التصنيفات
البحث العلمي

الغضب؟؟ – للبحث العلمي

الغضب

الذي يطلق بعيداً عن تحكم العقل والدين هو الغضب، وصدق بن القيم حيث يقول (الغضب سبع إن فككته بدأ بأكلك) ، لأنه يبعد العقل والدين عن سياستها للإنسان، فلا يبقى له معه نظر ولا فكر ولا اختيار، بل يعمى صاحبه ويصمه عن كل موعظة أو تذكرة، وتخرج أفعاله عن الترتيب، ويتعاطى فعل المجانين، ويكون شكله وصورته ساعة الغضب لا تعجبه لو رأى نفسه، ويصدر منه من الأقوال المحرمة والأفعال المحرمة ما لا يستطيع الاعتذار عنها بعد ذهاب الغضب، بل قد تكون أوبقت دنياه وآخرته، كسبع أكل صاحبه .
وفي صحيح الجامع رقم: 2075.‌إن رجلا قال : و الله لا يغفر الله لفلان قال الله : من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان ؟ ! فإني قد غفرت لفلان و أحبطت عملك . ‌تحقيق الألباني (صحيح)
فهذا الرجل غضب لله، وتكلم في هذه الحال وهو غاضب لله ولكن بما لا يجوز، حيث حتم على الله بما لا يجوز فأحبط الله عمله (لأن الله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء . ومن يغفر الذنوب إلا الله) والعجب أنه غضب لله ولكنها كلمة باللسان . فكان أبو هريرة يحذر الناس أن يقولوا مثل هذه الكلمة في غضب000 فكيف بمن يغضب لنفسه ثم يتكلم بما لا يجوز .
وفى صحيح مسلم( عن عمران بن حصين أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الأنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ )
} وفى صحيح مسلم : أن (رَجُلٍ مِنْ الأنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِبَعْضَ التَّلَدُّنِ فَقَالَ لَهُ شَأْ لَعَنَكَ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا اللاعِنُ بَعِيرَهُ قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ انْزِلْ عَنْهُ فَلا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلا تَدْعُوا عَلَىأَوْلادِكُمْ وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ)
المرأة فقدت ناقتها بكلمة في غضب، وكذلك الرجل ، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يتهاون في ذلك ويخشي شرا على القافلة إن كان فيها بهيمة ملعونة (بكلمة) ثم يحذر الأمة كلها أن يدعو الإنسان على نفسه أو على ولده وأهله أو على ماله، لأن ذلك قد يوافق ساعة إجابة فيستجاب فتكون الكارثة (بكلمة) . فأنظر إلى كلام الناس في زماننا عند الغضب والانفعال (يقطعنى ـ ربنا ياخدنى ـ أعمى وأنشل ـ ما أوعى أشوف عيالي ـ ربنا يلعنك ـ ربنا يا خدك ـ شقة ملعونة ـ سنة سوده ـ يخرب بيتك ـ سيارة ملعونة ـ وشك نحس) وهكذا ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وسبق أن ذكرنا ما يجرى على اللسان ساعة الغضب من السب والفحش وألفاظ الطلاق، وأيمان لا يجوز الالتزام بها كمن يحلف ألا يدخل بيت أمه، أو أن يقطع رحمه وما شابه . . فاتق الله أيها القارئ واجتهد في حبس لسانك عن مثل هذا خاصة ساعة الغضب، وأعلم أنك إن استطعت ذلك فمنعت لسانك ويدك وملكت نفسك عند الغضب فقد صرت قوياً شديداً بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ففي الصحيحين من حديثْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ )
وفى صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(000 فما تعدون الصُّرَعَةَ فِيكُمْ قَالَ قُلْنَا الَّذِي لا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ قَالَ لَيْسَ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ) ( وقد قال عكرمة في قوله تعالى (وسيدا وحصورا):السيد الذي يملك نفسه عند الغضب ولا يغلبه غضبه )
تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الغضب : روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْصِنِي قَالَ لا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ لا تَغْضَبْ ) } وفى روايات أخرى كما ذكرها بن رجب في جامع العلوم والحكم أن السائل قال : دلنى على عمل يدخلنى الجنة ولا تكثر على . قل لي قولاً وأقلل على لعلى أعقله. علمنى شيئا ولا تكثر على لعلى أعيه . ماذا يباعدنى من غضب الله عز وجل . والإجابة المشتركة هي : لا تغضب . . فدل ذلك على أن الغضب هو جماع الشر وأن التحرز منه هو جماع الخير . . فإذا ذكرنا أن النبى صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم، أخذنا كلامه هذا بجد وبقوة، حتى يصبح أحدنا وهو يحمل هما شديداً من لسانه ومن أن يغضب ذلك اليوم، ويكرر ذلك كل صباح .
إن الأئمة : أحمد ـ إسحاق بن راهوية ـ بن المبارك وغيرهم فسروا حسن الخلق بترك الغضب وفى حديث مرسل خرجه محمد بن نصر المروزى في كتاب الصلاة الغضب؟؟ frown.gifأفضل الأعمال حسن الخلق و أن لا تغضب إن استطعت ) . ‌تحقيق الألباني (ضعيف) انظر حديث رقم: 1000 في ضعيف الجامع.‌
(حسن الخلق هو أن لا نغضب إن استطعت) وهنا كلام حق، لأننا رأينا كيف تتولد الأخلاق السيئة من الكبر والفخر والخيلاء والعدوان والبغي والظلم والحقد وغير ذلك كلها من قوة من الغضب، فلو ترك الغضب لم يتبق إلا الخلق الحسن . ويوضح ذلك الوصية الجامعة : لا تغضب وسيتضح معناها تماماً فيما يلي :ـ
الأسباب التى تتخذ للوقاية من وقوع الغضب :ـ
(1) لا تغضب : بالمعنى الأول : جاهد نفسك على التخلق بالأخلاق الحسنة من الكرم والسخاء والحلم والحياء والتواضع والاحتمال وكف الأذى والصفح والعفو وكظم الغيظ والطلاقة والبشر ونحو ذلك . فإن النفس إذا تخلقت بهذه الأخلاق وصارت لها عادة أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه . وذلك يتفق مع القاعدة التى سبق تقريرها في المقدمة من أن الطاعات تقوى القلب فتتشتت على حصونه الموجات الآتية من النفس الغضبية الأمارة بالسوء، بل يرسل القلب موجاته القوية على النفس حتى تصير لوامة ثم مع الوقت والصبر تصير مطمئنة .
(2) أن يكون غضب المسلم لله دفعا للأذى في الدين له أو لغيره وانتقاماً ممن عصى الله ورسوله، وهذه كانت حال النبى صلى الله عليه وسلم، فإنه كان لا ينتقم لنفسه، ولكن إذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شئ . فإذا رأى أو سمع ما يكرهه الله غضب وقال فيه ولم يسكت . وقد دخل يوما بيت عائشة "رضي الله عنها" فرأى سترا فيه تصاوير ، فتلون وجهه وهتكه وقال : إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورن هذه الصور . والحديث في الصحيحين . ولما شُكى إليه الإمام الذي يطيل بالناس صلاته حتى يتأخر بعضهم عن الصلاة معه، غضب وأشتد غضبه ووعظ الناس وأمر بالتخفيف .
ولما رأى النخامة في قبلة المسجد تغيظ وحكها وقال : (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاةِ فَإِنَّ اللَّهَ حِيَالَ وَجْهِهِ فَلا يَتَنَخَّمَنَّ حِيَالَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاةِ)رواة البخاري, وهكذا غضبه لله .
أما لنفسه : فقد خدمه أنس عشر سنين فما قال له أف قط ولا قال له لشيء فعله لم فعلت كذا، ولا لشيء لم يفعله ألا فعلت كذا . بل إذا لامه بعض أهله قال صلى الله عليه وسلم (دعوه فلو قُضى شئ كان) يعنى لو كُسر منه إناء مثلا، احتج النبى صلى الله عليه وسلم بالقدر اعتذارا عن خادمة أنس "رضي الله عنه" ولما بلغه بن مسعود "رضي الله عنه" قول القائل (هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله شق عليه صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه وغضب ولم يزد على أن قال (لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر) فأنظر كيف دفع عن نفسه الغضب، لقد ذكر نفسه بصبر موسى "عليه السلام" على ما هو أكثر، ومن المعلوم سرعة وشدة غضب موسى عليه السلام لله، فعندما رجع غضبان أسفا وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وألقى الألواح وهى من الله وفيها كلامه سبحانه، كل هذا من شدة غضبه لله حيث كان غضبا كالآمر الناهي ، لذلك قال تعالى (ولما سكت عن موسى الغضب)وهذا دأب الرسل : غضبهم لله شديد فاستعملوا فيه القوة العصبية على هذا النحو، فسهل عليهم أن لا يغضبوا لأنفسهم . وما أكثر ما يُغضب الله اليوم في حياة الناس في البيوت وفي الشارع وفي العمل وفي السفر وغير ذلك، فاستعن بالله وأغضب لله بالضوابط الشرعية، وأعلم أن الجزاء من جنس العمل، فالله سبحانه شاكر عليم وسوف يصرف عنك غضبك لنفسك بإذنه والله المستعان .
(3) معرفة النفس وأنها لا تستحق أن يغضب لها وينتقم لها، فإن ذلك إيثار لها بالرضا والغضب على خالقها وفاطرها، فلو عودها أن تغضب له وترضى لوجد أنه يندفع عنه الغضب والرضا لنفسه .
أن يعلم أن الرضا والغضب لله هما من أوليات تحقيق لا إله إلا الله، وأن الأجر عليها عند الله العظيم . قال تعالى (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) قال السعدي (أي إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم وهو امتلاء قلوبهم من الحنق الموجب للانتقام بالقول والفعل، هؤلاء لا يعلمون بمقتضى الطباع البشرية بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم . ويدخل في العفو عن الناس والعفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء ، وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة وتخلى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع الله وعفا عن عباد الله رحمة بهم وإحسانا إليهم وكرامة لحصول الشر عليهم وليعفو الله عنهم وليكون أجرة على ربه الكريم لا على العبد الفقير كما قال تعالى (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) ثم ختم الآية بالإحسان وهو أعلى الدرجات، فأنظر كيف جعل الله كظم الغيظ مقدمة للعفو وسببا له، وجعل العفو مقدمه للإحسان وسببا له، فتبين أن ترك الغضب هو جماع الخير كما سبق، فإن قلت فما المقدمة والسبب لكظم الغيظ، فاقرأ أول الآية : (الذين ينفقون . . ) فيكون الإنفاق في السراء والضراء من أعظم الطاعات التي تثمر كظم غيظ القلب .
وقال تعالى(وإذا ما غضبوا هم يغفرون)والمغفرة هي قطع العقوبة ووقاية الإنسان من شر إساءته، فيكون المعنى : والذين إذا أهاجهم الغضب ملكوا أنفسهم فلم يعاقبوا بقول أو فعل . قال السعدي (أي تخلقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة حتى إذا أغضبهم أحد بمقالة أو فعالة كظموا ذلك الغضب فلم ينفذوه، بل غفروه ولم يقابلوا لمسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح، فترتب على هذا العفو والصفح من المصالح ودفع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيء كثير كما قال تعالى (أدفع بالتي هي أحسن فإذاالذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا ومايلقاها إلا ذو حظ عظيم) فلا يقدر على مقابلة الإساءة بالإحسان إلا بالصبر لأن الخفيف الطائش لا يصبر على ذلك، إن تدور المعركة بين النفس الغضبية وبين القلب، والغضب مركب الشيطان فتصبح النفس الغضبية والشيطان في تعاون ضد القلب العامر بالإيمان والتوكل، فلا سلطان للشيطان عليه (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) ثم يأتي مدد الصبر الذي يكون النصر معه، فيفوز الإنسان بالحظ العظيم : إذا ينال ذلك كف شر عدوة وانقلابه صديقا، ومحبة الناس له، وثناءهم عليه، وقهر هواه، وسلامة قلبه من الغل والحقد، وطمأنينة الناس ـ حتى عدوه ـ إليه، هذا غير ما يناله من كرامة الله وحسن ثوابه ورضاه عنه، وهذا غاية الحظ عاجلاً وآجلاً . وحسبنا ما علمنا من إكرام الله لموسى عليه السلام لشدة غضبه في الله وتركه الغضب لنفسه حيث اصطفاه على الناس برسالاته وبكلامه، وتجاوز له مالا يتجاوز لغيره لما ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه بجرة إليه، ولما قَتل الذي من عدوه، ولما اعترض على تجاوز النبى له ليلة المعراج، ولما علم أن تابِعَه أكثر من تَاِبعَه، وغير ذلك من المواقف . وأخيراً يرغبنا الرسول صلى الله عليه وسلم في كظم الغيظ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جَرْعَةً أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى)رواه أحمد .
(4) الدعاء : أخرج أحمد والنسائى وبن حبان من حديث عمار بن ياسر (أسألك0000 وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا. . .)تحقيق الألباني(صحيح) أنظر صحيح الجامع رقم1301. لأن كثيرا من الناس بدخله رضاه في باطل، ويخرجه غضبه عن الحق وكذلك يدخله في باطل، فلذلك نسأل الله دائماً كلمة الحق في الغضب والرضا . ومن دعائه أيضاً من حديث زيد بن أرقم ( اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا )رواه مسلم . و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ قَالَ قُلْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ ) رواه الترمذى وأبي داود وصححه الألباني ,أنظر حديث رقم4402 في صحيح الجامع . صباحاً ومساءاً وعند النوم نتوجه إلى الله عز وجل بهذا الدعاء للتعوذ من شر الشيطان وشر النفس، وأشد ذلك عند الغضب كما سبق والدعاء المتكرر عشرات المرات في اليوم الواحد (اهدنا الصراط المستقيم) بشرط حضور القلب لأن الله تعالى لا يستجيب الدعاء من قلب غافل لاهٍ .
(5) لا تغضب بالمعنى الثاني : يعنى بعد وقوع الغضب :ـ
أما إذا حصل الغضب فلا تعمل بمقتضاه بل جاهد نفسك على نزل تنفيذه والعمل بما يأمر به فيندفع عنك شر الغضب، وربما سكن غضبك وذهب عاجلاً وكأنك حينئذ لم تغضب، ولقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم من غضب بتعاطي أسباب تدفع عنه الغضب وتسكنه، وتمنع شره، ومن ذلك
أ – تغيير الهيئة من القيام إلى الجلوس، وإلا فمن الجلوس إلى الاضطجاع . خرج الأمام أحمد وأبو داود من حديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلا فَلْيَضْطَجِعْ )صححه الألباني أنظر صحيح الجامع رقم694.فذلك تباعد عن حالة الانتقام وذلك فضلا عن بركة اتباع النبى صلى الله عليه وسلم والائتمار بأمره . أخرج الإمام أحمد الترمذى ضمن حديث طويل وقال هذا حديث حسن صحيح، من حديث أبى سعيد الخدري أن النبى صلى الله عليه وسلم قال في خطبة أَلا إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ تُوقَدُ فِي جَوْفِ ابْنِ آدَمَ أَلا تَرَوْنَ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَالأَرْضَ الأَرْضَ 000) ضعيف الجامع برقم 1420.
والمراد من ذلك أنه يحبسه في نفسه ولا يعزيه إلى غيره بالأذى والفعل . وكل ذلك سبيل إلى كظم الغيظ .
ب- السكوت : خرج الأمام أحمد بن حديث بن عباس، وصحح أحد شاكر إسناده عن النبى صلى الله عليه وسلم (إذا غضب أحدكم فليسكت )صحيح الجامع برقم 693. وهذا دواء عظيم للغضب، أن يحبس الإنسان لسانه ويجتهد في ذلك كما سبق في المقدمة في الكلام عن اللسان . لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبة من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيرا من السباب وغيره مما يعظم ضرره ، فإذا سكت زال هذا الشر كله عنه وما أحسن قول مروق العجلى رحمة الله (ما امتلأت غضبا قط، ولا تكلمت في غضب قط بما أندم عليه إذا رضيت ).
جـ الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم : (بمعنى اللجوء إلى الله والاعتصام والامتناع به من الشيطان :ـ في الصحيحين من حديث سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلانِ يَسْتَبَّانِ فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ فَقَالُوا لَهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَقَالَ وَهَلْ بِي جُنُونٌا). ويلاحظ أن أكثر الناس اليوم إذا غضبوا ثم استعاذوا لا نجد أثراً يُذكر في غضبهم بمعنى أن استعاذتهم كعدمها فما تفسير ذلك ؟ والجواب أن الاستعاذة مشروطة بالفهم مع
الشروع فورا في اللجوء إلى الله مع النطق بها، أما مجرد النطق بكلمات دون عمل القلب فإن ذلك لا يجدي على القائل شيئا يذكر . وهذا الأمر مذكور في كتاب الله بوضوح في سور الأعراف، والمؤمنون، وفُصلت كما يلي :
الأعراف : قال تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * وإماينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم *إن الذيناتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون)
لما كان لا بد من أذية الجاهل وسفاهته، أمر الله تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابليتهِ بجهلهِ . فمن آذاك بقوله أو بفعله لا تؤذه، ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك فصله ومن ظلمك فاعدل فيه . . فالأمر هو الإعراض عن الجاهل مع إقامة حق الله عليه وعدم الانتقام لنفسه . ولما كان الإنسان لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان الذي لا يزال مرابطا ينظر غرته وغفلته ليستعمل أسلحته في إهاجة الغضب أكثر ليركبه كيف يشاء، فيوسوس له أن سكوتك عجز منك ومهانة وذلة، ولو تركته لتجرأ عليك وتعود على إهانتك، فلا بد أن تؤدبة، وتوقفه عند حده، وتعرفه قدره . . . إلخ من أجل هذا، أمر الله بالاستعاذة منه في هذا الموطن، والعلم بأن الله يسمع ما قيل لك وما ستقوله، ويعلم ما فُعل بك وما ستفعله، ويعلم نيتك وضعفك وقوة التجائك له، فسيحميك من فتنته ويقيك من وسوسته،وحينئذ يتذكر المؤمن التقى أن ما يدور في نفسه من شر، ما هو إلا طائف من الشيطان ومن ثم يستغفر وستعيذ ويرى الأمر على حقيقته وأنه كان على وشك السقوط في شرك الشيطان، وهذا بخلاف الغاوين الذين تتلاعب بهم الشياطين ولا يدخرون وسعا في إغوائهم ولا يقفون معهم عند حد، ففي حالة الغضب حدث ولا حرج عما يصدر منهم من الأقوال والأفعال .
ولذلك ينبغي للمؤمن أن يسلك سبيل المتقين وإلا وقع في سبيل الغاوين (وإخوانهم يمدونهم في الغى ثم لا يقصرون)مزيد بيان في الصفحة الأخيرة .
المؤمنون(أدفع بالتى هي أحسن السيئة نحن اعلم بما يصفون *وقلرب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون)
فالمسيء من الإنس يقابل الإحسان كما سبق، ولكن الشياطين تتربص حتى لا ينال المؤمن هذه الدرجة، لذلك بعد الأمر بمقابلة الإساءة بالإحسان جاء الأمر بالتعوذ من همزات الشياطين . والهمز دفع بنخز (بنخس) وغمزٍ يشبه الطعن، فالهمزات هي دفع الوساوس والإغواء إلى القلب بشكل مفاجئ . وإذا حضرت الشياطين واقتربت، لم تكتفِ بالهمز للمؤمن وإنما استفزت المسيء وأجلبت عليه من كل طريق حتى يتطور الغضب إلى جميع الشر من السب واللعن والقذف والفحش والقتال وما شابه . وكذلك حضور الشياطين عند قراءة القرآن ، وساعة الموت وغير ذلك في جميع الأمور، والشيطان يَعِزُ للحشرات والهَوَام ليشغل بها المؤمن ويؤذيه إن استطاع، ويغرى السفهاء والفجرة والظلمة بالمؤمنين، وهكذا يستعيذ المؤمن من شر همزاته، ومن شر حضوره واقترابه .
فصلت : (. . أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم * وإماينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم)
ونجد نفس الشيء في هذا السياق : استعاذة من الشيطان بعد إحسان معاملة المسيء .
د) أن يذكر أن الجزاء من جنس العمل كما يقول تعالى (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبونأن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم }إنما يرحم اللهمن عباده الرحماء{ تحقيق الألباني : حسن , أنظر 2381 صحيح الجامع. فكذلك إذا لم يُنفذ غضبه، وليذكر أنه إذا أمضى غضبه لم يأمن أن يمضى الله فيه غضبه يوم القيامة حين يكون في أشد الإحنياج إلى العفو . وليذكر رد فعل الخصم وعداوته، وتشميره في هدم أعراضه والشماتة بمصائبه وغير ذلك كثير .
و) أن يذكر أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهم بالخير أو يدخل فيه فهو يشتد عليه حينئذ ليقطعه عنه، وكلما كان الفعل أنفع للعبد وأحب إلى الله تعالى كان إعتراض الشيطان له أكثر، وإن كظم الغيظ وترك الغضب هو جماع الخير وترك الشر، وبالتالي فإن الشيطان سيجلب بخيله ورجله، وسيدفع بكل ما في جعبته لإفشال الخطة وتوهين العزيمة، والتيئيس من مقاومة الغضب والحدة والإنفعال والطيش يقول هذه طبيعتك فلا تحاول وتتعب نفسك فلا فائدة، وهكذا ينبغي للمؤمن الذي يريد أن لا يغضب، ينبغي أن يكون عالماً بمثل هذه المداخل الشيطانية ليقمع شيطانه ويُرغمه مستعينا بالله كما مضى .
و- وهذه فكرة عن أثر الغضب في الجسم حتى يَحذره المؤمن :ـ
عندما تحدث الإثارة العصبية نتيجة للغضب يفرز هورمون (رسول) الأدرينالين (هورمون الطوارئ) وذلك من لب الغدة الكظرية أعلا الكلى، وهمة هذا الهرمون تكييف الجسم وإعداده للإستجابة للمؤثرات العصبية ومنها الغضب حيث يتجه إلى البنكرياس ليوقف إفراز الأنسولين ليزداد السكر في الدم، علاوة على تأثيره في زيادة تصنيع السكر من مصادر دهنية وبروتينية، ومن تكسير النشا الحيواني . ثم يؤثر في القلب تأثيراً شديداً قد يؤدى إلى سكته قلبية وتحدث الوفاة في بعض الحالات، حيث تنقبض عضلة القلب وتزداد قوتها وتزداد دقات القلب وضخ الدم وانتفاخ العروق والأوداج ويرتفع ضغط الدم، وذلك الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بجمرة في القلب، فيكفى هذا التحذير من البنكرياس (خصوصا لمرض السكر) ومن القلب (خصوصاً لمرضى القلب والضغط)، لكى يجتهد المؤمن في تلافى الغضب أو تقليله ما استطاع ولينظر في المصالح والمفاسد من جراء الغضب .
ز- وأخيراً أُذكر بتحذير الله تعالى للمؤمنين إن لم يستجيبوا لله ولرسوله فإنه قد يحول بين المرء وقلبه فلا يستطيع أن يفهم، وإن فهم لا يستطيع أن يستجيب، فسارع أيها القارئ الكريم إلى الاستفادة وبذل الجهد بلا يأس حتى تفوز بالخير كله .
* الشهوة نار أن اخترقتها احرقتك، والغضب سبع أن فككته أكلك .
وإن المؤمن التقى عندما يمسه طائف من الشيطان بشهوة أو بغضب، فإن واعظ الله في قلبه يحذره من الولوج في طريق الحرائق التى ستحرقه وهو طريق الشهوة، ومن الولوج في طريق السباع المفترسة والتى سيفترسه وهو طريق الغضب، وعندئذ يتذكر المؤمن التقى ذلك فكأنه يرى الشيطان وهو يحاول إهلاكه بالحرث أو بافتراس السباع، ومن ثم يرجع يتعوذ، كالذى يرى النار فكيف يقتحمها، والذي يرى السبع فكيف يُقبل عليه، أما الغاوون فلا يرون نارا ولا يرون سباعا، بل يرونها شهوات ولذات وأهواء، فلا يمسكون عما هم فيه، ولا الشياطين تقصر عن إغوائهم .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.