في القصر العاجي الذي لا يقربه احد، و ماهو إلا بيت عريق لسيدة من أسرة عريقة ، توالت عليها الأيام فنسيت عراقة نفسها، ربما لا زالت تضن أنها عريقة وراقية و ط¬ظ…ظٹظ„ط© و ذات كبرياء عال لا يصله احد لكن واقعها يحكي العكس.
و كعادتها جلست السيدة جميلة ط§ظ„ط¬ظ…ظٹظ„ط© تضع الأقنعة لوجهها الجميل ليستمر كذلك و تسرح شعرها الأسود الطويل العربي القح و تحدث نفسها عن جمالها و عراقتها و عن انجازات أجدادها. فسألتها مرآتها و الخوف باد في عينيها و هي ترتعش :
لكن سيدتي أنت دائمة الحكي عن أجدادك احكي لي شيئا عنك؟
أجابت الجميلة بغضب عارم : كيف تجرئين وسؤالي؟
أيوجد بعد مالي و كبريائي قوة و سلطان، وبعد جمالي حديث؟
وكسرت المرآة رقم 801 و طلبت من عبيدها برميها في زبالة القرية لتلاقي حتفها كبقيتها، ثم إحضار مرآة أخرى.
سكت كل من في الغرفة خوفا من أن يلاقوا مصير المرآة المسكينة، مع أن الغرفة كانت فارغة إلا من الأثاث فلا احد يتجرأ على الوصول إلى قصرها العاجي خوفا من بطش الجميلة الغنية.
في اليوم التالي استفاقت الجميلة جميلة متأخرة من النوم كعادتها و الشمس جاوزت الانتصاف و نظرت إلى المرآة الجديدة، و قبل أن تنهض من الفراش خاطبتها المرآة و نظرها حاد تجاه الجميلة وعلامات الثقة بادية على ملامحها المشعة :
بلغني انك تكسرين كل مرآة جاءتك غرورا بجمالك و مالك، الم تستفيقي بعد أيتها الأميرة النائمة؟ الم تتجاوزي فراغك الذي يقتلك يوما بعد يوم و تضعي لنفسك مجدا خاصا كمجد أجدادك؟ إلى متى تحكين عن الآخرين؟ احكي عنك عما تفعلين أنت و ما أنجزته أنت، أم ليس لديك ما تحكي عنه؟ أنا أرى الحزن في عينيك و الرغبة في المؤانسة و الاختلاط بالناس الذين فرو منك و من غرورك و ما أرى بطشك هذا بنا إلا تفريغا لتعاستك.
فقاطعتها الجميلة مستغربة و علامات الذهول بادية على ملامحها الجميلة وهي تصرخ بأعلى صوتها:
كيف تجرئن على مخاطبتي بهكذا لهجة و أنت واحدة من خدمي؟لأكسرنك كما كسرت غيرك و لأمتلن بك أمام المرايا لتكوني عبرة لغيرك، من يتجرأ و يخاطبني أنا الملكة الجميلة الغنية ذات السلطان و المال …
سكتت المرآة قليلا و تبادلا النظر الحاد في صمت و سألت المرآة بصوت خفيف: أراك صامتة يا جميلة؟
تنهدت الجميلة وبقيت صامتة و نظراتها في الأرض
قاطعتها المرآة قائلة: اعرف أني لربما ألاقي حتفي كالبقية، لكني ما خاطبتك هكذا إلا لأني اعرف أمك جيدا و جدتك السيدة فهيمة و كذلك جدة جدتك و كلهم أعزاء على قلبي كما أنت، و لا أرى ما أنت فيه حياة بل هو جحيم الأرض.
بدت على الجميلة ابتسامة حنين لأحبائها و سالت من عينيها الجميلتين دمعة حاولت ان تواريها فلازالت جميلة كما ولدت قوية الشخصية حازمة المشاعر.
و قالت و الله إن ما تقولينه لهو الحق بعينه لكن لا اعرف ما العمل؟ و كيف أحقق سعادة نفسي و كيف أكون ذا إرادة قوية ؟ و كيف أقتل هذا الفراغ في داخلي ؟
أجابتها المرآة بهمة وقوة و حزم جلل : حلك لدي ..
قاطعتها الجميلة قائلة: لا تقولي لي اختلطي بالناس فأنا لم اعد أستطيع النظر في أعينهم بعد ما صدر مني، و بعد أن تباهيت عنهم و انفصلت علاقاتنا، و عيرتهم بالفقراء الأغبياء و بحثالة الناس و تباهيت عليهم بعراقة أجدادي و بجمالي و تكبرت على العالمين.
تبسمت المرآة قائلة: توبي لربك أولا من تكبرك هذا و ظلمك للناس و من ثم غادري هذا المكان الذي أتعسك و جولي في بلاد الله و ساعدي المحتاج و الفقير بمالك و طالب العلم بعلمك و النساء بجمالك و نصائحك.
لكن أولا عليك اجتياز اختبارين، فهل أنت موافقة ؟
أجابتها الجميلة في حيرة و تردد و خوف و قلق بادين عليها : أيتها المرآة الصالحة إني حائرة على أمري و لا اعرف بماذا أجيبك حاليا، فهذا سيكون خروجي الأول بعد غياب دام السنين و لكني أسألك إمهالي حتى ليلة الغد و سيكون لك عندي الجواب النهائي.
فضحكت المرآة حتى بانت نواجذها ….
و الأميرة واقفة مستغربة متسائلة : مالذي اضحك في جوابي ؟؟؟
أمسكت المرآة نفسها من الضحك بصعوبة وقالت : هذا ضحك فرحي بك فقد كنت متأكدة أنك لازلت تملكين خصال أجدادك في قرارة نفسك وتملكين حكمتهم التي امتازوا بها وتأنيهم في اتخاذ القرارات المصيرية.
هنيئا لك فقد تجاوزت أول إختبار و غدا بعدما اسمع ردك وان كان بالإيجاب ستمرين بالاختبار الأخير و تبدئين حياتك الجديدة.
دخل الخادم يرتعد من الخوف و العرق يتصبب من جبينه قائلا: سيدتي، هذه مرآتك الجديدة لقد تم إحضارها اليوم.
أجابته الجميلة باستغراب: الم تحظروها البارحة؟ وماذا تكون تلك، و التفتت لتشير لمرآتها فلم تجد إلا الحائط فارغ.
بقيت تنظر بذهول، و انصرف الخادم مستغربا حائرا من أمرها.
فتبسمت الجميلة وعلامات الغرابة بادية على محياها و أدركت حقيقة المرآة، ثم انتفضت لأفكارها الأعمق و لرحلتها الأطول و تساءلت:
ترى كيف سيكون الاختبار غدا ؟
لفت الجميلة لنافذتها غروب الشمس الجميل
لطالما كان جميل لكن لماذا اليوم أراه أجمل ؟
و غرفتي الم الحظ قبلا أنها مظلمة لماذا؟ رغم أن الضوء يحيطها من كل صوب
يا الهي هذه حديقتي لا بل حديقة أمي و جدتي لماذا لم اعد اهتم بها ؟
تبدو زهورها ذابلة رغم اهتمام الخدم بها ؟
لقد تغير الكثير في حياتي، لا بل مر شريط حياتي أمام عيني وأنا غافلة عنها
لماذا يحدث هذا
وكأني كنت منومة ؟
هل كنت؟