التصنيفات
القصص والروايات

ولن تموت جوعاً!! – قصة واقعية

فاطمة بنت عبد الله البطاح

المكان: إحدى دور تحفيظ القرآن الكريم
الزمان: في مساء ليلة شتوية قبيل الغروب…
ها هي الشمس تميل نحو الأفق.. وترسل أشعتها الزاهية.. التي بدت بلونها الذهبي الجميل كأنها قد رسمتها ريشة فنان مبدع!
– ثمة نساء كثيرات يملأن المكان..
تتكوم أجسادهن الغضة.. يشكلن دائرةً.. تتشكل معها أفكار وتصورات ومبادئ.. تأبى إلا البقاء في زمن لا يعترف إلا بالتغير والتحول!
يُصغين بأسماعهنّ لـ امرأة تتوسطهنّ- وتبدو مشرقة الوجه، مضيئة القسمات، حلوة الحديث…
أستمتع بالإنصات
إلا أن ثمة ما يضايقني!
مخلوقة صغيرة، جميلة أُحسها خلف ظهري…
أستدير يميناً فتأسرني بعينيها الخضراوين اللامعتين!
أتابعها وهي تخطو وتخطو وبخفة ورشاقة واضحتين – تحاول أن تتخطى الصفوف المتراصة، والأجساد المتلاحمة..
أسأل نفسي..
أتظن هذه المخلوقة الضعيفة أنها قادرة على تجاوز الصفوف!
ألا تخشى على جسدها الصغير الذي يفيضُ بالحياة فيجعلها لا تسير كما نسير وإنما تقفز حيناً وتتوثب أحيانا أخرى!
يا الله! يا لهذه المخلوقة الطائشة أتصر على أن تسير وسط هذه الجموع الحاشدة!
يا لقلة صبرها! لماذا لا تنتظر ريثما ينفض الجمع.. فيكون لها خلوة هادئة… مع من تريد!
– صوت الأخت المحاضرة.. يرتفع تحتد نبرته.. تقطع عليّ تساؤلاتي.. تنسيني صاحبتي المشاكسة ذات العينين اللامعتين!
أرفع قامتي قليلاً.. أود لو أرى ملامح وجه المرأة المضيء فأعجز!
أسمع صوتها يملأ المكان والزمان:
(اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك.. وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.. رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
سمو الكلمات، وحدة الصوت
أصابت أفكاري بالشلل للحظات.. بيد أنها لم تستطع أن تمنع تلك المخلوقة/ الضعيفة من تجديد محاولاتها للعبور!
يأتيني صوت من بجانبي وهي تهمس بضيقٍ ساخر: امنحوا هذه (الهرة) المتطفلة فرصةً للعبور، فقد يكون لها مداخلةً حميمة أو تعليقاً جميلاً.. ربما!
– فجأة تخفت الأصوات الجادة، والهمسات الساخرة كلها ويبقى صوت الهرة، وصورتها وقد خلت بـ (طعامها المنشود) وبدت مطمئنة في جلستها معه – حتى ظهرها وإن احدودبت على طعامها قليلاً إلا أنها ظلت ترمقنا بعينين غائبتين عن كل شيء- لا تنطقان بشيء إلا الحمد والحمد كله لمن يستحقه!!
– عجيب أمر هذه الهرة- لم تدمع دمعة واحدة تفضح لنا جوعها!
لم تحاول استمالتنا نحو ضعفها ونحن الأقوى والأشد!
لم تحاول استجداءنا لنهيئ لها حاجتها.. وهي الجائعة ونحن من نستطيع أن نضع طعامها وطعام غيرها من بني جلدتها في حضنها!
– بل بدت أمامنا رغم أنوفنا!
إنساناً في أسمى حالاته..
إنساناً خلا من الذل، والجبن، والنفاق، والرياء، والاستجداء
إنساناً لفظ مرارة الاسترزاق من البشر.. وترفع عنه بكل دناءته وخسة كل صورة من صوره حتى تلك الصور التي مرت عليها أقلام رسامي العصر الذليل.. وغيّروا حقيقتها الطاغية في القبح بألوان الطيف أو الزيف كلها!
– وتصعد الهرة المنبر صعود الكريم الذي تأخذك عزتهِ ورفعته وتُلقي على مسامعنا قصيدة عصماء حفظتُ منها
قل إذا قُطع المعاش ..
الله قد رزق الخشاش!!
– ويضج المكان بصوت جماعي
يردد: الله قد رزق الخشاش
الله قد رزق الخشاش
أو هكذا خُيل إليَّ!!

المصدر: مجلة الأسرة العدد 93

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.