي قدمت من قبل بعض من الجغرافيين العرب :
استخدام الدراسات والكتب العربية المتوفرة يسمح باستنباط عدد من التعاريف الجيدة للجغرافيا، ولهذا الموضوع الخاص بإيراد التعاريف المميزة للجغرافيا من قبل أصحاب الفكر الجغرافي العربي، قمنا باستخدام نتائج استبيان طلبة الدراسات العليا بقسم الجغرافيا الذي وجه لعينة مختارة من الجغرافيين السعوديين كما استخدم نتائج استبيانات قام بها أحد أعضاء القسم لزملائه ينتمون إلى جامعات عربية خارج المملكة العربية السعودية.
1- تعريف الأستاذ الدكتور اسعد سليمان عبده وهو أول جغرافي سعودي : الجغرافيا هي علم دراسة المكان ويقول بان المكان هو جزء من سطح الأرض بكل ما فية ومن فيه من أغلفة مثل الغلاف الصخري والجوي والحيوي وكذلك الإنسان ومنتجاته المادية والفكرية لذلك يمكن تقسيم مكونات المكان إلى طبيعية وحيوية وبشرية , والمكان هو ليس مجموعة العناصر المكونة له , وإنما هو كائن جديد ينتج عن تفاعل تلك العناصر ويؤكد بأن حقل الدراسات الجغرافية هو المكان حسب المعنى في التعريف " .
2- تعريف د . خضران الثبيتي : الجغرافيا هي ذلك الفرع من المعرفة الذي يهتم بدراسة الظاهرات الجغرافية زمانا ومكانا والعلاقة المتبادلة بينها ومع غيرها من الظاهرات غير الجغرافية وما يترتب على ذلك من نتائج.
3- أ . د . محمد الثمالي : عرف الجغرافيا بأنها هي العلم الذي يدرس توزيع ومواقع الظاهرات الجغرافية ويفسر ويحلل هذه المواقع والتوزيعات ويحدد حقل الدراسة الجغرافية بحسب الفرع المراد دراسته , الجغرافية الطبيعية حقلها الكون , والجغرافية البشرية مكان ومجال أنشطة الإنسان .
4- د . نزهة الجابري : تعرّف الجغرافيا بأنها دراسة شخصية المكان بملاحة الطبيعية والبشرية دراسة تحليل وتعليل وتوزيع والاستفادة التطبيقية من نتائج تلك الدراسة , وعن حقل الدراسة تقول : الجغرافية هي العلم الذي يدرس سطح الأرض والغلاف الجوي من حيث التباين والتكامل والتشابه ويحلل العلاقات المتبادلة بين مختلف الظواهر على السطح طبيعية وبشرية ومدى ارتباطها بمواطنها .
5- تعريف أ. د. رمزي الزهراني : الجغرافيا هي علاقة الإنسان بالبيئة وعن حقل الدراسات الجغرافية نهتم بدراسة المكان زائدا المجال و الزمان .
– نلاحظ بأن تعريف " الزهراني" هو أول تعريف لجغرافي عربي لا ينفي استخدام كلمة المجال ويعتقد إن الدراسة الجغرافية لا يمكن إن تغفل مفهوم المجال لأن هناك مكونات كثيرة لها مركبة مساحية مجالية كبيرة على سطح الأرض لا يمكن استيعابها بالمكان مثال: التربة , النبات , التضاريس , العناصر الجوية …..الخ. وهناك مكونات لسطح الأرض علاقتها مع السطح تبقى مكانيه أو موضعية على سطح الأرض مثال : مرافق الخدمات أو المرافق الإدارية أو المرافق التجارية أو مرافق التجهيزات التقنية ….الخ .
في الواقع لا يمكن إهمال مفهوم المكان وعلاقاته العضوية مع عناصر ومكونات سطح الأرض وكذلك ما يمكن أن يولّد من منهجيات علمية جغرافية في حقل البحوث الجغرافية، وكذلك الحال فيما يخص اعتماد مفهوم المجال في العمل الجغرافي لأنه يعكس الصيغة الحقيقية لجغرافية عدد كبير من عناصر سطح الأرض ويولّد منهجيات قوية مرتبطة ومندلقة منه .
6- تعريف أ.د. احمد الشريعي : يقول لا استطيع إن أقول بأن الجغرافيا هو ما يكتبه الجغرافيون ولكن لا يمكنني القول بأنني أميل إلى تعريف الجغرافيا بأنها : دراسة الإنسان في البيئة , وعن حقل الدراسات الجغرافية يقول " بشكل قاطع المكان " .
7- تعريف د. فضل أيوبي : الجغرافيا هو العلم الذي يعني بدراية شخصية المكان الطبيعية والبشرية وهي دراسة تقوم على التحليل والتعليل والتوزيع وترصد التفاعلات والتبادلات والمتغيرات والتناقضات والمستقبل في هذه الشخصية , وعن حقل الدراسات الجغرافية يقول سطح الأرض .
8- تعريف عبد الفتاح وهيبة في كتابة جغرافيا الإنسان ص 36 : الجغرافيا هو العلم الذي يدرس العلاقات المتبادلة التي تدخل في الغالب في اختصاص علوم مختلفة , الأمر الذي يجعل منها علما توليفيا , ولعل مرجع ذلك إن الجغرافيا حينما تدرس ظاهرة من الظواهر لا تدرسها بمعزل من غيرها وإنما من خلال كل ما يربطها وترتبط به من عناصر ويقول في ص 39 من نفس الكتاب : الجغرافيا لا تدعى بأنها فلسفة أو " دين " ولا تنحدر ولا تتحزب لمذهب سياسي كما إن طريقتها ووسائلها " أدواتها " اضعف من إن تنافس العلوم المتخصصة في دراسة الأرض والإنسان ؟! .
9- تعريف أ.د. إبراهيم الأحيدب : الجغرافيا هي العلم الذي يهتم بدراسة سطح الأرض وما عليه من ظاهرات طبيعية وبشرية والتفاعل المتبادل بينهما .
10- تعريف د. الأمين عبد الصمد : الجغرافيا هي العلم الذي يهتم بالوصف والتوزيع والربط لإبراز العلاقات بين الظواهر الطبيعية والبشرية من خلال التحليل والتغيير لتلك الظواهر والعمل على إبراز أهم أوجه التشابه والاختلافات لإمكانية وضع القوانين الثابتة للإسهام في حل المشاكل .
11- تعريف د . محمد سعيد البارودي : الجغرافيا بأنها العلم الذي يهتم بدراسة وتوزيع الظاهرات الطبيعية على سطح الأرض وعلاقتها بالنشاط البشري تأثراً وتأثيرا , وعن حقل الدراسة الجغرافية يقول " سطح الأرض " ويمكن إن يهتم بأسطح الكواكب الأخرى إذا وصل إليها الإنسان وتفاعل معها .
12- د. سعيد التركي : الجغرافيا هي : علم دراسة التأثيرات والعلاقات المتبادلة بين الإنسان والعوامل الطبيعية , وحقل الدراسة الجغرافية هو " سطح الأرض " بأشكاله وعلاقاته بباطنها وكذلك بعلاقته مع الغلاف الجوي ( الغازي ) .
13-تعريف د. معراج نواب مرزا : الجغرافيا هي : علم علاقة الإنسان بالبيئة الحيطة به ومدى تأثيره بها وتأثيرها عليه وهو يدرس الظواهر الطبيعية والبشرية وعلاقتهما مع بعضهما البعض وتتفاعل الجغرافيا مع كثير من العلوم التي ساعدت على تطوره على مدى الزمن , وأن حقل الدراسة الميدانية هو " سطح الأرض " .
13- تعريف د. مصلح القحطاني : هو ذلك العلم الذي يدرس تفاعل الإنسان مع البيئة وما ينتج عن ذلك من ظاهرات دراسة وتحليل وتعليل وتوزيع , وحقل الدراسة الجغرافية هو " المجال الذي يؤثر ويتأثر بالإنسان " .
14- أ.د. رشود الخريف: الجغرافيا هي وصف للتبيان المكاني وتفسير ذلك من خلال ربط الاختلافات المكانية بخصائص الأماكن سواء كانت هذه الاختلافات اجتماعية أو اقتصادية أو طبيعية أو بيئية .
د- بعض التعريفات الموثقة للجغرافيين خارج المملكة العربية السعودية :
1- محمد عبد الغني سعودي : علم الجغرافيا هو الذي يهتم بدراسة البيئة الطبيعية والإنسان والعلاقة المتبادلة بينهما ومحاولة تفسير التنظيم المكاني للظواهر الجغرافية المختلفة " الظواهر الطبيعية والبشرية " .
2- تعريف موسى شاعري يقول بأن: الجغرافيا هي علم الذي يدرس شخصية المكان طبيعيا وبشريا دراسة تحليل وتوزيع وتعليل بهدف استخدامها في الجوانب التطبيقية .
3- حسن أبو العنين يقول : الجغرافيا هي العلم الذي يدرس البيئة والإنسان ومدى العلاقة و التفاعل بينهما واثر الإنسان في تشكيل البيئة في نشاط الإنسان وحياته .
4- محمد حجازي يقول بأن الجغرافيا هي : العلم الذي يهتم بدراسة العلاقة بين الإنسان والأرض التي يعيش فوقها بمقدار ما يؤثر فيها وتهتم الجغرافيا بالنظم المكانية البيئية والنشاط الإنساني على سطح الأرض .
5- محمد محمود محمدين وطه عثمان الفراء من كتابهم في " المدخل إلى علم الجغرافيا " الجغرافيا هي : علم من العلوم الإنسانية يدرس سطح الأرض في تباينه المساحي بوصفة موطنا للإنسان وذلك بأسلوب عملي منظم يقوم على الملاحظة والوصف والشرح واستنتاج العلاقات القائمة بينهما وبين الإنسان في البيئات المختلفة .
6- في كتابه عن الجغرافيا الطبيعية يقول محمد سامي عسل بأن : الجغرافيا هي دراسة العلاقات المتبادلة بين الظاهرات المختلفة في مكان معين ودراسة العلاقات المكانية بين الظاهرات في الأماكن المختلفة
7- في كتاب البحث الجغرافي مناهجه وأساليبه لصفوح خير يقول بأن : الجغرافيا هي علم دراسة العلاقات بين البيئة الطبيعية والإنسان أو هي علم دراسة توافق النشاطات البشرية للبيئة الطبيعية .
8- شاكر خصباك في كتابة " عن طبيعة الجغرافيا "، يقول بأن: الجغرافيا هي العلم الذي يهتم بدراسة الظواهر الجغرافية المختلفة على سطح الأرض وقد تشمل هذه الدراسة الاهتمام ظاهرة أو الظاهرات الطبيعية كانت أم بشرية .
9- فوزي الأسدي في كتابة عن جغرافية أمريكا الشمالية يقول بأن: الجغرافيا هي العلم الذي يهتم بدراسة العلاقات المتبادلة بين الظواهر الطبيعية والبشرية الموجودة على سطح الأرض فالجغرافيا إذن هي علم العلاقات المكانية بقدر ما تهدف إلى خدمة الإنسان .
10- في كتاب الجغرافيا السياسية لمحمد متولي ومحمود أبو العلا يقول بأن: الجغرافيا تدرس الظاهرات على سطح الأرض الطبيعة والبشرية القائمة في الوقت الحالي .
وتسمح الدراسة المقارنة لجملة هذه التعاريف التوصل الى التعريف الشامل الذي يجب كما سبق ذكره إيجاز حقل ومهمة الجغرافيا وأهدافها بالصورة التالية:
الجغرافيا هي العلم الذي يهتم بدراسة الانتظام المكاني-المجالي- الزماني لمختلف المكونات الجغرافية لسطح الأرض الطبيعية والبشرية والاقتصادية بهدف الاستغلال الأمثل لهذا السطح لصالح الإنسان وضرورات حياته وحسب الشروط المحددة للشخصيات المختلفة للأقاليم.
رابعا:- الجغرافيا ومفهوم سطح الأرض:
سطح الأرض هو ميدان الجغرافيا أو حقل دراستها، وهي بذلك تدخل في مجموعة علوم الأرض الذي تختلف عن مجموعات العلوم الأخرى كمجموعة العلوم التجريبية ومجموعة العلوم القضائية والتشريعية أو مجموعة العلوم الإنسانية والأدبية…الخ
وتعتبر مجموعة علوم الأرض من أهم المجموعات العلمية وأكثرها تأثيرا وتحديدا لحياة الإنسان خاصة في الفترة الحالية التي تتسم بمختلف أنواع النشاط الحضاري – الصناعي الذي بدأ يؤثر سابا على القضايا البيئية التي تحتل وتنتشر بجغرافيتها كافة أجزاء سطح الأرض.
وتعرّف مجموعة علوم الأرض بأنها مجموعة العلوم التي تدرس كوكب الأرض والتي يهتم كل علم منها بدراسة جنب أو جزء من أجزاء الأرض، وهي كما يلي:
– العلوم الجغرافية: وتدرس سطح الأرض
– العلوم الجيولوجية: وتدرس قشرة الأرض وباطنها
– علوم الأرصاد الجوية: وتدرس فيزياء الغلاف الغازي
– علوم البيئة: وتدرس بيئات الأرض ونظمها الحيوية
– علوم الفلك: وتدرس فلكية الأرض
– علوم الجيوديسيا والمساحة: وتدرس قياس أبعاد سطح الأرض وتوثيقها طبوغرافيا
– علوم البحار والمحيطات: وتدرس فيزياء وكيمياء وبيولوجيا البحار والمحيطات
وتختلف هذه العلوم وتتفرد بمنهجيتها وبأهدافها عن باقي العلوم الأخرى وعن بعضها البعض، إلا أنها تشترك في خاصية واحدة تكمن في العمل الميداني وكون التجربة فيها هي تجربة حقلية وليست مخبريه وتهدف دوما إلى تحديد عناصر الأرض بالقياس.(*)
ولسطح الأرض الذي هو ميدان الدراسة الجغرافية خصائص أدت الى تحديد المهام الجغرافية التي تشكل بمجملها أهداف العمل الجغرافي وأهم هذه الخصائص هي:
1- سطح الأرض هو الحقل الدائم للتغيرات
لا يمكن اعتبار المجال الجغرافي أو سطح الأرض متجانساً من مكان إلى آخر أو من زمن إلى آخر، وهذا المجال الذي نشعر به مؤلف من مكونات هي في الواقع عبارة عن معقدات أو مركبات جغرافية تشكل سطح الأرض. ونجد عدم التشابه واضحا بين هذه المركبات فيما بينها وهو يتحكم في التخالف أو التباين الكبير الجغرافي حسب المكان والزمان ليس فقط بين أنواع المكونات الرئيسة بل وداخل النوع نفسه لمختلف بقاع سطح الأرض،ويرتبط كل من التخالف والتباين بشكل مباشر بدرجة التباعد في التشابه الذي يعبر عنه بالمسافة الفاصلة على سطح الأرض بين عناصر المكون الواحد أو بين مكون وآخر على سطح الأرض. وفي الواقع لا نشعر عندما ندرس المجال الجغرافي مجرد ، من خلال دراسة كل عنصر عن من عناصر السطح، بأن هذه العناصر تتميز وتتفرد على السطح بشكل مستقل وإنما نشعر بوجود معقدات تجمع بين هذه العناصر المختلفة والمثال على ذلك، المعقد البيدولوجي أو معقد التربة الذي يعتبر من أهم مكونات السطح الجغرافية فهو يضم عدد كبير من أنواع الترب، وكل نوع منها يتألف من عدد كبير من العناصر الجغرافية وغير الجغرافية التي تستخدم في دراسة الترب، أي الدراسات التي تتناول العمليات التفسيرية الهادفة إلى الاستدلال عن الانتظام المكاني للترب التي تشكل الهدف الرئيس في العمل الجغرافي.
مثال آخر: لا نشعر بتأثير الحرارة لوحدها أثناء اليوم وإنما نشعر بحالة الطقس التي تحدث نتيجة تضافر مختلف عناصر المناخ، ومن هذا يتضح أن المجال الجغرافي مؤلف من أجزاء تعطيه طابع عدم الاستمرارية والتقطع وبذلك يصبح هذا السطح المكان الدائم للتغيرات المستمرة.
ونلاحظ بشكل دائم هذه العلاقة الطردية بين هذه التغيرات الدائمة و مساحة المجال الجغرافي المعتبر وعلى العكس كلما صغرت مساحة المجال الجغرافي كلما قلت التغيرات به أو تصبح أقل أهمية.
ويدعو هذا إلى الاستنتاج بأن النقطة على سطح الأرض في زمن معيَّن محدد وبشكل ما هي التي تحقق التجانس حيث تنعدم الجغرافية لأن النقطة هي وحيدة الطبيعة والتركيب، وبالتالي لا يوجد أية جغرافية للنقطة التي تعتبر جزأ" متناهيا" في الصغر من سطح الأرض.
إن التغيرات الحالية لمعقدات ولمكونات سطح الأرض والعناصر الخاصة بها أو المؤلفة لها هي إذن شديدة التنوع حسب المجال والمكان وكذلك الحال فيما يتعلق بتغيرات الوقائع المختلفة التي تكوّن علامات دائمة على سطح الأرض وتتم التغيرات حسب مركبتين أساسيتين:
أ- سطح الأرض هو حقل للتغيرات الزمانية:
وتتطلب دراسة وتحليل هذه المركبة استخدام المحورين التاليين:
1- دراسة التغيرات الزمنية الصرفة حسب الوحدات الزمنية الجغرافية وهي من الأكبر الى الأصغر : المدة المؤلفة من عدد من السنوات، السنة، الشهر، اليوم، الساعة.
ويمكن حاليا" اختراق جدار اليوم وإجراء بعض من الدراسات الجغرافية على مستوى الساعة نتيجة لتوفر أدوات التقنية المتقدمة كالحاسب الآلي، إلا أن ذلك يتطلب التقيد بالعلاقات الدائمة بين مساحة أو حجم المنطقة المدروسة والزمن المعتمد لها، أي أن التناسق المجالي- المكاني الزمني يحتم اعتماد مساحة صغيرة من سطح الأرض لدراسة التغيرات الخاصة بعناصرها الجغرافية التي يمكن أن تدرس حسب وحدات زمنية الصغيرة.
2– دراسة التغيرات الزمنية بالطرق والأساليب الكمية أو البيانية المعروفة:
أ- دراسة التغيرات وتحليلها بيانيا حسب التتابع الكرونولوجي الحقيقي للزمن لإجراء تحليلات الأنظمة.
ب- دراسة التغيرات وتحليلها بيانيا حسب التتابع غير الكرونولوجي للزمن أي بعد ترتيب القيم لإجراء التحليلات الاحتمالية وتحليلات التركز.
ونستطيع القول بأن تغيرات العناصر حسب المركبة الزمنية يخضع لكثير من العوامل ويتأثر بها. مثال: المستوى التكنولوجي، العادات والتقاليد في نظم الإنتاج أو في نظم الاستثمار والتطوير، عدد السكان, رؤوس الأموال … الخ من عوامل كثيرة ومتنوعة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لتفسير هذه التغيرات الزمنية.
ب- سطح الأرض هو حقل الاختلافات المكانية:
درج استخدام تعبير المكان وإقرانه بالجغرافيا ليعبر عن حقل الدراسة الجغرافية وبالتالي عن المهمة الجغرافية، وفي هذه الأثناء ونتيجة لتطور المعرفة العربية بقواعد الجغرافية النظرية العالمية، يجب التمييز بين المكان "ٍSite" والمجال "Space"، كونهما مفهومان أساسيان من مفاهيم الدراسة الجغرافية لسطح الأرض الذي يشكل حقل العمل الجغرافي. فإذا كان نمط علاقة المكوّن المدروس مع سطح الأرض علاقة مساحية أي عندما نجد بأن طبيعة انتشار مكوّن ما على السطح طبيعة مساحية كالتربة مثلا" أو الغطاء النباتي أو أي عنصر من عناصر الجو التي تعتبر عناصره جغرافية ذات علاقة مساحية مع سطح الأرض فان التركيب اللغوي المستخدم المعبر عن جغرافية هذا المكوّن يجب أن يعكس طبيعة انتشاره، وبالتالي نتكلم عن تغيرات أو تباينات أو تخالفات مجالية، وتكون المهمة الجغرافية متعلقة بشكل عام بالكشف عن العلاقات المجالية. أما إذا كان نمط علاقة المكوّن المدروس مع سطح الأرض علاقة موضعية أي أن طبيعة انتشار هذا المكوّن على السطح طبيعة مكانية كأي عنصر من عناصر الخدمات أو الإدارة أو التجارة مثلا" أو أي عنصر آخر موضعي على سطح الأرض كنقاط المياه أو آبار النفط…الخ، ذو جغرافية موضعية على سطح الأرض فان التركيب اللغوي المستخدم المعبر عن جغرافية هذا المكوّن يجب أن يعكس طبيعة انتشاره وبالتالي نتكلم عن تغيرات أو تباينات أو تخالفات مكانية ، وهكذا بالنسبة للعناصر أو المكونات الخطية لسطح الأرض حيث نستطيع التعبير عن تغيرات أو تباينات أو تخالفات خطية، وتكون المهمة الجغرافية متعلقة بشكل عام بالكشف عن العلاقات الخطية لهذا العنصر الخطي المدروس.
ندرك إذن بأن التعبير الأكثر ملاءمة لإقرانه بالجغرافيا كعلم هو سطح الأرض وضرورة أن نعتبر المكان والمجال من مفاهيم سطح الأرض الذي يشكل ميدان الدراسة الجغرافية. فالتغيرات على السطح الجغرافي للأرض هي التي تولّد الجغرافية، وتتم على هذا السطح أي على المجال "Space" إن كانت هذه التغيرات خاصة بعناصر مساحية أو موضعية أو خطية، ولا يمكن أن تحدث على المستوى المكاني أو الموضعي حيث يتحقق التجانس الذي يصبح مطلقا" على مستوى النقطة التي تشكل أصغر موضع على السطح. وهكذا نجد بأن مجموعة المؤلفات في الجغرافيا النظرية باللغات الانجليزية أو الفرنسية أو الألمانية تستخدم مفهوم المجال "Space"وليس المكان "Place" للتعبير عن التغيرات الخاصة بالعناصر الجغرافية إن كانت مساحية أو مكانية أو خطية فنقول تغيرات مجالية "Spatial Variability" عوضا" عن المكانية لأن ذلك أكثر التصاق وفاعلية لواقع الجغرافيا ومهمتها وأهدافها، وهذا ما سيستخدم في هذا المؤلف.
التغيرات المجالية تعني إذن دراسة توزيعات أي عنصر أو مكوّن جغرافي على سطح الأرض، والبحث في التغيرات المجالية يعني الغوص في غمار المهمة الجغرافية التي تتبلوّر في ثلاثة محاور هي:
– المحور الخاص بتحديد أنماط الانتظام المكاني أو المجالي للعناصر المدروسة داخل منطقة الدراسة للتعرف على طبيعة العلاقات مع سطح الأرض .
– المحور الخاص بتحديد العلاقات المكانية بين العنصر المدروس وما جاوره أو ما يقع في وسطه المحيط من العناصر ذات الطبيعة الجغرافية المختلفة التي بتأثيراتها المتبادلة أدت إلى جغرفة العنصر أو نشوء جغرافية للمكوّن الجغرافي المدروس.
– المحور الخاص بتحديد العلاقات المكانية بين العنصر المدروس وما جاوره أو ما يقع في وسطه المحيط من العناصر أو المكونات من نفس الطبيعة الجغرافية التي بتأثيراتها المتبادلة أدت إلى نشؤ جغرافية العنصر أو المكوّن الجغرافي المدروس.
كيف يستطيع الجغرافي السيطرة على سطح الأرض الذي يعتبر بوتقة للتغيرات الدائمة ثم كيف يستطيع تشخيص وتحديد هذه التغيرات المجالية- المكانية- الزمانية من أجل أن يحقق أهدافه في دراسة سطح الأرض للتعرف على الإشكاليات الناتجة عن تفاعل الانسان مع هذا السطح والاستدلال عليها بغية وضع الخطط الكفيلة باستخدام آني ومستقبلي لسطح الأرض استخدما أمثلا".
وهنا يكمن دور الأدوات الجغرافية التي على رأسها يأتي دور الخرائط في العمل الجغرافي التي تشكل العمود الفقري للبحث الجغرافي ودعامته لذلك يجب التطرق لموضوع هام يكمن في كيفية تناول التشخيص العلمي لعناصر سطح الأرض بغية تمثيلها خرائطيا.
التحديد الكارتوغرافي لعناصر ومكونات سطح الأرض:
بالإضافة إلى ما تم ذكره فيما يتعلق بضرورة التمييز بين عناصر أو مكونات مساحية أو موضعية أو خطية فان الخاصية النوعية أو الكمية المعتمدة للعنصر الجغرافي يجب كذلك أن تحدد من أجل التوصل إلى تشخيص أمثل للعناصر التي نريد تمثيلها كارتوجرافيا وذلك كما يلي:
1- حسب نوع العنصر المدروس مثال: أنواع الترب المختلفة أو أنواع الصخور الجيولوجية…الخ، وهنا نتكلم عن تغيرات مجاليه نوعية لأن العناصر أو المفاهيم المعتمد دراسة تغيراتها على سطح الأرض هي نوعية.
2- ولأهداف البحث العلمي الجغرافي تتم دراسة التغيرات المكانية أو المجالية لعنصر أو متغير جغرافي ما اعتمادا" على مقوماته أو مفاهيمه الكمية مثال: كأن ندرس توزع إنتاج محاصيل الحبوب أو أي نوع من الزراعات حسب القرى أو النواحي أو أن ندرس توزع إنتاج مختلف أنواع الثروة الحيوانية دون أن ننظر إلى نوعها حسب الأقاليم أو القرى في بلد ما، وفي هذه الحالة نتكلم عن تغيرات مجاليه أو مكانية كمية. والتغيرات حسب المجال أو المكان تخضع بدورها لعوامل كثيرة تؤثر عليها ومنها درجات العرض – الارتفاعات والانخفاضات – القرب أو البعد عن سطح البحر – التعرض أو عدمه … الخ. كذلك فإن من العوامل الأخرى المؤثرة في التغيرات المكانية-المجالية المستوى الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي والثقافي لسكان المناطق المختلفة. وعلاوة على ذلك فان شدة التغيرات المجالية أو التغيرات المكانية للعناصر والمكونات الجغرافية لمنطقة ما تنتج وتعبر عن مقدار تفاعل الإنسان مع سطح الأرض وتتحدد بإمكانات تنقل هذا الإنسان وسرعته حسب أشكال هجرته اليومية داخل المدن أو ضمن حقل تأثيرها خاصة للأقاليم البشرية أي التي تتميز على كثافات سكانية عالية، بينما الأراضي الطبيعية غير الحضرية التي تكاد تخلو من السكان تخضع بداخلها آليات التغيرات المكانية أو المجالية إلى آليات عمل الطبيعة والتأثير المتبادل بين العناصر الجغرافية الطبيعية لسطح الأرض حيث لا يكون للإنسان أي دور.
ويجب التنويه بأن الدراسات الفكرية الحديثة تقرن استخدام مفهوم التغيرات الخاصة بأي مكون أو عنصر جغرافي لسطح الأرض عندما يلاحظ بأن هذا العنصر يقدم تغيرات جذرية أو متأصلة إن كانت مكانية أن مجالية على سطح الأرض. أما إذا تعلق الأمر بالمركبة الزمنية للتغير فان التغيرات الزمنية يقصد بها تلك التغيرات طويلة الأمد التي تتم على مدد زمنية تزيد عن العشرة أو العشرين سنة. أما التباين والتقلب والتذبذب فهي تعبيرات يمكن أن تخص الفترات الزمنية القصيرة كاليوم أو الشهر أو السنة.
التصنيف العام للعناصر أو المكونات الجغرافية من المنظور الكارتوغرافي:
من خلال ما جاء أعلاه ندرك بأن العناصر أو المكونات الخاضعة للتمثيل الكارتوغرافي الجغرافي تصنف إلى ما يلي:
1- العناصر أو المكونات المساحية النوعية،وخير مثال عنها: الترب، الغطاء النباتي…الخ
2- العناصر أو المكونات المساحية الكمية، وخير مثال عنها: العناصر الجوية…الخ
3- العناصر أو المكونات الموضعية النوعية، وخير مثال عنها:مرافق الخدمات، الإدارة…الخ
4- العناصر أو المكونات الموضعية الكمية، وخير مثال عنها: إنتاج الآبار بأنواعها المختلفة، عدد طلاب المدارس،…الخ
5- العناصر أو المكونات الخطية النوعية، وخير مثال عنها:الشبكة المائية، شبكة الطرق…الخ
6- العناصر أو المكونات الخطية الكمية، وخير مثال عنها: التدفق المروري، حركة التجارة، كميات البضائع بين الموانئ…الخ
الخصائص الرئيسة للتغيرات المكانية-المجالية:
في الواقع ومن الناحية العلمية الصرفة، لا يوجد على الطبيعة حدود انقطاع بين معقد وآخر أو بين مكوّن وآخر أو بين عنصر و آخر، ذلك لأن الانتقال بين العناصر المكونة لسطح الأرض يتم بصورة تدريجية انتقالية ومن النادر أن يكون هذا الانتقال قاسياً أو سريعاً. من جهة أخرى نلاحظ عند دراسة سطح الأرض بأن المناطق الانتقالية هذه تتسم أحياناً بالوضوح وأحياناً أخرى بعدمه، وهذا الأمر يضيف تعقيداً جديداً على التغيرات الجغرافية التي ترتسم على سطح الأرض لعنصر أو لمكوّن ما وتضطرنا إلى تحديد درجة ثبات المركب أو المعقد الجغرافي لأن درجة الثبات تتعلق بشدة التجزيء أو التقطيع المساحي أو المساحي- الزمني الذي نعتبره. إن المناطق شديدة الثبات هي المناطق الأقل تفاوتاً أو تبايناً أو تنافراً وإن العنصر الجغرافي الأكثر ثباتاً هو أيضاً العنصر الأقل تنافراً أو تبايناً.
العناصر الجغرافية البطيئة في تغيراتها المكانية-المجالية هي التي يجب أن يستند عليها لتشكيل قاعدة لتمثيل المتغيرات الأقل ثباتاً، أي أنها يمكن أن تشكل أساسا يستخدم لإنشاء تركيبات أكثر وضوحاً: مثال: كأن نعتبر دراسة تغير السكان حسب المجال الجغرافي بالاعتماد متغير آخر شديد الثبات وهو حدود المناطق الإدارية، أو دراسة وتحليل الخصائص التعليمية-الثقافية السكانية حسب القرى والهجر، أو اعتماد الخطوط الرئيسة للتضاريس لتحديد التغيرات المجالية لأي عنصر جوي عند تصميم خريطة مناخية لإقليم ما…الخ، وهكذا نستطيع أن نتصور طبيعة حدود العناصر أو المكونات الجغرافية لسطح الأرض على أنها تصنف كما يلي:
1- عناصر ذات حدود استاتيكية ثابتة: وهذه العناصر تشكل المتغيرات الأكثر تبايناً وتتميز بحدود انتقالية ضيقة بينها وبين المتغيرات الأخرى المجالية مثال: نجد هذه العناصر في حدود مختلف أنواع التكشفات الجيولوجية على الخرائط الجيولوجية، وكذلك في الخرائط التي تبين توزيع أنواع التضاريس أي الخرائط الجيومورفولوجية، وفي الخرائط التي تبين أنواع التربة … الخ. ومن هذه الأمثلة نستطيع أن نستنتج أن أنواع التضاريس وأنواع الترب هي أمثلة لمكونات أو لمتغيرات تكاد تكون تغيراتها الزمنية غير ملاحظة على مقياس العمر الزمني للإنسان لدرجة اعتبارها ثابتة قليلة التغير حسب المجال-المكان والزمن.
2- عناصر تتمتع بحدود ديناميكية حركية أو متغيرة: وهي المتغيرات التي تعرف حدودها تغيرات كبيرة وغالباً ما تكون الحدود بينها وبين المتغيرات الأخرى مشكلة من مناطق انتقالية كبيرة.
مثال: الخرائط التي تبين شكل الإشغال الوظيفي للأرض, خرائط المناطق الحضرية, الخرائط المناخية, الخرائط الزراعية، كما نستطيع بسهولة أن نتصور بأن الحدود بين مساحة الأراضي الزراعية تتغير بشكل كبير حسب المقياس المجالي-المكاني الجغرافي ومن عام إلى عام آخر أو حتى من فصل زراعي لآخر مما يسمح باعتبار المتغيرات الزراعية مثال عن المتغيرات الجغرافية ذات حدود ديناميكية حركية.
ومن الأهمية بمكان أن يؤخذ بعين الاعتبار هذه الحقائق وأن نعلم بأن الكارتوجرافيا الجغرافية يجب دوماً أن تعبر بوضوح عن خصائص المجال وكذلك أن تعبر أيضا عن الاختلافات الدقيقة أي التدرجات الإيجابية أو السلبية داخل النوع الواحد أو المركب الواحد أو العنصر الواحد، ومثال على ذلك تدهور التربة الحمراء في شرقي المتوسط كلما اتجهنا إلى الداخل القاري.
استنتاج المناطق المتجانسة:
المجال الجغرافي هو المكان الحقيقي لمركبات واقعية جغرافية ذات تنوع كبير وهي أساساً متغيرة، متباينة ومتخالفة عن بعضها البعض، ولا يجب الاكتفاء بالمعلومات والمعطيات الرقمية وغير الرقمية يمكن أن تساعد على فهم بعض التفاصيل المتعلقة بهذه الوحدات إلا أنها لا تساعد بشكل مطلق وجلي على تحديد تغيراتها المجالية-المكانية، لذلك فإن الدراسات التي تحاول الاكتفاء بذلك دون استخدام أية طرق للمعالجة الجغرافية-الكارتوغرافية لهذه البيانات لن تتوصل في النهاية إلى نتائج ذات أهمية علمية كبيرة. وتسمح المعالجة الكارتوجرافية لهذه المعلومات بتوليد وثائق علمية جغرافية جديدة تؤدي دراستها وتحليلها إلى تحقيق الهدف الجغرافي الأولي الكامن في تحديد التغيرات المجالية الرئيسية ومحاور هذه التغيرات. في الواقع، فان الاكتفاء بدراسة الأرقام والمعطيات الأولية لا تمكننا من التوصل إلى هذه النتيجة، ذلك أن المطلوب يكمن في البحث المنطقي عن المساحات أو عن الأراضي التي تتشابه فيما بينها التشابه الأمثل وأن نستطيع أن نسمي هذه المساحات ذات التشابه الداخلي أو التجانس الداخلي باسم منطقة أو مجال متجانس للمتغير أو للمكوّن الذي تتم معالجته بالتمثيل الكارتوغرافي. والمقصود بالتجانس في هذا النص هو التجانس النسبي لأن الطبيعة لا تقدم مساحات متجانسة إطلاقاً وهذا التجانس النسبي هو التجانس المعمم الذي نقبل به بشكل مرحلي لضرورات البحث والتحليل: " إن التشابه هو ليس عكس الاختلاف ولكنه مجرد تعميم تحدث بداخله الاختلافات الثانوية التي قد يتجاهلها البعض"* .
ويعتبر إنشاء وتصميم الخريطة الجغرافية المصممة للأغراض العلمية هاما" ليس فقط لبيان قدرة هذا الجغرافي الكارتوجرافية وفهمه لطرق التمثيل، بل وتعكس في نفس الوقت وجهة نظر الباحث في كيفية فهمه للتوزيعات ومرئياتة في نمذجة محاور التغير كارتوغرافيا". وتقدر في هذه الحالة عبقرية استخدام الطرق الكارتوغرافية بكل إمكاناتها المتاحة لإظهار تدرجات المتغير الممثل التي يجب أن تبدو واضحة على الخرائط المنفذة، كذلك يجب التمكن من إظهار "المساحات المتجانسة" بشكل واضح وصحيح كارتوغرافيا"، هذه المساحات هي التي من ناحية أولى تقسم المجال الجغرافي إلى أجزاء مستقلة ومتميزة عن بعضها البعض، مما يؤدي إلى التقرب من انجاز أهم المهام-الهدف في العلوم الجغرافية الخاص بتحليل سطح الأرض بغية التوصل إلى استثماره وإنعاشه لصالح الإنسان.
ومن ناحية أخرى لا يعتبر ، تحديد هذه المساحات المتجانسة سهلا" في بعض الأحيان، لأنه في كثير من الحالات لا نستطيع التأكد من التجانس وتصوير المساحات المتجانسة بالسهولة التي نعتقدها وبالوسائل والأدوات الكارتوغرافية المتاحة، باعتبار أن فاعلية الطرق التي تستخدم تبقى نسبية ، ويظل الهدف في إيجاد الحدود الخاصة لكل مساحة من الأرض يكمن في داخلها التشابه الأكبر والأكثر تعبيراً بصورة لا نستطيع معها رفضه، غاية الكارتوجرافيا الجغرافية.
إن مفهوم التجانس يتلخص بثلاث أنماط كما يلي:
1- هناك التجانس العام ونستطيع فهمه وتعريفه عندما نلاحظ بأن كل الأفراد أو نقاط المجموعة المشكلة للمجال تمتلك خصائص تشابه أو تقدم فيما بينها تشابه كبير بالنسبة لأفراد أو نقاط المناطق الخارجة عن هذه المجموعة أو هذا الحيز،مثال: السهول الزراعية تشكل وحدة مساحية كبيرة التجانس وهي تخالف الأراضي الجبلية المستخدمة في الرعي.
2- التجانس النسبي ويعرف عندما يكون هناك عنصر محدد أو نوع معين من العلاقات يأخذ الهيمنة أو يسيطر على باقي العناصر الأخرى ضمن نفس الحيز أو المكان،مثال: تحديد المناطق الصحراوية المطلقة أو أن تحديد مناطق السهوب أو مناطق زراعة القطن … الخ.
3- التجانس المشتت ويعرف عندما نلاحظ في نفس المجموعة تردد عنصر أو عنصر ثانوي بشكل ملاحظ أو يكرر نفسه مرات عديدة، مثال: عندما نلاحظ في منطقة ما تكرر استخدام أحد نظم الري أو عندما نرى تكرر ساحات المقابر ، أو تكرر ساحات مواقف السيارات لأحد الأحياء…الخ، داخل المجال الحضري للمدن.
العلاقات المجالية-الزمانية ومشكلة المقياس:
إن الحل الكرتوجرافي لأية إشكالية جغرافية علمية يؤدي إلى ضرورة الخوض في أساس العلاقة بين مساحة المنطقة المتجانسة وعدد أو طبيعة الخصائص الأصلية أي المتغيرات أو العناصر التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في سبيل تحديد هذا التفرد الجغرافي لهذه المنطقة كإقليم مميز، وبالتالي فان هناك تناسب طردي بين عدد ونوعية خصائص المنطقة المعتبرة ومساحتها وكذلك المدة الزمنية التي استغرقتها حتى انتظمت حسب جغرافيتها الحالية. ونقبل بأن كل نقطة من نقاط الأرض أوكل عنصر أو متغير أو مركب مشكل للسطح يحتوي على مركبة تاريخية هامة حددت خصائصه، هذه المركبة هي المركبة الوراثية التي تحدد الانتظام الحالي داخل المنطقة وتعبر عن أصولها التاريخية كما يولد في نفس الوقت لهذه الأراضي طاقة مستقبلية هامة ندعوها بالمركبة الكامنة، تنتج عن مجموعة الخصائص الجغرافية المكتسبة التي يمكن الاستناد عليها لتطوير استخدام هذه الأراضي بالشكل الأمثل.
إن كل انتظام مجالي-مكاني متحقق على سطح الأرض يحتوي عضويا على مركبة مساحية تتميز بسعتها أو بشدة امتدادها وبالفترة الزمنية التي في أثنائها تم هذا الانتظام لعناصر ومكونات السطح مع بعضها البعض من حيث التكامل والتوزيع أي الانتظام.
و يعتبر بالتالي هذا التنظيم وكأنه العنصر الأساسي والأصلي المؤطر للمجال أو للمكان داخل سطح المنطقة أو الإقليم الجغرافي، فإذا كانت الفترة المعتبرة والتي يتطلبها هذا المجال لانتظامه بالصورة الحالية كبيرة فإن المكونات والعناصر والعوامل الأكثر امتدادا على السطح والأكثر مقاومةً وبالضرورة الأقل عددا والأكثر انتشارا هي التي ستبقى محافظة على خصائصها، وهي التي ستعطي الخصائص الرئيسية المكونة للسطح الممثل.
وبالنتيجة نستطيع القول بأن التجانس هو مفهوم نسبي جداً ولا يمكن أن يعتمد إلا لمساحة معينة من الأرض ولزمن محدد، وعندما يتلاقى المكان والزمان لتشكيل هذا التجانس يتحقق جغرافيا" المقياس المكاني-الزمني للتجانس أو المجالي-الزمني حسب الأبعاد المعتمدة. وابتداءً من هذا المقياس نستطيع أن نقسم المجال إلى وحدات هيراركية ذات تتابع وظيفي وذات أشكال وأبعاد مختلفة ، تدعى بوحدات الشكل الجغرافي أو "Diagram-Units" وبالفرنسي ""Isoschemes.
العلوم المكونة للجغرافيا:
وتتكوّن مجموعة العلوم الجغرافية من خمسة عائلات من العلوم هي:
– العلوم في الجغرافيا الطبيعية
– العلوم في الجغرافيا البشرية
– العلوم في الجغرافيا الاقتصادية
– العلوم الجغرافية المساندة
– العلوم في الجغرافيا الإقليمية
– العلوم المتممة للجغرافيا
ويمكن أن نعدد العلوم التي تتبع كل مجموعة كما يلي:
العلوم في الجغرافيا الطبيعية:
وتدرس هذه المجموعة المكونات التي خلقها الله سبحانه لسطح الأرض وهي:
1- علم أشكال سطح الأرض أو الجيومورفولوجيا
2- علم المناخ أو الكليماتولوجي
3- علم جغرافية التربة أو البيدوجيوغرافي
4- علم المياه السطحية أو الهيدرولوجي
5- علم الجغرافيا الحيوية أو البيوجيوغرافي
العلوم في الجغرافيا البشرية:
وتدرس هذه العلوم المكونات البشرية لسطح الأرض تلك الناتجة عن تفاعل الإنسان مع أرضه ومن أهم هذه العلوم:
1- جغرافية السكان
2- جغرافية المدن أو الحضر
3- جغرافية الريف
4- الجغرافيا الطبية
5- الجغرافيا السياسية
6- الجغرافيا الاجتماعية
7- الجغرافيا الثقافية
8- جغرافية التخطيط الحضري
9- جغرافية التخطيط الريفي
10- جغرافية الأخطار
11- جغرافية البيئة والتلوث
العلوم في الجغرافيا الاقتصادية:
وتدرس مختلف مكونات سطح الأرض التي انبثقت من النشاط اللاقتصادي للانسان أو التي تتعلق بطبيعة المكون الجغرافي لسطح الأرض اذا كان مولدا" للثروة أي ذي طبيعة اقتصادية، ومن أهم هذه العلوم يأتي:
1- جغرافية الصناعة
2- جغرافية الإنتاج الزراعي
3- جغرافية الخدمات
4- جغرافية التجارة
5- جغرافية الطاقة
6- جغرافية السياحة
7- جغرافية النقل والمواصلات
8- جغرافية التخطيط الاقتصادي
العلوم في الجغرافيا المساندة أو المساعدة:
وهي مجموعة العلوم التي تساعد الجغرافي على أداء مهمته والتي تقوم عليها الجغرافيا الحديثة:
1- علم الخرائط أو الكارتوجرافي
2- الأساليب الكمية
3- الأساليب البيانية
4- النظم والتقنيات الجغرافية:
- نظم المعلومات الجغرافية
- نظم الاستشعار عن بعد ( المرئيات الجوية ومرئيات الأقمار الصناعية)
- نظم التوقيعات المكانية
- نظم التحليل الإحصائي والرياضي
5- تحليل الخرائط للأغراض الجغرافية:
- تحليل الخرائط الكنتورية أو الطبغرافية
- تحليل الخرائط الجيولوجية
- تحليل خرائط الأرصاد الجوية
العلوم في الجغرافيا الاقليمية:
وهي مجموعة العلوم التي تهتم باجراء دراسات جغرافية متكاملة لأحد الأقاليم أو أحدى دول العالم، ونتصور هنا استحالة أن تكون الأعمال الاقليمية مقدمة من باحث واحد وعادة ما تقدم من قبل عدد من الباحثين في مختلف التخصصات، ومن أمثلة الدراسات الاقليمية ما يلي:
– جغرافية المملكة العربية السعودية
– جغرافية المنطقة الغربية للأراضي السعودية
– جغرافية المغرب العربي
– جغرافية الأراضي الجبلية في بلاد الشام
– جغرافية…..الخ
وتجدر الإشارة إلى تلك الدراسات الجغرافية التي تشتمل على مساحات كبيرة تتعدى حدود الأقاليم أو الدول لتهتم بجغرافية أراض واسعة جدا" بهدف إبراز الخصائص الجغرافية العاملة على وحدة الكيان الجغرافي لهذه الأراضي الواسعة جدا". في هذه الحالة بالدراسات الجغرافية النطاقية ومثال عنها:
– جغرافية العرض الباردة والقطبية
– جغرافية المناطق الحارة
– جغرافية الأراضي الجافة وشبه الجافة
– جغرافية أفريقيا جنوب الصحراء
– جغرافية الأمريكتين
– جغرافية….الخ
العلوم فالجغرافية المتممة:
وتعرّف بأنها مجموعة العلوم التي تؤدي إلى إتمام التكوين الجغرافي لطلبة العلوم الجغرافية وهي لا تشكل بالضرورة أحد التخصصات الجغرافية ومثال عنها:
– جغرافية البحار والمحيطات
– الجغرافيا الفلكية
– مبادئ المساحة
– …..الخ
وطالما أن هذه الصفحات موجه لطلبة العلوم الجغرافية فان المؤلف يرحب بأي طالب مهتم بدراسة الجغرافيا النظرية وتقديم أية وجهات نظر تؤدي الى إثراء هذه الدراسة ومختلف الدراسات التي تعني بالفكر النظري لدراسة سطح الأرض التي نعيش عليها، لأن العلوم الجغرافية هي العلوم المفتوحة لهؤلاء الذين يعشقون بلدهم ويريدون بحق المشاركة في عمليات تطوره وتقدمه ليبقى في دول مجموعة الرأس…. والله من وراء القصد.
تم بحمد الله