التصنيفات
البحث العلمي

سنن الترمذي علمي

جامع الترميذي‎ المعروف بسنن ط§ظ„طھط±ظ…ط°ظٹ هو أحد كتب الحديث الستة قام بتجميعه الإمام الترمذي .
يعتبره علماء السنة خامس كتب الحديث الستة و قد قسمه الشيخ الألباني إلى صحيح الترمذي و ضعيف الترمذي .

سنن الترمذي : من أهم مميزات جامع الترمذي أنه مرجع مهم جدا في الحكم على الأحاديث ، فهو ينص على درجة أحاديثه صراحة ، فيقول مثلا : هذا حديث صحيح ، أو حسن صحيح ، أو غريب … الخ . تميز الترمذي في جامعه بمصطلحات خاصة به في جامعه ومن أبرزها مصطلح "حسن صحيح" الذي اختلف فيه النقاد اختلافا كبيرا وقبل الشروع في ذكر أقوال العلماء في هذا الشأن لابد من إلقاء نظرة سريعة على جامع الترمذي الذي اشتهر باسم سنن الترمذي : اقتصر الترمذي غالبا على الأحاديث المرفوعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم (حجية السنة وتاريخها ص190) . وهذا أمر أغلبي وإلا فجامع الترمذي كمثال لكتب السنن يحتوي على موقوفات ومقطوعات حيث كان الترمذي يعنى بذكر عمل الصحابة أو التابعين أو غيرهم بمقتضى الحديث الذي هو بصدد تصحيحه ، بل إن تحسينه كان مبنياً على ثبوت العمل به من بعض الصحابة. وهذا ما يعبر عنه الترمذي في أكثر من موضع في جامعه بقوله (وعليه العمل عند العلماء أو بعضهم) ونحو ذلك . وتميز جامع الترمذي بعدة خصائص لخصها د/ حسين شواط في كتابه حجية السنة ص192 في النقاط التالية : 1. أنه عرض كتابه هذا على علماء الحجاز والعراق وخراسان فاستحسنوه ، فحصل له القبول من أهل زمانه . 2. أنه اقتصر على إيراد الأحاديث التي عمل بها فقهاء الأمصار . حيث قال : وجميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به وقد أخذ به بعض العلماء ما خلا حديثين حديث ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة من غير خوف ولا سفر وحديث : "إذا شرب فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه" اهـ . قلت (أي الشيخ ابن عثيمين في مذكرته في المصطلح ص41 : بل أخذ الإمام أحمد بمقتضى حديث ابن عباس رضي الله عنه في الجمع فأجاز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء للمريض ونحوه وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما لم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ؟ فقال : أراد أن لا يحرج أمته فدل على أنه كلما لحق الأمة حرج في ترك الجمع جاز الجمع . وأما حديث قتل شارب الخمر في الرابعة فقد أخذ به بعض العلماء فقال ابن حزم : يقتل في الرابعة بكل حال وقال شيخ الإسلام : يقتل عند الحاجة إلى قتله إذا لم ينته الناس بدونه ، وعلى هذا فلا إجماع على ترك العمل بالحديثين . 3. أنه أول كتاب شهر الحديث الحسن ، لكثرة ذكر الترمذي لذلك عند الكلام على الأحاديث (كما سيأتي تفصيلا إن شاء الله) . 4. حكم الترمذي في0كتابه على أكثر الأحاديث وتكلم عليها بما يقتضي التصحيح أو التضعيف . قال ابن رجب : "اعلم أن الترمذي خرج في كتابه الصحيح والحسن والغريب ، والغرائب التي خرجها فبها بعض المنكر ولا سيما في كتاب الفضائل ولكنه يبين ذلك غالبا ولا أعلم أنه خرج عن متهم بالكذب متفق على اتهامه بإسناد منفرد ، نعم قد يخرج عن سيئ الحفظ ومن غلب على حديثه الوهن ويبين ذلك غالبا ولا يسكت عنه" اهـ . ويؤكد د/ حسين شواط على ضرورة عرض أحاديث جامع الترمذي على قواعد الجرح والتعديل ، وقد جرد الشيخ الألباني أحاديثه المقبولة في صحيح جامع الترمذي . 5. يعنون للباب غالبا بالحكم الذي يدل عليه أصح أحاديث ذلك الباب . 6. أورد فيه كثيرا من فقه الصحابة والتابعين ومذاهب فقهاء الأمصار ، فهو من أهم مصادر دراسة الفقه المذهبي وقد سبق أن الترمذي في تحسينه لبعض الأحاديث كان يعتمد على ثبوت العمل بها من بعض الصحابة . 7. يختصر الترمذي طرق الحديث فيذكر أحدها ويشير إلى غيرها ، بقوله وفي الباب عن فلان ، وأحيانا يشير إلى من دون الصحابي ، مثل قوله : وقد روي هذا الحديث عن صفوان بن عسال رضي الله عنه من غير حديث عاصم ، أي حديث المسح على الخفين . فقد أشار هنا إلى من دون الصحابي ، وهو عاصم . 8. ذيل جامعه بكتاب بكتاب العلل ، وفيه فوائد نفيسة ، أثرى الحافظ الحنبلي في شرحه عليها وذكر فيها جملة مسائل مهمة في علم الجرح والتعديل مثل ذكر طبقات أتباع بعض الرواة كابن عمر رضي الله عنه ونافع وذكر المختلطين ومن روى عنهم وذكر من كانت روايته في بلد أصح من روايته في بلد آخر ، وقد نبه الشيخ طارق عوض الله حفظه الله إلى أن علل الترمذي هي تكميل لكتابه الجامع ، وليست مصنفا مستقلا ، وقد امتاز الترمذي في جامعه بنصه على العلل صراحة ، حيث يذكر أقوال الأئمة في بيان علل هذا الحديث ، وربما وافقهم ، وربما عارضهم . 9. اهتم الترمذي ببعض الدقائق الحديثية ، كاهتمامه بتسمية المكنين . ومن أبرز من تكلم على مزايا جامع الترمذي : ¨ ابن رشيد حيث قال : إن كتاب الترمذي تضمن الحديث مصنفا على الأبواب وهذا علم برأسه ، والفقه ، وهذا علم ثان ، وعلل الحديث ، وهذا علم ثالث ، (وهو يشتمل على بيان الصحيح من السقيم وما بينهما من المراتب) ، والأسماء والكنى ، وهذا علم رابع ، والتعديل والتجريح ، وهذا علم خامس ، ومن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يدركه ممن أسند عنه في كتابه ، وهذا علم سادس ، وتعديد من روى هذا الحديث ، وهذا علم سابع ، فهذه علومه المجملة ، وأما علومه التفصيلية فكثيرة . ¨ أبو بكر العربي حيث قال بأن في الجامع 14 علما ، فقد صنف وأسند وصحح وأسقم وعدد الطريق وجرح وعدل وأسمى وأكنى ووصل وقطع وأوضح المعمول به والمتروك وبين اختلاف العلماء في الرد والقبول لآثاره ، وذكر اختلافهم في تأويله وكل علم من هذه العلوم أصل في بابه .
ومن المسائل المهمة التي تطرق إليها الشيخ الحميد حفظه الله في محاضراته عن مناهج الأئمة ، تأثر الترمذي بشيخيه البخاري ومسلم ، وبين حفظه الله تأثر الترمذي بكل واحد منهما على حدة ، وذلك كالتالي : أولا : بشيخه البخاري : ويظهر هذا جليا في الجوانب الفقهية ، وخاصة في تراجم أبوابه التي بناها على استنباطاته الفقهية ، تماما كشيخه البخاري ، ولكنه زاد عليه اهتمامه بذكر أقوال أهل العلم ، وربما أورد اختلافهم ، وربما رجح بين الآراء ، فهو من المراجع المهمة لدراسة الفقه المقارن ، كما سبق ذكره . ثانيا : بشيخه مسلم : ويظهر هذا في بعض الدقائق في الصناعة الحديثية ومن أبرزها : ¨ أنه يقرن شيوخه عند إيراده لروايته عنهم ، فيورد المتن الواحد بإسنادين ، بمساق واحد ، كقوله ، حدثنا قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر . ¨ أنه قد يورد هذا الحديث الذي قرن فيه شيوخه ، بهذه الأسانيد عن شيوخه مستقلا سندا ومتنا ، ولكنه في الغالب إذا فعل ذلك ، فإنه يكرر المتن لأجل الإختلاف الوارد في المتن أو لما فيه من زيادة ، وأما إذا كان المتن هو نفس المتن ، أو فيه اختلاف يسير ، فإنه يورد الإسناد الثاني ويشير إلى المتن إشارة كقوله (بمثله ، أو نحوه) ، وهذه طريقة مسلم . ¨ أنه يستخدم طريقة التحويل في الأسانيد ، وقد أكثر منها مسلم في صحيحه ، خلاف البخاري ، كما نبه إلى ذلك النووي في شرحه لصحيح مسلم .

أهم المصطلحات التي استخدمها الترمذي في جامعه : 1. حسن : ونبدأ بتعريف الترمذي للحسن كما ذكره في آخر العلل التي في آخر الجامع حيث اشترط له : ¨ أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب . ¨ ولا يكون شاذا . ¨ وأن يروى من غير وجه . وفي معرض نقد بعض العلماء لهذا التعريف قالوا : بأن الشرطين الأول والثاني ينطبقان على الصحيح أيضا فيشترط له أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون شاذا فالشرط الثالث هو الذي يميز الصحيح من الحسن لأن الصحيح لا يشترط له تعدد الأوجه ويرد هنا اعتراض آخر وهو أن الحسن لذاته لا يشترط له أيضا تعدد الأوجه ويشترط في راويه العدالة والضبط "وإن كان الضبط خفيفا" بينما الشرط الأول في تعريف الترمذي يشمل من هو دون راوي الحسن لذاته فغايته ألا يكون في سنده متهم بالكذب فيخرج الحسن لذاته من حد التعريف ويكون تعريف الترمذي قاصرا على نوع واحد فقط من الحسن وهو الحسن لغيره (وهو الذي يحتاج إلى أكثر من وجه ليزول ضعفه كالمرسل الذي يتقوى بالشروط التي حررها العلماء ليصل إلى درجة الحسن لغيره ويكون صالحا للاحتجاج خلافا للحسن لذاته الذي يحتج به ابتداء دون اشتراط وروده من وجه آخر ، بل إن وروده من وجه آخر قد يصل به إلى درجة الصحيح لغيره) . وقد اعترض الحافظ ابن كثير على اشتراط الترمذي تعدد الطرق بقوله : وهذا إذا كان قد روي عن الترمذي أنه قاله ففي أي كتاب له قاله ؟ وأين إسناده ؟ وإن كان فهم من اصطلاحه في كتابه "الجامع" فليس ذلك بصحيح ، فإنه يقول في كثير من الأحاديث : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقد استدرك الحافظ العراقي على ابن كثير إنكاره لوجود هذا التعريف لأنه موجود في آخر كتابه العلل وأما اعتراضه بقول الترمذي هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه فمن الممكن الرد عليه بأن الترمذي يعني بهذا المصطلح الحسن لذاته ولا يشترط فيه تعدد الطرق (الباعث الحثيث ص53-54 طبعة مكتبة السنة) ، ويعلق الشيخ أحمد شاكر على شرط تعدد الأوجه بأن الترمذي لا يريد بقوله في بيان معنى الحسن "ويروى من غير وجه نحو (ذلك)" أن نفس الحديث عن الصحابي يروى من طرق أخرى ، لأنه لا يكون حينئذ غريبا ، وإنما يريد أن لايكون معناه غريبا : بأن يروى المعنى عن صحابي آخر ، أو يعتضد بعمومات أحاديث أخر ، أو بنحو ذلك ، مما يخرج به معناه عن أن يكون شاذا غريبا . فتأمل (الباعث الحثيث ص56 طبعة مكتبة السنة) . وقد تعرض الشيخ السعد حفظه الله لتفسير قول الترمذي : (وأن يروى من غير وجه) ، وقال بأن هذا يحتمل أحد أمرين : ¨ إما أن يروى لفظه من غير وجه . ¨ وإما أن يروى معناه من غير وجه وهو الأقرب ، لأن التقوية قد تكون لذات الخبر وقد تكون لمعناه (وغالبا ما يكون ذلك في الحسن لغيره) ، ويدل على ذلك قول الترمذي : وفي الباب عن فلان وفلان ، ويذكر أحاديث بمعنى الحديث الأول أو تتعلق بالمسألة التي يدور حولها الحديث الأول ، ولا تكون هذه الأحاديث بنفس لفظ الحديث الأول . والشيخ حفظه الله بترجيحه التفسير الثاني يؤيد ما ذهب إليه الشيخ أحمد شاكر فيما تقدم . وقد أثنى العلماء على صنيع الترمذي بتفريقه بين الشرطين الثاني والثالث فلا يكفي أن يرد الحديث من أكثر من وجه حتى يرتفع لدرجة الحسن لغيره فربما كانت هذه الطرق المتعددة معلولة (كأن يكون رواتها متهمين بالكذب) فهي لا تصلح للمتابعة فلا تتقوى ولا يتقوى بها . ومن الأمثلة التي يتضح بها صنيع الترمذي حكمه على حديث علي رضي الله عنه : (من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا وأن يأكل شيئا قبل أن يخرج) فقد رواه الترمذي (530) وقال حديث حسن وفي اسناده ضعف لكن له شواهد لا يخلو كل منها من ضعف من حديث سعد القرظي وأبي رافع ومرسل سعيد بن المسيب ومرسل الزهري وبمجموع هذا كله فالحديث حسن وقد حسنه الألباني . والمتتبع لأقوال العلماء في صنيع الترمذي في جامعه يتضح له أن هناك بعض التساهل في تصحيح وتحسين الترمذي لبعض الأحاديث ومنهم ابن دحية الذي يقول : كم حسن الترمذي من أحاديث موضوعة وأسانيد واهية . وقال الحافظ الذهبي : لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي ، والترمذي ، كما يقول الشيخ مقبل رحمه الله ، أكثر تساهلاً من ابن حبان ، فالحافظ الذهبي قال في ترجمة كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف وقد ذكر حديث: ((المسلمون على شروطهم)) : وأما الترمذي فصحح حديثه ، ولهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه ، لأنه ذكر في ترجمة كثير بن عبدالله عن الإمام الشافعي وأبي داود قولهما : أنه ركن من أركان الكذب .
وقال في ترجمة يحيى بن يمان : وقد ذكر في ترجمته حديثًا وهو أنّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ناراً في المقبرة ، وذهب فإذا هم يحفرون بالليل ودفن في الليل ، قال الذهبي : حسّنه الترمذي ، وفي سنده ثلاثة ضعفاء ، فعند المحاققة غالب تحسينات الترمذي ضعاف ، وجدير بالذكر أن الدفن جائز في الليل لأدلة أخرى ، كما هم معلوم . وقال الألباني في معرض تعليقه على حديث ابن عمر في القراءة عند القبور في أحكام الجنائز حينما تكلم على أحد رواة الحديث وهو عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج : ومما يؤيد ما ذكرنا "من جهالة عبد الرحمن" أن الترمذي مع تساهله في التحسين لما أخرج له حديثا آخر (2/128) وليس له عنده غيره سكت عنه ولم يحسنه . (أحكام الجنائز ص 244 مكتبة المعارف) . وقد نبه الشيخ عبد الله السعد حفظه الله على أن الحسن عند الترمذي هو الحديث الذي به ضعف أو به علة وذكر بعض الأمثلة على هذا ومنها : ¨ حديث دخول المسجد وقال فيه : (حديث حسن وإسناده ليس بالمتصل) . ¨ حديث سعيد بن أبي هلال عن عمر بن إسحاق عن عائشة وقال فيه : (حديث حسن وإسناده غير متصل لأن عمر لم يسمع من عائشة) . ¨ حديث خيثمة البصري عن الحسن عن عمران وقال فيه : (حديث حسن وإسناده ليس بذاك) . ¨ حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة : (من سلك طريقا يلتمس فيه علما) حديث حسن ونقل الحافظ في النكت أنه لم يقل حسن صحيح لأنه ذكر أن الأعمش دلسه عن أبي صالح وهذه الزيادة غير موجودة في نسخ الترمذي .
2. حسن غريب : فقد قال بعض العلماء أن مصطلح (حسن غريب) يقصد به الترمذي أن متن الحديث سليم من الشذوذ والغرابة، لكن السند فيه غرابة وإشكال . ومما يزول به شذوذ المتن أن يكون قد عمل به بعض الصحابة مثلا (وكثيرا ما يلجأ الترمذي إلى ذلك فيقول مثلا والعمل عليه عند أهل العلم) . وهناك من فرق بين قول الترمذي (حسن غريب من هذا الوجه) وقوله (حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) فقالوا : ¨ (حسن غريب من هذا الوجه) : يعني الترمذي بالغرابة هنا الغرابة النسبية فقد لا يرد الحديث عن الصحابي الذي رواه إلا من طريق واحد فيكون غريبا من هذا الوجه ولكنه ورد عن صحابة آخرين من طرق أخرى فزالت الغرابة المطلقة بهذه الطرق ولم تزل الغرابة النسبية لأنه لم يرد عن هذا الصحابي من طريق آخر . (فهو غريب الإسناد لا المتن) ¨ وأما (حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) : فهذا تأكيد منه على غرابته المطلقة وقال بعض العلماء أن الترمذي يعني بهذا القول الحسن لذاته لأنه لا يحتاج إلى طريق آخر ليرتقي إلى الحسن فهو حسن بدون وروده من طريق آخر وهذا هو الحسن لذاته . (فهو غريب الإسناد والمتن) 3. قوله : وفي الباب عن فلان وفلان : لا يعني أن هؤلاء الصحابة رووا ذلك الحديث المعين بلفظه ، إنما يقصد وجود أحاديث أخرى يصح إيرادها في ذلك الباب . (حجية السنة ص193) ومن الأمثلة التي تؤيد هذا الرأي ما رواه الترمذي وحسنه من طريق شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرضيت من نفسك ومالك بنعلين ؟ قالت : نعم ، فأجاز حيث قال الترمذي عقبه : " وفي الباب عن عمر وأبي هريرة وعائشة وأبي حدرد)" . 4. وأما مصطلح (هذا أصح شيء في الباب وأحسن) فيفيد الصحة عنده ، بخلاف قوله : (أحسن شيء في هذا الباب حديث فلان) أو (أصح شيء في هذا الباب حديث فلان) ، إذ لا يفيد إلا مطلق الترجيح من بين المرويات التي وردت في الباب ، وهذا ما تبين لي (أي الدكتور / حمزة المليباري) بالاستقراء ، حيث يستخدم الإمام الترمذي في سننه مصطلح (حديث فلان أحسن وأصح) فيما صححه البخاري ومسلم . وعليه فإن هذا المصطلح المركب يكون آكد في إفادة الصحة من قوله المعتاد : (حسن صحيح) . والله أعلم . 5. حسن صحيح : وهو المصطلح الذي وقع فيه أكثر الخلاف بين العلماء وأقوالهم تتلخص في الأقوال التالية : ¨ أنه ورد بإسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن وعلى هذا يكون الحديث أعلى درجة من الحديث الذي قال فيه الترمذي "صحيح" فقط . وقد استدرك على أصحاب هذا الرأي بقول الترمذي في حكمه على بعض الأحاديث بقوله (حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) فالحديث هنا ليس له إلا سند واحد فقط ومع ذلك وصفه الترمذي بالحسن والصحة معا . ومن أمثلته حكم الترمذي على حديث إخبار الذئب للراعي ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : "وهذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل" . ولكن الشيخ عبد الرحمن الفقيه جزاه الله خيرا يؤكد على أن قول الترمذي : "وهذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه" ، لا يعني عدم ورود الحديث من طرق أخرى ولكنه يعني أنه لا يعرفه من طريق صحيح إلا من هذا الطريق ، فقد يفهم البعض عندما يجد طريقا آخر غير ما ذكره هذا الإمام أن هذا قد فاته ، ويستدرك عليه ، وقد نبه الحافظ ابن حجر على هذه المسألة في النكت على ابن الصلاح وبين مقصود الأئمة بذلك: قال الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح(2/721-723) : ولما أخرج الترمذي حديث ابن جريج المبدأ بذكره في (( كتاب الدعوات )) من جامعه عن أبي عبيدة بن أبي السفر ، عن حجاج قال : هذا حديث حسن [صحيح] غريب لا نعرفه من حديث سهيل إلا من هذا الوجه انتهى .وهو متعقب أيضاً وقد عرفناه من حديث سهيل من غير هذا الوجه فرويناه في الخلعيات مخرجاً من أفراد الدار قطني من طريق الواقدي ثنا عاصم ابن عمر وسليمان بن بلال كلاهما عن سهيل به . ورويناه في كتاب الذكر لجعفر الفرباني قال : ثنا هشام بن عمار . ثنا إسماعيل بن عياش . ثنا سهيل به. ورويناه في (( الدعاء )) للطبراني من طريق ابن وهب قال : حدثني محمد بن أبي حميد عن سهيل . فهؤلاء أربعة رووه عن سهيل من غير هذا الوجه الذي أخرجه الترمذي . فلعله إنما نفى أن يكون يعرفه من طريق قوية ، لأن الطرق المذكورة لا يخلو واحد منها من مقال . أما الأولى : فالواقدي متروك الحديث . وأما الثانية : فإسماعيل بن عياش مضعف في غير روايته عن الشاميين . ولو صرح بالتحديث . وأما الثالثة : فمحمد بن أبي حميد وإن كان مدنياً ، لكنه ضعيف أيضاً وقد سبق الترمذي أبو حاتم إلى ما حكم به من تفرد تلك الطريق عن سهيل ، فقال : فيما حكاه ابنه عنه في العلل : (( لا أعلم روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من طريق أبي هريرة رضي الله عنه . قال : وأما رواية إسماعيل بن عياش ، فما أدري ما هي ؟ إنما روى عنه إسماعيل أحاديث يسيرة )) . فكأن أبا حاتم استبعد أن يكون إسماعيل حدث به ، لأن هشام بن عمار تغير في آخر عمره ، فلعله رأى أن هذا مما خلط فيه ، ولكن أورد ابن أبي حاتم على إطلاق أبيه طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة التي قدمناها ، ثم اعتذر عنه بقوله : كأنه لم يصحح رواية عبد الرحمن بن أبي عمرو عن المقبري (فكأن الطريق المعلولة لا تأخذ في الإعتبار) وهذا يدلك على أنهم قد يطلقون النفي ، ويقصدون به نفي الطرق الصحيحة ، فلا ينبغي أن يورد على إطلاقهم مع ذلك الطرق الضعيفة والله الموفق . انتهى . ويشير الشيخ عبد الله السعد حفظه الله إلى أن مصطلح "حسن صحيح" يعني أن هذا الحديث دون الصحيح وإن كان ثابتا عنده وساق الشيخ حفظه الله مثالا لهذا وهو حديث محمد بن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة وقال عنه حسن صحيح ثم ساقه من طريق ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة وقال عنه : هذا حديث صحيح وهو أصح من الأول . وقد نبه الشيخ حمزة المليباري في الموازنة ( ص 118-122 ) على أن البعض قد يستدرك على الحفاظ إذا قالوا لايعرف من هذا الوجه بطرق غريبة متأخرة عن زمن هذا الإمام وذكر أمثلة لذلك . ومن الأمثلة التي استخدم فيها الترمذي هذا المصطلح مع ورود الحديث من طرق أخرى حديث زكاة الفطر وزيادة مالك : "من المسلمين" حيث قال الترمذي في آخر العلل : ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث . وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه مثل ما روى مالك بن أنس_ فذكر الحديث_ثم قال : وزاد مالك في هذا الحديث "من المسلمين" ، وروى أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر ولم يذكروا فيه "من المسلمين" . وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه . انتهى كلام الترمذي ومن هذه المتابعات ما رواه مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع وما رواه البخاري وأبو داود والنسائي من طريق عمر بن نافع عن أبيه . وقال العراقي في شرحه على المقدمة مدافعا عن الترمذي ، بأنه لم يذكر التفرد مطلقا عن مالك ، وإنما قيده بتفرد الحافظ كمالك "فهناك متابعات لمالك ولكنها ليست لحفاظ كمالك ". ويرد على هذا الرأي أيضا ، حكم الترمذي رحمه الله على بعض أحاديث جامعه بقوله : هذا حديث حسن صحيح غريب ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك : § حديث : (إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي) ، حيث حكم عليه الترمذي بقوله : هذا حديث حسن صحيح غريب . § حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي يده كتابان ، فقال : هل تدرون ما هذان الكتابان ؟ ، قال : قلنا : لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله . قال للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين تبارك وتعالى بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل عليهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص أبدا . ثم قال للذي في يساره : هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص أبدا ، الحديث . حيث حكم عليه الترمذي بنفس الحكم السابق . § حديث : (اللهم اهد ثقيفا) ، حيث حكم عليه أيضا بنفس الحكم . فقد وصف الترمذي رحمه الله هذه الأحاديث بالحسن والصحة معا ، ومع ذلك حكى رحمه الله التفرد بقوله : غريب ، ولكن ، قد يرد على هذا ، أن الترمذي رحمه الله لم يحكم بالغرابة المطلقة ، فلم يقل : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، فلعل الغرابة هنا نسبية ، لا تمنع ورود الحديث من طريق آخر ، والله أعلم .

¨ أنه حسن متنا وصحيح إسنادا ، وهو رأي ابن الصلاح ، واستدرك على هذا القول بأن حسن المتن غير معتبر في الحكم على الأحاديث وقد أورد الترمذي أحاديث في الوعيد والحدود ونحو هذا وحكم عليها بالحسن والصحة ولكن يمكن الرد على هذا الإعتراض بأن حسن المتن لا يلزم منه أن يكون من الحديث من أحاديث الوعد فحسن البيان يشمل كل أنواع الحديث ، وممن انتقد هذا التعريف ، الحافظ ابن دقيق العيد في الإقتراح ، حيث قال بأنه يلزم من هذا ، أن يوصف الحديث الضعيف بل والموضوع بالحسن ، إذا كانت ألفاظه جزلة ، وقد رد الحافظ العراقي على ابن دقيق العيد ، بقوله بأن هذا المعنى ، الذي ذكره ابن الصلاح ، قد وجد في كلام بعض أهل العلم ، وممن أكثر من استخدامه ، الحافظ ابن عبد البر ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك : § حديث معاذ : (تعلموا العلم فإن تعلمه …) ، حيث أورده ابن عبد البر في جامع بيان العلم ، وقال عنه : هذا حديث حسن جدا ، رغم أنه موضوع ، فابن عبد البر ، لم يقصد هنا الحسن الإصطلاحي ، وإنما عنى حسن اللفظ . § روى ابن عبد البر في التمهيد ، حديثا عن مالك ، من طريق بعض الضعفاء ، في فضل لا إله إلا الله ، ورغم أن الحديث مردود من الناحية الإسنادية ، إلا أن ابن عبد البر قال عنه : هذا حديث حسن جدا ، ترجى بركته . ¨ أن لفظ الحسن يعني العمل بالحديث ولفظ الصحة يعني الصحة بمعناها الاصطلاحي . وممن تبنى هذا الرأي الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة حيث قال : والذي يظهر أن الحسن في نظر الترمذي أعم من الصحيح ، فيجامعه وينفرد عنه ، وأنه في معنى المقبول المعمول به ، الذي يقول مالك في مثله : (وعليه العمل ببلدنا) وما كان صحيحا ولم يعمل به لسبب من الأسباب يسميه الترمذي "صحيحا" فقط وهو مثل ما يرويه مالك في موطئه ويقول عقبه : "وليس عليه العمل" . وكأن غرض الترمذي أن يجمع في كتابه بين الأحاديث وما أيدها من عمل القرون الفاضلة من الصحابة ومن بعدهم . فيسمي هذه الأحاديث المؤيدة بالعمل حسانا ، سواء صحت أو نزلت عن درجة الصحة ، وما لم تتأيد بعمل لا يصفها بالحسن وإن صحت . ويؤيد هذا الرأي قول الترمذي في حديث علي رضي الله عنه : (من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا وأن يأكل شيئا قبل أن يخرج) : حديث حسن والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشيا وأن يأكل شيئا قبل أن يخرج . ولكن هذه القاعدة غير مطردة في صنيع الترمذي فقد حكم على حديث الترجيع بأنه صحيح عليه العمل بمكة ولم يعبر عن التأييد بالعمل بلفظ "حسن" . ¨ أنه متردد بين الحسن والصحة فهو صحيح عند قوم حسن عند آخرين ، وهذا رأي الحافظ ابن كثير ، وعلى هذا يكون الحديث أعلى من الحسن وأدنى من الصحيح ، ولعل مما يؤيد هذا الرأي المثال الذي ساقه الشيخ السعد حفظه الله تأييدا لهذا الرأي ، وهو حديث محمد بن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة وقال عنه حسن صحيح ثم ساقه من طريق ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة وقال عنه : هذا حديث صحيح وهو أصح من الأول . وقد ذكر الحافظ هذا الرأي في شرح النخبة وقال بأن أداة التردد (أو) حذفت فالمقصود (حسن أو صحيح) وقد استدرك على أصحاب هذا الرأي من ثلاثة أوجه : × أن الترمذي يحكم على معظم الأحاديث التي يصححها بقوله (حسن صحيح) وقل ما يحكم على حديث بالصحة فقط . ولا يعقل أن الترمذي تردد في الحكم على معظم الأحاديث التي أوردها في جامعه . × أن الترمذي حكم على أحاديث في أعلى مراتب الصحة بل ووردت في الصحيحين بقوله "حسن صحيح" فلا يعقل أنه تردد في تصحيح هذه الأحاديث . × وقد علق الحافظ ابن حجر على هذا بقوله ، إن هذا التردد في الحكم على الحديث بالحسن أو الصحة ، يقتضي إيجاد نوع ثالث ، هو وسط بين الصحيح والحسن ، وهذا غير واقع في كلام أهل العلم .
¨ نبه الشيخ طارق عوض الله حفظه الله ، إلى أن بعض المحدثين ، قد يطلقون وصف الحسن على معنى خاص في السند أو المتن ، لا علاقة له بالحكم على الحديث من ناحية القبول أو الرد ، فيكون هذا كقول القائل : هذا حديث صحيح موقوف ، فالوقف لا علاقة له بقبول الحديث أو رده ، وإنما هو حكاية صفة من صفات المتن ، وهي وقفه . ¨ أن هذا الحديث حسن وزيادة ، فكأن الترمذي يقول : هذا حديث حسن بل صحيح ، فكل صحيح حسن ، ولا عكس ، لأن من أحرز المرتبة العليا ، فقد أحرز بلا شك المرتبة الدنيا ، ولا عكس ، وهذا رأي الحافظ ابن دقيق العيد . ¨ وقد جمع الحافظ ، بين رأي من قال بتعدد الأسانيد ، ورأي من قال بالتردد في الحكم على الحديث ، فقال ، بأن الحديث الذي يحكم عليه الترمذي ، بأنه حسن صحيح ، إما : § أن يكون له إسناد واحد ، ففي هذه الحالة ، يحمل قول الترمذي على التردد في الحكم على الحديث ، فيكون الحديث حسنا أو صحيحا ، فكأن الترمذي يحكي في هذه الحالة اختلاف الأئمة في حال راوي هذا الحديث ، فمن وثق هذا الراوي ، سيحكم على الحديث بأنه صحيح ، ومن حكم عليه بأن صدوق ، أو ما إلى ذلك ، من أوصاف راوي الحسن ، التي تشعر بخفة الضبط مع تمام العدالة ، سيحكم على حديثه بالحسن . § وإما أن يكون له أكثر من إسناد ، فيكون هذا الحديث حسنا باعتبار إسناد ، صحيحا باعتبار إسناد آخر . وهذا رأي الحافظ في النزهة ، ولم يأخذ به في النكت ، وإنما أخذ برأي ابن دقيق العيد السابق ذكره .
وهناك عدة ردود على رأي الحافظ ، من أبرزها : § أن الترمذي مجتهد وليس ناقلا لأحكام من سبقه من أهل العلم ، فإذا قلنا بأن الترمذي ينقل خلاف من سبقه في حال راوي الحديث ، فهذا يعني أن الترمذي ، قد خرج أحاديث مختلف في حال رواة معظمها ، ولم يحكم على أحاديث كتابه كناقد مجتهد ، وهذا خلاف الواقع . § أنه حكم على أحاديث رواتها في أعلى درجات التوثيق ، بقوله : حسن صحيح ، كبعض أحاديث سلسلة مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ، فأي خلاف في حال رواة هذه السلسلة يحكيه الترمذي ، وقد أجمع الأئمة على توثيقهم ؟ . § ويرد سؤال مهم في هذا الموضع ، وهو : هل اختلف العلماء في حال رواة الأحاديث التي لها سند واحد فقط ، حتى يقال بأن قول الترمذي هو حكاية لخلافهم في التحسين أو التصحيح ؟ والجواب ، بطبيعة الحال : لأن الواقع يظهر خلافهم في رواة أحاديث لها أكثر من إسناد . § والناظر إلى صنيع الترمذي ، يجده يحكي الخلاف صريحا ، إذا ما وجد ، فيذكر أقوال أهل العلم في الراوي المختلف فيه ، ثم يرجح بينها كإمام مجتهد في أحكامه ، فلم يلجأ إلى هذه الطريقة الغامضة في حكاية الخلاف ؟ . § ويرد سؤال آخر ، وهو هل الخلاف ينحصر بين الحسن والصحة فقط ، أم أنه يشمل الخلاف بين الصحة والضعف ، والحسن والضعف ، فلم لم يقل الترمذي : حسن ضعيف ، أو صحيح ضعيف ؟ . § ثم كيف يحمل قول الترمذي : حسن صحيح ، على أن بعض أسانيد الحديث حسنة والأخرى صحيحة ، وهو قد اشترط في الحسن الذي يورده في كتابه أن يكون له أكثر من سند ، فالحسن عنده مجموع روايات ، وكل رواية منها على حدة لا تستحق أن توصف بالحسن ناهيك عن الصحة ؟ .
¨ وهناك جواب آخر ، نبه الشيخ طارق حفظه الله ، إلى أن البعض نظمه وأدخله في ألفية السيوطي ، وقد جعله الشيخ أحمد شاكر من أصل الألفية وهو : § أن الترمذي يعني أن هذا الحديث حسن لذاته صحيح لغيره . § أو أنه حسن ، وفي نفس الوقت هو أصح ما في هذا الباب ، فأصح هنا بمعنى أقوى وأفضل ، ولا يفهم منها الصحة الإصطلاحية . o ويرد على الرأي الأول ، ما يرد على من قال بتعدد الأسانيد ، فكيف إن كان للحديث إسناد واحد فقط ؟ . o ويرد على الرأي الثاني ، بأن الترمذي ، يشير إلى أصح ما في الباب صراحة ، بل وله اصطلاح خاص في هذه الحالة ، حيث يقول : وهذا أصح ما في الباب ، فما الذي يلجئه لهذا الأسلوب الغامض في الإشارة إلى أصح ما في الباب ؟ .
وجدير بالذكر أن الشيخ طارق حفظه الله ، قد رد على القول القائل بأن الأبيات التي تذكر هذا القول هي من أصل الألفية بردين ، وهما : § أن السيوطي لم يذكر هذا الجواب في التدريب عن أحد ، ولم ينسبه لنفسه . § أن الشيخ عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أجاب بهذا الجواب في تحفة الأحوذي شرح الترمذي ، ونسبه لنفسه ، ولو كان رأي السيوطي ، لنسبه إليه . ¨ ثم تطرق الشيخ طارق حفظه الله ، إلى رأي الحافظ ابن رجب ، الذي ذكره في شرح علل الترمذي ، ووصفه الشيخ حفظه الله ، بأنه من أفضل الآراء ، لأن الحافظ ابن رجب ، بنى جوابه على اصطلاح الترمذي في الحسن ، وهو : (ألا يكون راويه متهما بالكذب وألا يكون شاذا وأن يرد من أكثر من وجه) ، فالحسن عند الترمذي ، هو مجموع روايات ، كما سبق ذكر ذلك ، وليس رواية بعينها ، كما ذهب إلى ذلك من قال بأن معنى : حسن صحيح ، أنه ورد بإسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن ، بل إن تعريف الحسن عند الترمذي ، هو الذي اعتمده ابن الصلاح ، في تعريف الحسن لغيره ، الذي يشترط له أن يرد من أكثر من وجه . ومهد الشيخ طارق بن عوض الله حفظه الله إلى رأي الحافظ ابن رجب رحمه الله ببعض المقدمات ، من أبرزها : § أن مقتضى كلام ابن رجب ، أن هذا الوصف يعبر عن معنى يمكن أن يجتمع مع الحكم بالصحة أو الحسن الإصطلاحيان بلا إشكال . § أن الحسن ليس حكما عند الترمذي ، بل هو وصف لمعنى معين في سند الحديث أو متنه ، كما تقدم ذكر ذلك ، وعلى هذا يصح أن يقال عن حديث ضعيف من الناحية الإصطلاحية ، على سبيل المثال ، بأنه حسن ، وهذا ما أكد عليه الشيخ السعد حفظه الله ، عندما قال بأن الترمذي رحمه الله ، قد يطلق وصف (ولا نقول حكم) الحسن على الحديث الضعيف ، وذكر أمثلة على ذلك سبق ذكرها في موضعها ولله الحمد . وقبل الشروع في ذكر رأي الحافظ ابن رجب رحمه الله ، لابد من التعليق على تعريف الترمذي رحمه الله للحديث الحسن ، وقد سبق ذكره ، وسبق أنه اشترط له 3 شروط ، وهي : أولا : أن يكون الراوي ليس متهما بالكذب : وهنا يبرز سؤال مهم ، هل يعني هذا الشرط ، أنه لابد أن يكون هذا الراوي ضعيفا ، ولكن ضعفه محتمل ، لا يصل إلى حد اتهامه بالكذب ، وهذا ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله ، أم أن هذا الوصف يشمل كل من لم يتهم بالكذب ، سواءا كان ثقة أو صدوقا أو ضعيفا ضعفا محتملا ، وهذا ما ذهب إليه الحافظ ابن رجب رحمه الله ، وبنى عليه تفسيره لقول الترمذي رحمه الله : حسن صحيح ، كما سيأتي إن شاء الله . ثانيا : ألا يكون شاذا : بمعنى ألا يكون مخالفا للحديث الصحيح ، كما قرر ذلك ابن تيمية وابن رجب ، وهذا يعني أن الحديث المخالف للصحيح المتقرر ، لا يستحق أن يكون حسنا عند الترمذي ، حتى لو كان راويه ثقة أو صدوقا ، لأنه يعد حينئذ من جملة أخطاء ذلك الراوي . ثالثا : أن يروى من غير وجه : ذهب الجمهور أنه لا يشترط أن يكون ذلك الوجه مرفوعا ، بل قد يكون موقوفا أو مقطوعا ، ولعل هذا يشبه إلى حد كبير ، تقوية الشافعي رحمه الله للمرسل بالموقوف ، أو بإجماع أهل العلم على العمل به ، ويظهر أيضا في كلام أحمد رحمه الله ، بينما قالت قلة قليلة ، بأنه لابد أن يكون مرفوعا ، وهذا ما عليه المتأخرون ، ولا شك أن ظاهر صنيع الترمذي في جامعه يؤيد الرأي الأول ، حتى أن الحافظ رحمه الله ، ذكر النكت أن الحديث الضعيف يتقوى بالإجماع ، ولكن يشترط ألا يكون ذلك الوجه المقوي شاذا ، كما سبق التنبيه إلى ذلك ، فلو كان شاذا ، كأن يكون جمهور الصحابة على خلافه ، فحينئذ لا يعتد به ، فالشاذ من القول لا يقوي الشاذ من الرواية ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك : § حديث أبي داود رحمه الله ، أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه ، فهذا الحديث أنكره أحمد رحمه الله انكارا شديدا ، بل وصل الأمر إلى أنه ضعف محمد بن إسحاق رحمه الله ، بسبب هذا الحديث ، وقد جاءت أحاديث أخرى ، تدل على أنه صلى الله عليه وسلم صلى على إبراهيم رضي الله عنه ، وعلى الطفل عموما ، وهي أحاديث مرسلة ، ورغم ذلك قدمها الخطابي رحمه الله في معالم السنن ، على حديث ابن إسحاق رحمه الله ، رغم أنه مسند ، وذكر ابن عبد البر رحمه الله ، في ترجمة إبراهيم رضي الله عنه في الإستيعاب ، أن الصلاة على الطفل أمر أجمع عليه جمهور الصحابة رضي الله عنهم ، ولم يخالف إلا سمرة بن جندب رضي الله عنه ، فقوله شاذ لا يصلح لتقوية حديث ابن إسحاق المسند الضعيف . § حديث النهي عن الإعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ، فهو حديث ضعيف اختلف في رفعه ووقفه ، ووقع في بعض روايات الحديث عند سعيد بن منصور رحمه الله لفظ : لاإعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ، أو قال : مسجد جماعة ، هكذا على الشك ، وهذا مما يؤيد عدم الإحتجاج به ، وهناك قول لحذيفة رضي الله عنه وبعض التابعين يؤيد عدم الإعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ، ولكنه قول شاذ ضعيف لا يصلح لتقوية هذا الحديث الضعيف . وينبه الشيخ طارق بن عوض الله حفظه الله ، في شرحه لألفية السيوطي رحمه الله ، أن قول الترمذي : حسن صحيح ، يعني به معنيين مختلفين ، وإلا لكان التكرار حشوا من القول ، والملاحظ أن الترمذي رحمه الله ، لم يشرح مصطلح الصحيح ، وهذا يعني أنه يوافق من سبقه ومن عاصره في تعريفه ، والسؤال : هل يمكن تنزيل الحسن عند الترمذي رحمه الله على تلك المواضع التي جمع فيها الترمذي بين وصفي الصحة والحسن ، لأن الأصل أن نفهم مصطلح الإمام من كلامه ، لا من إفتراضات نفترضها ، قد تكون صحيحة أو خاطئة . والجواب أنه يمكن ذلك ، إذا نظرنا ، كما سبق إلى شرط الترمذي الأول في الحسن عنده ، حيث اشترط ألا يكون راويه متهما بالكذب ، وعليه يدخل في هذا الحد كما سبق ، الثقة والصدوق والضعيف ضعفا محتملا ، ولذا فإن إطلاق وصف حسن صحيح لا إشكال فيه ، لأن الحديث قد يرويه الثقة ، فيستحق وصف الصحة عند الترمذي رحمه الله وغيره ، فإذا أضيف إلى ذلك ، وروده من غير وجه ، وسلامته من الشذوذ ، فإنه يستحق وصف الحسن عند الترمذي فقط ، وهذه خلاصة كلام ابن رجب رحمه الله ، ويفهم من هذا أن الصحيح الفرد أو الغريب ، الذي لم يأت من غير وجه ، لايكون حسنا عند الترمذي ، وإنما يكون صحيحا فقط ، وأما على تعريف الحافظ رحمه الله ، فلا يصفو هذا الأمر ، لأنه قال بأن شرط الترمذي الأول ، يقتصر فقط على الضعيف ضعفا محتملا ، ولا يشمل راوي الصحيح أو الحسن لذاته . وعلى هذا التعريف ، يكون : حسن صحيح ، أعلى من صحيح فقط ، لتعدد طرق الأول ، خلاف الثاني ، الذي لم يرد إلا من وجه واحد ، رغم اجتماع شروط الصحة فيه ، ومن تأمل صنيع الترمذي رحمه الله ، يجده يحكم على أحاديث في أعلى مراتب الصحة ، بقوله : حسن صحيح ، بل إن كثيرا منها مخرج في الصحيحين ، وإن كان الترمذي يخطيء أحيانا ، ولكن هذا راجع لخطأ إجتهاده ، لا لمخالفته لشرطه . وينبه الشيخ طارق عوض الله حفظه الله ، إلى أن الشذوذ وصف للرواية ، وأما الضعف فهو وصف للراوي ، فقد يروي الثقة حديثا يخطيء فيه ، فيكون شاذا ، وقد يروي الضعيف ضعفا محتملا حديثا يصيب فيه ، فيكون صحيحا سالما من الشذوذ ، والترمذي رحمه الله يحسن هذا الضرب من الحديث ، إذا روي من غير وجه ، ولكن هل يصح إطلاق وصف الصحيح على هذا الحديث ؟ الجواب بالطبع لا ، لأنه لا يرتقي لمرتبة الصحة ، وظاهر صنيع الترمذي رحمه الله يؤيد هذا ، لأنه يطلق على هذا الضرب لفظ : حسن (فقط) ، وهذا مما يؤيد رأي الحافظ ابن رجب رحمه الله . وينبه الشيخ طارق حفظه الله إلى أن وصف الترمذي رحمه الله للحديث بالحسن ، لا يزاحم وصف الصحة ، لأنه ، كما سبق لم يقصد به الحسن الإصطلاحي ، وإنما قصد معنى خاص في الرواية ، كما سبق ذكر ذلك ، فهو كقولك فلان طويل أبيض ، فلا تعارض بين هذين الوصفين ، خلاف قولك ، فلان طويل قصير ، فهذا غير جائز لتعارض الوصفين ، وكقولك هذا حديث صحيح موقوف ، فلا تعارض بين الصحة والوقف ، خلاف قولك هذا حديث صحيح ضعيف ، فهذا غير جائز لتعارض وصفي الصحة والضعف فيستحيل اجتماعهما ، وكقولك : هذا حديث حسن موضوع ، فلا إشكال إذا أردت بالحسن ، الحسن اللفظي ، وبالوضع ، الحكم على الحديث ، خلاف ما إذا قصد القائل بكلا اللفظين الحكم على الحديث من جهة الثبوت ، فهذا ممتنع ، فلا إشكال في إطلاق وصف : حسن صحيح ، على هذا الوجه ، وإنما الإشكال يقع إذا وصف الحديث بالصحة والحسن من جهة واحدة ، وهي الثبوت ، فهذا ممتنع . ويميل الشيخ طارق حفظه الله ، إلى أن الترمذي يقصد بالحسن ، معنى وجد في الحديث ، ألا وهو العمل به ، كما سبق ذكر ذلك ، من كلام الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة رحمه الله ، وقد وجد هذا المعنى في كلام بعض العلماء ، كأحمد رحمه الله ، الذي يقول أحيانا : ضعيف وعليه العمل ، بل إن الترمذي رحمه الله نص على ذلك في كتاب العلل في آخر جامعه ، فقال : وأحاديث هذا الكتاب كلها معمول بها . وعليه فالصحيح ينقسم إلى قسمين : صحيح معمول به ، وصحيح غير معمول به ، وهو المنسوخ ، كحديث أبي رضي الله : كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ، ثم أمر بالغسل ، فهذا الحديث لا يكون حسنا عند الترمذي ، لأنه غير معمول به . وينبه الشيخ طارق حفظه الله ، إلى مسألة مهمة جدا ، متعلقة بحديث : إنما الأعمال بالنيات … ، فهو حديث غريب غرابة مطلقة ، من جهة لفظه ، لأنه لم يصح إلا من طريق عمر رضي الله عنه ، وأما من جهة معناه ، فهو ليس غريبا ، بل يصل إلى حد التواتر المعنوي ، لكثرة شواهده . مسألة : الراوي الضعيف ضعفا غير محتمل ، لايعتبر بحديثه ، وإن لم يكن متهما ، وعليه فهذا الضرب من الرواة ، لا يحسن حديثهم عند الترمذي أو غيره ، وقد أكد العلماء على ذلك ، لأن بعض أهل البدع ، قصروا عدم الإعتبار على المتهم فقط ، ولم يلتفتوا لضعف الحفظ ، وإن كان فاحشا . ¨ وجدير بالذكر أن هناك من قال بأن الترمذي يقصد بهذا المصطلح الحكم على الحديث بالصحة وأن زيادة لفظ حسن من باب التأكيد على صحة هذا الحديث . ولا بد من أمثلة تبين المراد : المثال الأول : يقول الإمام البخاري : (( وحديث أنس في هذا الباب ـ أي في حد السكران ـ حسن )) ، بينما قال فيه الإمام الترمذي : (( حديث أنس حسن صحيح )) . وحديث أنس هذا متفق على صحته ، فقد أخرجه البخاري ومسلم من طريق شعبة وهشام عن قتادة عن أنس (وهما أثبت الناس في قتادة بالإضافة إلى سعيد بن أبي عروبة) ، والرواة عن شعبة وهشام كلهم ثقات أجلاء ، بل هو أصح حديث عند مسلم إذ صدر به موضوع الباب ، فالحديث في أعلى درجات الصحة ، فوصف الحديث بالحسن والصحة معا ، إنما هو من قبيل التأكيد على صحة الحديث . المثال الثاني : ويقول الترمذي : سألت محمداً ، فقلت : أي الروايات في صلاة الخوف أصح ، فقال : كل الروايات عندي صحيح ، وكل يستعمل ، وحديث سهل بن أبي حثمة هو حديث حسن وحديث عبدالله بن شقيق عن أبي هريرة حسن وحديث عروة بن الزبير عن أبي هريرة حسن . فأطلق الإمام البخاري على الحديث الذي صح عنده صحيحاً كما أطلق عليه الحسن حين فصل تلك الروايات ، ومنها ما رواه مسلم في صحيحه ، وهو حديث سهل بن أبي حثمة ، بل صححه الترمذي وقال : (( حسن صحيح )) وكذا عبدالله بن شقيق قال الترمذي فيه (( حسن صحيح غريب من عبدالله بن شقيق )) وعبدالله بن شقيق ثقة ، وأما حديث عروة عن أبي هريرة رواه النسائي . ويقول د/ حمزة المليباري حفظه الله : فإذا ثبت أن الحسن عند المتقدمين عام وشامل بحيث يطلق على الحديث الصحيح ، والحديث المقبول فإن إطلاقهم جمعاً بين لفظي الحسن والصحيح لم يكن إلا لإفادة التأكيد لمعنى القبول والاحتجاج ، وليس فيه ما يثير الإشكالية لا لغوياً ولا فنياً ، إلا على منهج المتأخرين الذي يقضي بانفصالهما كنوعين مستقلين لا يصح الجمع بينهما وهذا ما أيده د/ عادل عبد الغفور حفظه الله في تفسير مصطلح الترمذي "حسن صحيح" . وهذا ما يؤكد ضرورة دراسة منهج المتقدمين دراسة دقيقة دون الاعتماد على اتحاد الألفاظ بين المتقدمين والمتأخرين ومن أهم الأمثلة على هذا الأمر ما ذكره د/ ماهر ياسين الفحل حفظه الله عن الدلالة المعنوية للفظ الصدوق عند المتقدمين والمتأخرين بقوله في بحثه فرائد الفوائد : الدلالة المعنوية للصدق تختلف ما بين المتقدمين والمتأخرين ، فعلى حين كان ذا دلالة راجعة إلى العدالة فقط في مفهوم المتقدمين ، ولا تشمل الحفظ بحال من الأحوال ؛ لذا كان أبو حاتم الرازي كثيراً ما يقول : ضعيف الحديث ، أو : مضطرب الحديث ومحله عندي الصدق . فقد أصبح ذا دلالة تكاد تختص بالضبط عند المتأخرين ، ولذا جعلوا لفظة صدوق من بين ألفاظ التعديل .
ومن الجدير بالذكر أن الإمام الترمذي حين يحكي عن بعض النقاد تصحيحه كان يقول : "قال فلان هذا حديث حسن صحيح " أو "هذا أحسن وأصح" ، دون أن يلفظ ذلك الناقد بهذه الكلمة . ومن أهم الأمثلة على ذلك : ¨ حكى الإمام الترمذي عن الإمامين : أحمد والبخاري تصحيحهما حديث المستحاضة الذي روته حمنة بنت جحش : بقوله : "حسن صحيح" . دون أن يرد هذا اللفظ عنهما (سنن الترمذي ، أبواب الطهارة ، باب ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد 1/226) . وأما لفظهما فكما ورد في علل الترمذي : " قال محمد (يعني البخاري) : حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن ، إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم ، لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا ، وكان أحمد بن حنبل يقول : "هو حديث صحيح" . (العلل الكبير ص58 ، تحقيق السامرائي ، ط1 ، 1409هـ ، عالم الكتب ، وسنن البيهقي 1/339) . وفي أثناء المقارنة بين السياقين يبدو واضحاً أن ما تضمنه السياق الثاني هو لفظ البخاري وأحمد ، بخلاف ما ورد في السياق الأول ، فإنه ورد مختصراً ، اختصره الترمذي بأسلوبه المعروف في التعبير في التصحيح .
¨ ومثال آخر : يحكي فيه الترمذي عن البخاري تصحيح حديث "البحر هو الطهور ماؤه" : بقوله : "حسن صحيح" . (شرح العلل 1/ 342) . وفي الوقت ذاته قال الترمذي : سألت محمداً عن حديث مالك عن صفوان بن سليم في حدث "البحر هو الطهور ماؤه" فقال : "هو حديث صحيح" (العلل الكبير للترمذي ص41 ، وكذا في التمهيد لابن عبد البر 16/218). وقال الحافظ ابن حجر في هذا الحديث : "صحح البخاري – فيما حكاه عنه الترمذي في العلل المفرد – حديثه ، وكذا صححه ابن خزيمة وابن حبان وغير واحد" (التهذيب 4/42) . وهذا كله يدل على توسعهم في إطلاق الألفاظ والمصطلحات ، وأن الترمذي يقصد بقوله حسن صحيح ما يقصده غيره بقوله : صحيح" لا غير . والله أعلم .

6. غريب : وهذا المصطلح يذكره الترمذي في الحكم على الأحاديث الضعيفة وقد يطلق ألفاظا أخرى للحكم على الحديث بما يدل على ضعفه مثل قوله : (اسناده ليس بذاك القائم) . ومن الأمثلة التي استخدم فيها الترمذي لفظ الغريب ، حديث الدعاء عند أذان المغرب : (اللهم هذا إقبال ليلك ، وإدبار نهارك ……الحديث) حيث أخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي كثير مولى أم سلمة عنها ، وقال الترمذي : (حديث غريب ، وأبو كثير لا نعرفه) .
وختاما فإن جامع الترمذي من مظنات الحسن ولكن ينبغي التنبه إلى أن نسخه تختلف في قوله "حسن صحيح" ونحوه فعلى طالب الحديث العناية باختيار النسخة المحققة والمقابلة على أصول معتمدة . ومن أمثلة هذا الاختلاف : حديث عمران بن حصين الضعيف الشاذ في تشهد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد سجدتي السهو فقد قال عنه الترمذي : "حديث حسن غريب" وفي بعض النسخ زيادة : "صحيح" . (القول المبين في أخطاء المصلين ص146 الشيخ مشهور حسن سلمان) . وفي نهاية الكلام على جامع الترمذي ، لابد من التنبيه على إيراد الترمذي لبعض المنكرات والموضوعات وخاصة في الفضائل ، وهو ما أكد عليه الحافظ الذهبي في ترجمة الترمذي في سير أعلام النبلاء ، فقال : (في الجامع علم نافع وفوائد غزيرة ورؤوس مسائل وهو أحد رؤوس الإسلام لولا ما كدره بأحاديث واهية بعضها موضوع وكثير منها في الفضائل) ، وأكد في موضع آخر على أن درجة الجامع تنحط عن درجة سنن النسائي وأبي داود لأن الترمذي خرج لبعض الهلكى كمحمد بن السائب الكلبي ومحمد بن سعيد المصلوب ، ورغم هذا يبقى جامع الترمذي رحمه الله من أجل كتب السنة ، وقد كان أبوالحسن المقدسي ينصح طلبة العلم بالبدء به قبل البخاري ومسلم لسهولته .
الثلاثيات في جامع الترمذي : في جامع الترمذي حديث ثلاثي واحد ، وهو ما أخرجه من طريق اسماعيل بن موسى الفزاري عن عمر بن شاكر عن أنس رضي الله عنه مرفوعا : يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر ، وقد أشار الشيخ الحميد حفظه الله إلى أن هذا الحديث لا يصح ، وعلته عمر بن شاكر ، ونبه حفظه الله ، إلى نزول أسانيد الترمذي ، وربما كان ذلك لتأخره في طلب العلم .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.