الرجل ط§ظ„طµظپط±
بسم الله الرحمن الرحيم
الأصل أن يكون عنوان هذا اللقاء الخائفون كما هو معلن، ونظرا لعدم اكتمال الموضوع ولبعض الظروف فإن هذا الموضوع سيكون بمشيئة الله بعنوان آخر وهو " ط§ظ„ط±ط¬ظ„ الصفر ".
وأعني بالرجل الصفر ذلك الرجل الذي يتصفُ بالسلبية ودنو الهمة، ذلك الداء الخطير الذي أصاب الكثير من المسلمين وخاصة الشباب والفتيات، و كم أن هناك رجلا صفر، أيضا هناك امرأة صفر.
وكل ما قيل في هذا الموضوع يشمل الرجال والنساء معاً، إلا في ما يختص به الرجال من مجال، ولذلك على النساء أن ينتبهن وأن يتابعن مثل هذا الموضوع فإنها تشارك الرجل في كل كلمة تقال فيه.
إنك إن بحثت عن شبابنا كأمة إسلامية وجدتهم وللأسف على الأرصفة وفي الاستراحات وفي الصيد والرحلات وعلى المدرجات الرياضية وخلف الشاشات، أقول حتى الصالحين أيضا أو بعض الصالحين هم كذلك وللأسف، ابتلوا بمثل هذه الأمور، فبدل أن يكونوا مشاعل هداية ودلال خير فإذا بالتيار يجرفهم ويزعزع التزامهم وصلاحهم:
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ……فإن أُطعمت تاقت وإلا تسلتي
وكانت على الآمال نفسي عزيزة ……. فلما رأت عزمي على الترك ولتي
وإذا بحثت عن فتياتنا ومهج قلوبنا فإذا بهن في الأسواق خلف الخرق والأقمشة، أو خلف سماعات الهاتف يمزقن الفضيلة، أو مع مجلات وروايات تنشر الرذيلة، أو أمام الشاشات والأفلام حتى أصبحن بلا هوية وبلا هدف وبلا مبدأ ولا عزيمة ولا همة، شهوات في شهوات، ولذات في لذات وآهات وزفرات وحسرات -إلا ماء الله من النخبة القليلة-.
وإني لأعجب أيها الأخوة، ألم يمل أولئك هذه الحياة؟ ألم يسألوا أنفسهم هب أننا حصلنا على كل ما نريد، ثم ماذا؟ ألم يسألوا أنفسهم هذا السؤال؟ ثم ماذا في النهاية؟ الموت والحساب والعذاب والقبر والصراط والنار.
إذا غمرت في شرفٍ مروم ……. فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير …….. كطعم الموت في أمر عظيم
إن الموت نهاية الجميع، لكن شتان بين من مات في أمر حقير، وبين من مات في أمر عظيم، شتان بين من يموت وهو على طاعة الله، وبين من يموت وهو على معصية الله، شتان بين من يموت وهو يحمل هم الإسلام ويحترق قلبه لصلاح المسلمين، وبين من يموت وهو يحمل هم شهوات الدنيا وملذاتها.
ألم يأن لشبابنا ولفتياتنا أن يعلموا حقيقة الحياة، والغاية التي من أجلها خلقوا؟
ألم يأن للران أن ينقشع عن القلوب، قبل أن يجمدها هادم اللذات؟
أعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها، اللهم أحيي قلوب المسلمين، اللهم أحيي قلوب شبابنا وفتياتنا، اللهم أحيي قلوب الشباب الصالحين، اللهم ردها إليك ردا جميلا، الهم أنفعها وأنفع بها يا حي يا قيوم.
أيعقل أن يصل الأمر بمسلم أو بمسلمة يحمل في قلبه لا إله ألا الله أن يصل بهم الأمر إلى هذا الحد من الغفلة والضياع والحيرة والتردد؟
أيها الأخ الحبيب أيتها الأخت الغالية، إن للا إله إلا الله نورا في القلب فهل انطفاء هذا النور؟
أسمع لكلام أبن القيم الجميل يوم أن قال ( أعلم أن أشعة لا إله الله تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه، فلها نور ويتفاوت أهلها في ذلك النور قوة وضعفا لا يحصيه إلا الله تعالى، فمن الناس من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس، ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري، ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم، وآخر كالسراج المضيء، وأخر كالسراج الضعيف، ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار، بحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة علما وعملا ومعرفة وحالا، وكلما عظم نور هذه الكلمة وأشتد أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته، حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبة ولا شهوة ولا ذنبا إلا أحرقه، وهذا حال الصادق في توحيده، الذي لم يشك بالله شيئا، فأي ذنب أو شهوة أو شبهة دنت من هذا النور أحرقها، فسماء إيمانه قد حرست بالنجوم من كل سارق لحسناته، فلا ينال منها السارق إلا على غرة وغفلة لا بد منها للبشر، فإذا استيقظ وعلم ما سُرق منه، استنقذه من سارقه أو حصل أضعافه بكسبه، فهو هكذا أبدا مع لصوص الجن ولإنس ليس كمن فتح لهم خزانته وولى الباب ظهره) انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
فأقول إلى كل من أبتلي بهذا الداء أو بشيء منه، أقصد السلبية ودنو الهمة، إلا
كل من ابتلي بهذا الداء أو بشيء منه أهدي هذه الكلمات وهذه التوجيهات، سائلا المولى عز وجل أن ينفع بها الجميع، وأن يجعلها خالصة لوجهه، مع علمي أن الهمم والعزائم تتفاوت فلا نريد من أحد إلا ما يقدر عليه ويستطيع، لك على شرط أن يعلم أن بيده الكثير وأنه قادر على خير وفير متى ما علم أنه يحمل لا إله إلا الله في قلبه، وأنه على المبدأ الحق وأن الله معه يحفظه ويرعاه وأن الجنة موعده إن توفاه، فإن عاش عاشَ عزيزا وإن مات ماتَ شهيدا، عندها أقول:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم…….وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها …… وتصغر في عين العظيم العظائم
ولقد جعلت لهذا الداء مظاهرا وأسبابا وعلاجا على اختصار شديد وتقصير أكيد، فما هو إلا وجهة نظر واجتهاد بشر يعتريه الصواب والخطاء.
أسأل الله عز وجل أن يغفر لي الخطاء وأن يلهمني الصواب، فما أردت إلا الإصلاح وما توفيقي إلا بالله.
ومن أهم مظاهر السلبية ودنو الهمة،
من أهم صفات ذلك الرجل الصفر أو المرأة الصفر
–الخمول والكسل:
الرجل الصفر أو المرأة الصفر لا يكلف نفسه القيام بشيء، حتى في مصالحه الشخصية بل ربما في ضروريات حياته كالدراسة أو لوظيفة أو حتى بيته وطلباته، فماذا نقول إذا مع حاله مع العبادات والطاعات من قيام ليل وصلاة وتر ومن السنن الرواتب ومن صيام النفل وقراءة القرآن وغيرها من العبادات والنوافل، بل أنظر لحاله مع الفرائض والتثاقل فيها حتى أصبحت حاله شبيهة بحال المنافقين الذين قال الله عنهم ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا )، ولا يأتون الصلاة إلا كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون، فكيف بقضايا المسلمين؟ كيف حاله مع قضايا المسلمين والاهتمام بها؟ وكيف يحمل هم هذا الدين والدعوة إلى الله عز وجل؟
( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، ومن الجبن والبخل ) هكذا كان صلى الله عليه وسلم يردد هذا الدعاء علاجا لهذه الظاهرة.
– الرضاء بالدون مع القدرة على ما هو أحسن:
مظهر ثاني من مظاهر الرجل الصفر، قال ابن الجوزي في صيد الخاطر ( من علامة كمال العقل علو الهمة، والراضي بالدون دنئ)
ولم أرى في عيوب الناس عيبا ……. كنقص القادرين على التمام.
والله أيها الأحبة أني على ثقة أن في شبابنا وفتياتنا ورجالنا ونسائنا خيرا كثير، وأن في وسعهم وطاقاتهم الكثير الكثير، ولكن السلبية تلك الداء العضال -أعاذنا الله وإياكم منه-، إن الله يربي المؤمنين على التطلع إلى أعلا المقامات، فيقول سبحانه على لسانهم ( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) انظر (واجعلنا للمتقين إماما) لم يقل سبحانه واجعلنا من المتقين ولكنها تربية على الهمة العالية والعزيمة الصادقة (واجعلنا للمتقين إماما) إن الله عز وجل يريد منك أيها الأخ الحبيب، ويريد منك أيتها المسلمة أن تكون ذا همة عالية، لا أن تكون من المتقين فقط، بل أن تكون إماما للمتقين، وأن تكوني إمامة للمتقيات.
هكذا يريد الله عز وجل أن يربي هذه النفوس، وأسمع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول ( إذا سألتم الله الجنة فأسلوه الفردوس الأعلى) لماذا هذا الأمر؟ لأن المسلم صاحب مبدأ، وهو على الحق فإن عاش عاشَ عزيزا، وإن مات ماتَ شهيدا، والله معه مؤيدا وحافظا، والجنة مستقره وموعده.
إذا فهو يملك جميع المقومات لأن يكون سيدا على وجه هذه الأرض، لأن يكون إماما للمتقين، فما الذي يردك أيها الأخ الحبيب؟ ما الذي يردك وأنت على عزة حيا كنت أو ميت؟ هكذا يربي الله ، وهكذا يربي محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته أن يسألوا الله الفردوس الأعلى.
إن أقصى همة أحدنا إذا ذكرت الجنة أن يسأل الله الجنة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يربي فينا التطلع إلى أعلا المقامات، وعدم الرضاء بالأمور الدنية، ولذلك ( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى ).
–التقيد بروتين الحياة وعدم التطلع للجديد:
من مظاهر الرجل الصفر التقيد بروتين الحياة وعدم التطلع للجديد، اعتاد بعض المسلمين على نمط معين من الحياة درج عليه فتثقل عليه المشاركة، ويصعب عليه العمل وكلما حدث بأمر جاء الرد من سلبا، حتى أصبح المسكين لا قيمة له ولا ينظر إليه، ولا يسمع لكلمته، ربما مع سعة علمه وعلو مركزه.
رضي بالدون ورضي برتابة الحياة حتى ملها هو بنفسه، وأصبح يعيش في هامش الحياة لا معنى له. فكيف تريد من الآخرين أن يحترموك أو يستجيبوا لك أو حتى يسمعوا كلمتك مع ما أوتيت من علم ومع ما أوتيت من مركز مرموق، فإن الناس ينظرون إلى علو همتك، وينظرون إلى صدق كلمتك وينظرون إلى عملك يا أيها الأخ الحبيب.
إن بعض الناس إذا مات لا يبكيه أهله ومدينته فقط، بل تبكيه الأمة بكاملها، لأن الأمة فقدته، لم يفقده أهله لوحدهم، ولم تفقده مدينته لوحدها، بل فقدته الأمة بكاملها، كل الأمة تبكي عليه، من أجل أي شيء هذا؟ لأن الرجل، كان رجلا ممتازا كان رجلا معطاء كان رجلا عاملا نشيطا.
وبعض الناس إذا مات بكاه أهله أياما، وربما قالوا في قرارة أنفسهم ( الحمد لله الذي أراحنا منه ) فهو كل عليهم، بل ربما ضاقت به نفسه الذي بين جنبيه بهمومها وغمومها وقلقها ومرضها ونفسيتها، نفسه ربما ضاقت عليه. لماذا؟ لأنه لا هم له إلا في شهواته وملذاته فضاقت عليه نفسه، وضاق به أهله، وضاق به أهل مدينته. كم من رجل وكم من امرأة يتعوذ الناس من شره ومن شرها؟
لعمرك ما الرزية فقد مال …… ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد فذ……. يموت بموته خلق كثيرُ
وشتان بين هذا وذاك، فإن من الناس من همته في الثرى أي في التراب، وإن من الناس من همته في الثريا، ولذلك كان إبراهيم ابن أدهم رحمه الله يردد هذه الأبيات الجميلة، اسمع لهما أيها المحب، وأسمعي لها أيتها الغالية،
كان يقول رحمه الله:
إذا ما مات ذو علم وتقوى………فقد ثلمت من الإسلام ثلمة
وموت الحاكم العدل المولى…….بحكم الأرض منقصة ونقمة
وموت فتى كثير الجود محل……فإن بقائه خصب ونعمة
وموت العابد القوام ليل……..يناجي ربه في كل ظلمة
وموت الفارس الضرغام هدم……..تشهد له بالنصر عزمة
فحسبك خمسة يبكى عليهم……..وباقي الناس تخفيف ورحمة
وباقي الخلق همج رعاع……..وفي إيجادهم لله حكمة
أترضى أن تكون من التخفيف والرحمة؟ أترضين أيتها الأخت المسلمة الغالية أن تكوني من الهمج الرعاع؟ والله لا نرضى نحن لمسلم أن يكون تخفيف ورحمة، فضلا على أن يكون من الهمج الرعاع.
كيف يرضى مسلم عاقل أن يقتله روتين الحياة ورتابتها؟ كيف يرضى مسلم عاقل أن تذهب الأيام والليالي والشهور والسنون وهو على حاله بدون تطور ولا تقدم؟
اسأل نفسك كم عمرك، كم بلغت من العمر الآن؟ عشرون سنة، ثلاثون سنة، أربعون سنة؟ أسألك بالله هل أنت راضي عن نفسك أيها الحبيب؟ ماذا قدمت خلال هذه السنوات؟ هل أنت في تطور أم أنك مازلت على حالك، وعلى ما أنت فيه منذ سنوات طويلة؟ إن المسلم العاقل صاحب المبدأ، وصاحب اليقين لا يهدئ له بال ولا يقر له قرار حتى يقدم ما في وسعه، وحتى يتقدم، وحتى يكون غده أفضل من يومه.
أسمع لأبن الجوزي وهو يقول رحمه الله تعالى ( ولله أقوام ما رضوا من الفضائل إلا بتحصيل جميعها، فهم يبالغون في كل علم ويجتهدون في كل عمل، ويثابرون على كل فضيلة، فإذا ضعفت أبدانهم عن بعض ذلك قامت النيات نائبة وهم لها سابقون، وأكمل أحوالهم إعراضهم عن أعمالهم فهم يحتقرونها مع التمام، ويعتذرون من التقصير، ومنهم من يزيد على هذا فيتشاغل بالشكر على التوفيق لذلك، ومنهم من لا يرى ما عمل أصلا لأنه يرى عمله ونفسه لسيده.
وبالعكس من المذكور عن أرباب الاجتهاد حال أهل الكسل والشره والشهوات، فلإن ارتدوا بعاجل الراحة لقد أوجبت ما يزيدوا على كل تعب من الأسف والحسرة، ومن تلمس صبر يوسف عليه السلام، وعجلة ماعز – أي في التوبة- بان له الفرق وفهم الربح من الخسران، ولقد تأملت نيل الدر من البحر فرأيته بعد معاناة الشدائد، ومن تفكر في ما ذكرته مثلا بانت له أمثال، فالموفق من إذا تلمح قصر الموسم المعمول فيه، وامتداد زمان الجزاء الذي لا آخر له، إنتهب – أي حرص – حتى اللحظة، وزاحم على كل فضيلة، فإنها إذا فاتت فلا وجه لاستدراكها، أوليس في الحديث يقال للرجل ( اقرأ و ارتق فمنزلك عند آخر آية تقرأها)، فلو أن الفكر عمل في هذا حق العمل حفظ القرآن عاجلا) انتهى كلامه.
–الاستجابة للنفس الأمارة:
من مظاهر الرجل الصفر الاستجابة للنفس الأمارة، الاستجابة لشهواتها ولذاتها بل وتمكينها قيادة العقل وتغييبه حتى لم يعد للنفس اللوامة مكانا، فمات الشعور بالذنب، ومات الشعور بالتقصير، لذلك ظن الكثير من المسلمين أنه على خير، بل ربما لم يرد على خاطره أنه مقصر، فبمجرد قيامه بأصول الدين وبمجرد محافظته على الصلوات، بل ربما والتزامه في الظاهر ظن في نفسه خيرا عظيما، راء نفسه فظن فيها خيرا كثيرا، ولكن ما كيفية هذا القي، وما حقيقة هذا الالتزام؟ وهل قبل الله منه أم لا؟ بل لماذا نسي مئات بل آلاف من الصغائر التي تجمعت عليه من الذنوب والمعاصي؟
ففي حديث سهل ابن سعد رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، إن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه) عند أحمد بسن حسن.
فأعجبتنا أنفسنا فرضينا بما نحن عليه، وأعلنا الاكتفاء وعدم المزيد فكانت النتيجة، السلبية ودنو الهمة وعدم التطلع لما هو أفضل وما هو أحسن، وربما نظر أحدنا إلى من هو دونه في العبادات فأعجبته نفسه، وتقاعس عن الكثير من أبواب الخير، وأسمع لشعر هذا " الكناس " وعزته:
قال الأصمعي ( مررت بكناس (كناس يكنس الشوارع) في البصرة ينشد:
فإياك والسكنى بأرض مذلة……تعد مسيء فيه إن كنت محسن
ونفسك أكرمها وإن ضاق مسكن…….عليك بها فاطلب لنفسك مسكن
هذا الذي يقول الكناس، يقول الأصمعي فقلت له والله لن يبقى بعد هذا مذلة، وأي مذلة بعد الكنس؟ فقال الكناس، والله لكنس آلف مرة أحسن من القيام على باب مثلك.) هكذا يجب أن تكون عزة المسلم أيا كان ذلك العمل الذي يقوم به مادام أنه يقوم به لله عز وجل.
–كثرت الجلسات والدوريات:
ومن المظاهر أيضا كثرة الجلسات والدوريات وضياع الأوقات وهذا من اخطر المظاهر التي ظهرت وانتشرت أخيرا، فإنك تبحث عن شبابنا ورجالنا وربما عن فتياتنا ونسائنا فتجدهم مساء كل يوم ربما في الاستراحات والدوريات وعلى الأرصفة وعلى الشاطئ، وليس الخطر في الاجتماعات ذاتها، بل في كثرة الكلام دون عمل يفيد الأمة، وينفع الأجيال، وكثرة الجدال والمراء، هذا إن سلمت الجلسات من الغيبة والنميمة والجرح والثلب وتنقص الآخرين، وسلمت الجلسات من وسائل اللهو المحرم، وإلا فعندها فإن الطامة أعظم.
وإنك لتتألم أشد الألم وأنت تعلم أن في تلك الجلسات أعداد هائلة من أصحاب الطاقات والمواهب والعقول والأفكار يلتقون في الأسبوع مرة واحدة على الأقل، أي في السنة ما يقرب من ثمان وأربعين لقاء، واللقاء الواحد لا يقل عن خمس ساعات، ربما تزيد أو تقل فما هي النتيجة؟ بماذا خرجوا بعد هذه الاجتماعات الطويلة؟ وماذا قدموا لأنفسهم؟ وماذا قدموا لعقيدتهم؟ وما هي حصيلة العلم التي كسبوها من هذه الجلسات؟ والموضوع يحتاج بلا شك إلى دراسة وتأمل وتوجيه مفيد لاستغلال مثل هذه الجلسات ومثل هذه الدوريات والاجتماعات؟ لكن هذه إشارة سريعة لنعلم حجم السلبية في مجتمعنا المسلم، وبالتالي حجم الخسارة لكثير من طاقاتنا ومواهبنا وعقولنا وأفكارنا، بل لأوقاتنا وأعمارنا، فقد نمى إلى علمي أن هناك شبابا لهم جلسات ودوريات في كل يوم، حتى أصبحت همه وشغله الشاغل، فلماذا هذا التنصل من الواجبات؟ ولماذا هذا الهروب من الواقع؟ أيعقل أنهم لا يعلمون أنهم مسؤولون عن هذا الواقع المرير للأمة الإسلامية؟ أيعقل أيها الأحبة أن هذه الأعداد الغفيرة التي تجلس على الأرصفة وفي المجالس وفي الدوريات وفي الاستراحات وغيرها أنهم لا يعلمون أنهم مسؤولون أمام الله عز وجل عن هذا الواقع المرير عن حال الأمة الإسلامية؟
قد يقول قائل منهم، ماذا نقدم؟ ماذا نستطيع أن نقدم؟ أقول والله إن باستطاعتك الكثير لو فكرت أنت وأصحابك أن تستغلوا هذه الجلسات أولا لنفع أنفسكم، وثانيا لأولادكم وأهليكم، ثم بعد ذلك لنفع أمتكم.
إن من فكر وجد وإن من حرص وحمل الهم عرف كيف يعمل، أما الجلوس في المجالس وعلى الأرصفة والاستراحات والكلام والقيل والقال فيما لا ينفع، فإن هذا ضياع للأعمار والأوقات والطاقات والمواهب والأفكار والعقول.
والله أن كل فرد منا عليه حجم من المسؤولية مهما كان:
لا تلم كفي إذا السيف نبأ……….صح مني العزم أبا
مرحبا بالخطب يبلوني إذا………كانت العلياء فيه السبب
– التهرب من كل عمل جدي:
مظهر سادس من مظاهر السلبية القاتلة في صورها المتعددة التهرب من كل عمل جدي، وعدم الاستعداد للالتزام بأي شيء، خداع النفس بالانشغال وهو فارغ، كم من الناس إذا كلف بأمر قال أنا مشغول، وحقيقة أمره أنه غير مشغول، أو أنه مشغول بمثل تلك الجلسات ومثل تلك اللقاءات. أو الانشغال في شهوات النفس وملذاتها، أو التسويف والتأجيل وتأخير الأعمال والغفلة والنسيان المستمر لما كلف به، والأخطر من هذا كله النقد المستمر لكل عمل إيجابي، وتضخيم الأخطاء، كل ذلك تبرير لعجزه وسلبيته القاتلة.
بعض الناس لا يعمل، ويا ليته لا يعمل فقط بل جعل نفسه راصدا لأعمال إخوانه مرة بالنقد، ومرة بالجرح ومرة بالتثبيط والتخذيل والتنصل من المشاركة والعمل، فكلما طلبناه في مكان، قال لنا مشغول، وكلما كلفناه في مشاركة قال لا أستطيع، بل كلما حدثناه بأمر كان لنا مهبطا ومخذلا.
ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه……….فمن كان أسعى كان بالمجد اجدرا
وبالهمة العلياء ترقى إلى العلا………فمن كان أعلا همة كان أظهرا
ولم يتأخر من أراد تقدما………..ولم يتقدم من أراد تأخرا
إذا فلكل شيء سبب، فإذا أردت أن تجعل نفسك في مكانها فلتتخذ ما ترضاه أنت لها.
– تعطيل العقل:
وتعطيل العقل موضوعه يطول – ولعلكم تسمعونه قريبا إن شاء الله بدرس خاص بهذا العنوان "تعطيل العقل"،
مظهر سابع من مظاهر السلبية تعطيل العقل وعدم التفكير، إن فكر كثير من المسلمين والمسلمات واستخدم عقله فإذا هو يفكر فيما يحبه ويشتهيه كالرحلات والصيد والجلسات والملذات، وكأنها الهدف الذي خُلق لها، فهبطت اهتماماته وسفلت غاياته، فلا قاضيا المسلمين تشغله، ولا مصائبهم تحزنه، ولا شؤونهم تعنيه، وإن حدث شيء من ذلك فعاطفة سرعان ما تبرد ثم تزول.
نرى كثيرا من الشباب والفتيات وكثير من المسلمين أصحاب عقول وأفكار فعطلوها حتى أصبحوا أصفارا على الشمال، فإما تقليد وإما تبعية للآخرين عمياء، وإما سكر للعقل بشهواته حتى وإن كانت مباحة، هذا كلام للجميع للرجال والنساء ملتزمين أو غير ملتزمين، فلكل حظ ونصيب من تعطيل عقله، ولعلي اقف هنا مشيرا إلى أن تحرص على أن تسمع ذلك الموضوع بعنوان "تعطيل العقل".
– عقدة المستحيل:
مظهر ثامن من مظاهر الرجل الصفر أو المرأة الصفر عقدة المستحيل ولا أستطيع ولا اقدر مظهر من مظاهر السلبية ودنو الهمة، كم من المرات نضع بأنفسنا العقبات والعراقيل أمام كثير من مشاريعنا؟ نحن بأنفسنا نصنع العقبات ونصنع العراقيل، والواقع يشهد بهذا، فلماذا عذر المستحيل وعذر عدم الاستطاعة وعد القدرة هي الورقة التي نلوح بها دائما؟ فنغلق نحن بأيدينا الأبواب في وجوهنا، والله يا أيها الأخوة لو فكرنا وحاولنا لوجدنا أن كثيرا من العقبات والعراقيل التي تقف أمامنا إنما هي عراقيل وعقبات وهمية، وما هي إلا حيل نفسية، فكر جيدا وأرجع لنفسك وحاسبها وستجد أننا بأنفسنا نعيق أنفسنا عن العمل، فكل أمر بمقدور البشر أن يفعله لا يمكن أبدا أن يكون مستحيلا.
كل أمر بمقدورك أنت أيها الإنسان أن تفعله لا يمكن أن يكون مستحيلا أبدا
سؤل نابليون كيف استطعت أن تولد الثقة في أفراد جيشك؟ فأجاب:
كنت أرد بثلاث على ثلاث، من قال لا اقدر قلت له حاول، ومن قال لا أعرف، قلت له تعلم، ومن قال مستحيل، قلت له جرب.
هكذا إذا، فأقول لك لا تيئس، اجعل هذه الكلمة شعارا لك لكل عمل تقوم به، فلكل مجتهد نصيب، وإن من أدمن قرع الباب ولد.
كن رابط الجأش وأرفع راية الأمل………وسر إلى الله في جد بلا هزل
وإن شعرت بنقص فيك تعرفه……….فغذي روحك بالقرآن وأكتمل
وحارب النفس وامنعها غوايتها……..فالنفس تهدى الذي يدعو إلى الزلل
قال ابن الجوزي فصل نشدان الكمال – أي طلب الكمال- وقال فيه ( فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه، فلو كان يتصور للآدمي صعود السماوات لرأيت من اقبح النقائص رضاه بالأرض، فلو كانت النبوة تأتي بكسب لم يجز له أن يقنع بالولاية، ولو كانت تحصل بالاجتهاد رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض، غير أنه إذا لم يمكن ذلك فينبغي أن يطلب الممكن، أو تصور مثلا أن يكون خليفة لم يحسن به أن يقتنع بإمارة، ولو صح له أن يكون ملكا لم يرضى أن يكون بشرا، والمقصود أن ينتهي بالنفس إلى كمالها الممكن لها في العلم والعمل) انتهى كلامه رحمه الله.
– التثبيط والتيئيس للآخرين:
فإن الرجل الصفر لا يكتفي كما أسلفت بعدم المشاركة، بل أصبح قاطع طريق وعونا للشيطان وحزبه، فتجده يخلق الأعذار والأسباب، وربما ألبسها الصبغة الشرعية لتبريره لعجزه وعدم مشاركته، وصد الأحمر النحوي بقوله:
لنا صاحب مولع بالخلاف………كثير الخطاء قليل الصواب
ألج لجاجا من الخنفساء………وأزهى إذا ما مشى من غراب
فليس لديه الشجاعة للاعتراف بالخطاء والتقصير، وليس لديه الاستعداد للعمل والمشاركة، ولكنه على أتم الاستعداد للنقد والتجريح، والثلب والتقبيح.
فإلى الله وحده نشكو أمثال هؤلاء، آلا فليتقي الله أولئك الأخوة الذين نصبوا أنفسهم مثبطين ومهبطين لإخوانهم، ونصبوا أنفسهم قاطعي طريق للأعمال الخيرية في كل مكان، ولذلك فنحن نقول لأمثالهم كن عونا لإخوانك، أو على الأقل أعمل ولو لوحدك فإن الهدف واحد والغاية واحدة، فإن لم يكن هذا ولا ذاك فما أجمل الصمت، (فمن كان يؤمن بالله واليوم الأخر، فليقل خيرا أو ليصمت).
وإن المثبط لإخوانه أن يبوء بإثمه وإثم الآخرين، واذكّر هنا بقول الحق عز وجل ( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يظلونهم بغير علم، آلا ساء ما يزرون) فلينتبه وليحذر أولئك النفر.
– الضعف والفتور:
من مظاهر الرجل الصفر في مثل هذه الواقع الضعف والفتور أثناء أوقات العافية، أو في مراحل العمل الجاد، فإنك لا تكاد ترى للرجل لصفر نشاطا ولا تعرف عنه جدا،فإذا ما وقعت مصيبة أو وقعت فتنة أو كان الخلاف، رأيته وأصحابه ينشطون وحول الحرص على الدعوة يتحدثون، وفي التخطيط ومعرفة العمل هم يلهجون، وفي الناس يصنفون ويقسمون، وصدق الشاعر يوم أن قال:
وإخوان عهدتهم دروعا……….فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما راميات………فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا قد صفت منا قلوب…….لقد صدقوا ولكن عن ودادي
ولكني أقول كما قال الأخر أيضا:
عداتي لهم فضل علي ومنة……..فلا أبعد الرحمن عني الأعادي
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ……….وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
والوقائع والأحداث والفتن هي التي تميز بين أناس وأناس، فإن لكل من الحق والباطل رجال، كما أيضا أن الحق يحمله رجال وينافحون عنه، فكذلك الفتن لها رجال يحملونا ويدعون الناس لها، ويتحملون كبرها، ولكن بين حملة الحق والصابرين عليه، ودعاة الفتنة جمهور يتنازعهم الخير والشر، ومن هنا ينبغي الحذر من دعاة الفتن ومن يتأثر بهم من الرعاع، وضعاف النفوس وأتباع الهوى، وما أجمل ذلك القول لعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه الذي نقله الشاطبي في كتاب الاعتصام فقال – أي علي-( إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير، والناس ثلاثة، فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، أف لحامل حق لا بصيرة له، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبة، لا يدري أين الحق، إن قال أخطئ، وإن أخطئ لم يدري، شغوف بما لا يدري حقيقته …. إلى أخر كلامه رحمه الله)
هذه عشر مظاهر من مظاهر الرجل الصفر.
ثم إني أسوق إليك أيها الحب، أسوق إليك أيضا أسبابا للسلبية ودنو الهمة، لماذا الرجل الصفر أصبح رجلا صفرا؟
لماذا كثير من المسلمين والمسلمات أصبحوا فعلا أصفارا لا قيمة لهم على هامش الحياة؟ لا معنى لهم، لا قيمة لهم، لا يقدموا شيئا لأنفسهم فظلا أن يقدموا شيئا لعقيدتهم ودينهم وهدفهم ومبدئهم.
لماذا؟ أسمع إلى هذه الأسباب التي اجتهدت فيها وأسأل الله أن يوفقني للصواب.
أول هذه الأسباب الجهل والغفلة:
أو الغفلة عن الغاية التي من أجلها خُلق، فأقول لكل إنسان، ولكل إنسانه، ألست مسلما؟ أو لست مسلمة؟ ألم ترضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا؟ ألا تعلم أن الغاية التي من أجلها خُلقنا هي تحقيق العبودية لله عز وجل في الأرض؟ هذا هو الهدف الذي من أجله خلقنا. عبودية الله وتحقيق العبودية لله تعالى على هذه الأرض.
ألا تعلم أن العبادة هي الغاية التي من أجلها خلقنا أيها الحبيب. إن بعض الناس قد يجهل الهدف الذي من أجله خلق، وبعض الناس قد يعمل ولكنه يغفل وتغفله شهوات الدنيا ولذاتها عن ذلك الهدف.
ألا تعلم أن المعنى الصحيح لذلك الهدف الذي من أجله خلقنا وهي عبادة الله عز وجل كما عرفها أهل العلم، لا كما يريدها أعداء الله عز وجل.
إذا الغاية التي من أجلها خلقنا هي العبادة، هي عبادة الله ولكنها ليست العبادة فقط في المسجد، أو ليست الصلاة والصيام والحج والزكاة، لا وآلف لا.
وإنما العبادة التي يريدها الله عز وجل، العبادة بمفهومها الشامل، العبادة بمفهومها الكامل، العبادة التي عرفها أهل العلم يوم أن قالوا " أسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة "، هكذا يريد الله عز وجل أن تكون العبودية، يوم أن تكون العبودية في كل شأن من شؤون حياتك أيها المسلم.
تكون العبودية لله في مسجدك، وفي بيتك، وفي وظيفتك، وفي شارعك، وفي تجارتك، وفي كل مكان (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)
هكذا هي العبودية، هذا هو الهدف الذي من أجله خلقنا، وهكذا يريده الله عز وجل.
وعندها يعلم الإنسان أن كل حركة وكل سكنه وكل نفس، كل شيء يعمله يؤجر عليه إن أخلص النية لله فيه وهو عبادة لله عز وجل. حتى وأنت تجامع زوجتك، وأنت تجامع أهلك، ألم يقال صلى الله عليه وسلم (وفي بضع أحدكم صدقة).
حتى وأنت تمارس الرياضة، ألم يقل صلى الله عليه وسلم (وإن لجسمك عليك حق)؟ حتى وأنت تخرج مع إخوانك وأصدقائك، تخرج معهم للجلسات والاستراحات، فإنه لإدخال الراحة والاستجمام والانبساط إليهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم (تبسمك في وجه أخيك صدقة).
المهم أخلص النية في ذلك لله عز وجل، وأحتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى، المهم أن يكون ذلك العمل مرضي لله عز وجل، أن يكون الله سبحانه وتعالى راضي عن هذا العمل، إذا بعد ذلك أعمل ما شئت، وقل ما شئت بهذين الشرطين.
أن يكون خالصا لله، وأن يكون الله عز وجل راضي عنه. أعمل وتابع في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه هي العبادة.
آلا تعلم أن العبادة غاية الذل لله مع غاية الحب له. فأي حب لله هذا الذي أقعدك؟ أين البينة على هذه المحبة؟ فلو يعطى الناس بدعواهم لأدعى الخلي حرقة الشجي، فلا تقبل إذا الدعوى إلا ببينة (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)، فإذا غرست شجرت المحبة في القلب وسقيت بماء الإخلاص، ومتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم، أثمرت أنواع الثمار وهذا ما نريده.
أسمع لأمنية ربيعة ابن كعب الأسلمي رضي الله عنه وأرضاه قال (كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي سل، فقلت أسألك مرافقتك في الجنة) أنظر للأمنية وأنظر للهمة) .
وفي لفظ عند أحمد في مسنده أن ربيعة قال (أنظرني يا رسول الله حتى أنظر في أمري، يقول ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة، وأن فيها رزقا سيكفيني ويأتيني، فقلت أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي، فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به،
قال فأتيت رسول الله فقال لي، ما فعلت يا ربيعة؟
فقلت أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمرك بهذا يا ربيعة، وقد كان ربيعة شابا؟
قلت لا والذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد، ولكنك قلت سلني أعطك، وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به، ففكرت في أمري وعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة وأن لي فيها رزقا سيكفيني، فقلت اسأل رسول الله لآخرتي.
قال فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال إني فاعل فاعني على نفسك بكثرة السجود.). هذه هي أمنية ربيعة، وهذا هو الهدف الأول عند ربيعة رضي الله عنه وأرضاه.
إذا فالهدف يكون دائما في مخيلة كل مسلم، الهدف الذي من أجله خلقت هو الفيصل في كل أعمالك وأقوالك وأفعالك وتصرفاتك،لا بد أن يكون الهدف واضحا لك مسلم فهو الضابط له في أعماله، وهو الضابط لحبه وبغضه، لأكله وشربه، بشكله ولبسه، لذهابه ومجيئه، لقيامه وجلوسه، لزوجه وأولاده، لأصحابه وخلانه، لكل شؤون الحياة صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها.
أما إذا ضاع الهدف أو لم يتضح له فإن الإنسان يتخبط فمرة في ضياع، ومرة في هموم، ومرة في صلاح، ومرة في شقاء، وهكذا لا يدري من يرضي ذلك المسكين، حتى وإن كان له عقل وبصر، هكذا إذا ضاع الهدف من الإنسان.
إذا فأول أسباب السلبية ودنو الهمة هو ضياع الهدف، أو الجهل في الغاية التي من أجلها خلقت أيها الأخ الحبيب.
السبب الثاني صحبة ذوو العزائم الواهنة والهمم الدنيئة:
وهذا السبب من أكثر الأسباب تأثيرا، فالإنسان سريع التأثر بمن حوله، ولهذا كان التوجيه النبوي (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)، والحديث عند الترمذي في كتاب الزهد، وأحمد في الأدب وحسنه الألباني.
أقول إن هذا من أهم أسباب السلبية ودنو الهمة حتى وإن كان أصحابك من الصالحين، لا تعجب نعم حتى وإن كان أصحابك من الصالحين ومن أهل الخير فما داموا أصحاب همم ضعيفة وعزائم واهنة ولا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية، والأنس والضحك وقضاء الأوقات بدون فائدة فلا خير فيهم، بل إن صلاحهم حجة عليهم يوم أن يقفوا بين يدي الله عز وجل، فعلى العاقل أن لا يغتر بصحبة الصالحين تاركا عيوب نفسه، بل هذه حيلة نفسية يجب التنبه لها.
قال عمر ابن عبد العزيز (إن لي نفسا تواقة، لقد رأيتني وأنا في المدينة غلاما مع الغلمان، ثم تاقت نفسي إلى العلم وإلى العربية والشعر فأصبت منه حاجتي وما كنت أريد، ثم تاقت نفسي وأنا في السلطان إلى اللبس والعيش والطيب فما علمت أن أحدا من أهل بيتي ولا غيرهم كان في مثل ما كنت فيه، ثم تاقت نفسي إلى الآخرة والعمل بالعدل فأنا أرجو ما تقت نفسي إليه من أمر آخرتي). أنتهي كلامه رحمه الله، هكذا تكون النفس المؤمنة كل ما رغبت بأمر استطاعت أن تحصل عليه، هكذا تكون النفوس مجاهدة صابرة متحملة، حتى تنال ما تريد.
فجاهد نفسك أيها الحبيب، وجاهدي نفسكي أيتها المسلمة، لا نستطيع أن نصل إلى ما يريده الله عز وجل من العزة والتمكين إلا بمجاهدة هذه النفوس. لنجاهد أنفسنا ولنقل لها:
ذريني أنل ما لا ينال من العلا……..فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
أتريدين إدراك المعالي رخيصة……… ولا بد دون الشهد من ابر النحل
ومن الأسباب أيضا نسيان الذنوب:
الغفلة عن الذنوب وقتل الشعور الخطأ، أو إن شئت فقل ضياع الوازع الديني أو النفس اللوامة، أو إن شئت فقل أيضا قلة الخوف من الله عز وجل سبب من الأسباب التي جعلت كثيرا من الناس صفرا، أصبح ذلك الرجل الصفر أسيرا لذنوبه، فهو لا يستطيع التخلص منها، فلا هي (أي الذنوب والمعاصي) دفعته إلى العمل الصالح والإكثار منه لعلها تكون سببا لمحوها وغفرانها، وهذا هو الأصل، الأصل في المسلم أنه إذا أذنب ووقع في السيئات أن يسارع ليعمل صالحا لعلها أن تمحو تلك الذنوب والسيئات، ولذلك قال الحق عز وجل ( إن الحسنات يذهبن السيئات)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم (وأتبع السيئة الحسنة تمحها)، هذا هو الأصل، ولكن الرجل الصفر كان أسير لذنوبه فلا هي التي دفعته للعمل الصالح، ولا هي أيضا التي جعلته ينظر لنفسه، بل جعلت أسيرا مسكينا ضعيفا خامل النفس أسيرا لها.
الرجل الصفر أسير للمعاصي والذنوب، قيدته وكبلته، فإذا حدثته بالعمل والتحرك شكا لي ضعفه وكثرة ذنوبه، بل ربما ظن بعض الصالحين لكثرة ذنوبه بنفسه النفاق، حتى وإن تحرك وعمل قال أنا منافق، وهو ما زال على ذنوبه ومعاصيه، وهذه شبهة أحرقت علينا كثيرا من الطاقات والعقول والأفكار.
نرى كثيرا من الشباب صاحب معاصي وصاحب ذنوب، فإذا قلنا له أعمل، إذا قلنا له أكثر من النوافل، قال أنا أخشى أن أكون منافقا، لماذا؟ قال لأني آتي وأدخل المسجد وأصلي وأنا صاحب ذنوب ومعاصي كثيرة.
إذا فالحل في نظره أن يقعد عن العمل، الحل في نظره أن يبتعد عن الساحة وأن يبقى داخل قفص الشيطان وأوهامه مع الذنوب والمعاصي، وغفل هذا المسكين أن خير علاج لذنوب، وخير علاج للسيئات والتقصير هو العمل والتوبة والاستغفار، فإن أبى فإني أخشى عليه الانحراف، فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
ومن الأسباب أيضا الزهد في الأجر:
وعدم الاحتساب والغفلة عن أهمية الحسنة الواحدة، وهذا لا شك نتاج الغفلة عن الموت ونسيان الآخرة، وإلا فالمؤمن مجز على مثقال الذرة، إن المؤمن مجازا على مثقال الذرة، كما انه محاسب عليه أيضا (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).
إن قلب المؤمن والمؤمنة ذلك القلب الحي يرتعش لمثقال ذرة من خير أو شر، وفي الأرض قلوب لا تتحرك من الذنوب والمعاصي والعياذ بالله.
لماذا نعمل؟ لنسأل أنفسنا، اسأل نفسك أيها الحبيب، واسألي نفسك أيتها الغالية لماذا نعمل، ولماذا نتحرك؟
لماذا نحبس أنفسنا عن الشهوات مع أن الله عز وجل قد جبل هذه النفس على الشهوات وحبها؟
فلماذا إذا نحرمها من الشهوات؟
لماذا نحرم أنفسنا من الجلسات؟
لماذا نجاهد أنفسنا؟ لماذا تبح أصواتنا؟
لماذا نصرف أموالنا؟
لماذا نغض أبصارنا؟
لماذا نحفظ أسماعنا عن سماع الحرام والغناء وغيره؟
لماذا نمسك اللسان عن الكلام؟
لماذا نطعم الطعام؟
ولماذا نكثر الخيرات، ونكثر السلام؟
لماذا نحرص على القيام والصيام؟
لماذا كل هذا؟ الإجابة واحدة قول الحق عز وجل ( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا).
يظن أصحاب الشهوات والمعاصي أنه ليس في أنفسنا توقا ولا شوقا إلى هذه الشهوات، بل والله إن في أنفس الصالحين شوقا إلى كثير من الشهوات، أيا كانت هذه الشهوات،
شهوة المال،
شهوة الفرج،
أو شهوة البطن أو غيرها من الشهوات،
لكن ما الذي يردنا وما الذي يمنعنا؟، إنه خوف الله عز وجل،
(إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا)
علنا أن نسمع النتيجة بفرح وسرور يوم أن يقول الحق عز وجل:
(فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نظرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا، متكئين فيها على الأرائك، لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا، ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا، ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا، قواريرا من فضة قدروها تقديرا، ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا، عينا فيها تسمى سلسبيلا، ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا، وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملاكا كبيرا، عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا، إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا )،
جزاء على ما صبرتم،
جزاء