الشجرة المباركة من خلال يقين القرآن وبحوث العلماء
The olive tree and the scientific research with islamic addition
.
مقدمة
ما خلق الله سبحانه وتعالى الكون إلا لحكمة يعلمها، ولغاية بريدها، وقد خلق كل شيء بتدقيق وحساب كما يقول سبحانه في سورة القمر "إنا كل شيء خلقناه بقدر" ولم يأت القرآن مخالفا للسنن الكونية، بل كل السنن الشرعية توافق قوانين السنن الكونية. ولم ينزل القرآن ليهلك الناس وإنما رحمة من الله كما يقول العزيز جل جلاله في سورة طه "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى" فلا يمكن أن يشقى الناس بالقرآن، ولبيان ذلك ارتأينا في بحثنا هذا أن نتناول موضوع التغذية في القرآن الكريم، واخترنا لذلك مادة غذائية جعلها الله غذاء ودواء ووقى بها أجسامنا من الأمراض العديدة. فلا يجب أن نفعل مثل ما فعل بنو اسرائيل مع المن والسلوى، ونستبدل هذه المادة بمواد أخرى فنشقى في أبداننا بالأمراض وفي أموالنا بشراء الأدوية الكيماوية لعلاجها. سنتكلم بعون الله عن زيت الزيتون وعن هذه الشجرة المباركة ونقف عند المزايا التي تبينت علميا في ميدان التغذية والطب الوقائي. لكن تبقى هناك حقائق لن تقدر العلوم على تبيانها، فهل ننتظر العلوم أم نرجح حقائق القرآن ؟.
ولعل أهم ما تناوله القرآن بالنسبة لموضوع الصحة هو الطب الغذائي، وكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن نتبع هذا الطب لنتجنب كل ما سقطت فيه البشرية حاليا. فالأمراض الناتجة عن التغذية أخطر بكثير من الأمراض الناتجة عن الجراثيم. وهناك مجال شاسع في القرآن الكريم يخص الطب الغذائي، والذي يصعب تناوله في الوقت الحاضر بعدما تعود الناس على استهلاك ونمط معين، وليس هناك حل دون الرجوع إلى الطب الغذائي، ولو أن الأمر أصبح مستحيلا نظرا لعدم وجود أصحاب التخصص، لأن الطب الغذائي يتطلب علم التغذية، وهذا الأخير يتطلب دراسة الأغذية قبل التغذية. وسنرى في هذا البحث ما مدى خطورة الأخطاء الناتجة عن عدم التخصص. فعلم التغذية لا ينحصر في المكونات الغذائية وإنما يتسع إلى الأساليب الصناعية وتقنيات الإنتاج وقد أصبح يشمل الآن الهندسة الوراثية ولذلك ننصح الأطباء بالابتعاد من علم التغذية وإلا كانت الكارثة لأنهم سينصحون الناس بتناول بعض المواد الغذائية التي يجهلونها جهلا تاما.
جاء ذكر الزيتون باللفظ في خمس آيات قرآنية كريم، منها إتنثان في سورة الأنعام حيث يقول الجليل: وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) وقوله سبحانه وتعالى من نفس السورة: وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين (144). وآية في سورة النحل لقوله وسبحانه وتعالى: يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11). وقوله تعالى في سورة عبس: وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وقوله تعالى في سورة التين: والتين والزيتون، وجاء في هذه الآية قسم بالتين والزيتون والله سبحانه وتعالى لا يقسم إلا بعظيم خلقه وقد أقسم سبحانه وتعالى بالزيتون وبالطور في آية أخرى والزيتون كانت نشأته في جبل الطور كما جاء قوله تعالى في سورة المؤمنون وَشَجَرَةًتَخْرُجُمِنطُورِسَيْنَاءتَنبُتُبِالدُّهْنِوَصِبْغٍلِّلْآكِلِينَ (20)، وهي الآية السادسة التي يذكر فيه الزيتون لكن هذه المرة ليس باللفظ وإنما بالتعريف العلمي كما سنبين. والحديث في هذه الآية لا يخص التغذية وإنما يخص العلاج. ونلاحظ أن شجرة الزيتون تجتمع فيها آيات عديدة خصها الله سبحانه وتعالى بها ومنها قسمه بالزيتون وقسمه بالطور وهو أصل شجرة الزيتون وبارك فيها لقوله تعالى في سورة الإسراء سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير، وجاء التعبير بباركنا حوله وليس باركنا فيه ليبقى كل ما حول المسجد الأقصى مبارك فيه وقد كان حوله كما لا يزال أشجار الزيتون.
وقبل أن نخوض في الحديث عن الزيتون لا بد أن نشير إلى أن كل المكونات التي خلقها الله وسخرها لبني الإنسان تحتوي على مواد مغذية وهي البروتينات والدهون والسكريات إلى جانب الأملاح المعدنية والفايتمينات وكذلك على مواد طبية وهي المواد التي لا يتكلم عنها أصحاب الميدان وهي المواد المانعة للأكسدة والمواد المسهلة للاستقلاب والهرمونات الطبيعية والمضادات الطبيعية والمنشطات والمسترخيات. وهذه المواد يجهلها الأطباء لأنها ليست من اختصاصهم، ولذلك نرى أن كل من يتكلم عن التغذية يتكلم عن السعر الحراري والفايتمينات وبعض المكونات الأخرى.
تعريف شجرة الزيتون
جاءت شجرة الزيتون في سورة المؤمنون بالتعريف العلمي وليس باللفظ وجاءت في آية مستقلة عن الأشجار الأخرى، وجاء شيء عجيب في هذه الآية الكريمة لا يعلمه إلا الله وهو الصبغ، وهذه هي الأهمية القصوى التي تبين وجه الإعجاز القرآني، ولا نريد أن نكرر القول السائد الشائع: لقد بين القرآن حقيقة كدا مند أزيد من أربعة عشر قرنا والعلوم تبين الآن كدا وكدا، فلو كنا واثقين من أنفسنا لكنا بينا ذلك للناس من قبل لكننا أصبحنا مدبدبين وشاكين في قوتنا، فالقرآن يقول عن الصبغ أنه للآكلين والعلوم تقول أنه ماء ملوث يجب معالجته، وكل البلدان المنتجة للزيتون تصرف أموالا طائلة في معالجة مياه اعتصار الزيتون. إنه لعار حقا على أمة لديها القرآن وتشك في نفسها.
وشجرة الزيتون تكاد تكون الشجرة المثمرة الوحيدة التي لا تفسد التربة ولا تحتاج إلى ماء بكثرة ولا تفسد المزروعات إذ يمكن زراعة ما تحت وما بين أشجار الزيتون وتنبت في التربة الوعرة إما صخرية كالجبال أو كلسية أو تربة فقيرة بها حصى ورمل. وتعيش شجرة الزيتون أزيد من 1400 سنة بدون نقصان في الإنتاج خصوصا إذا كانت الأغراس طبيعية والعناية بها جيدة. وشجرة الزيتون لا تلقي بأوراقها في فصل الخريف، ولا تؤثر فيها العوامل البيئية القاسية مثلما هو الشأن بالنسبة للأشجار الأخرى، ولنعلم أن شجرة الزيتون لو تموت وتنقرض تماما ثم يبقى عرق صغير في الأرض يمكن أن ينبث ويعطي شجرة كما كانت.
فإذا تأملنا هذه الآية الكريمة من حيث كلماتها وألفاظها، نجدها سهلة التعبير ومفهومة المعنى، ولا تكاد تخفي شيئا وراء كلماتها من الناحية اللغوية، فكل أطرافها معهودة، وكل ألفاظها مألوفة. وجاءت هذه الآية الكريمة في سورة المؤمنون بعد ذكر الأشجار الأخرى كالنخيل والأعناب حيث يقول الباري سبحانه : َأَنشَأْنَالَكُمبِهِجَنَّاتٍمِّننَّخِيلٍوَأَعْنَابٍلَّكُمْفِيهَافَوَاكِهُكَثِيرَةٌوَمِنْهَاتَأْكُلُونَ (19).
وذكر النخيل والأعناب في هذه الآية يخص الأكل، لأن الصيغة جاءت بكلمة تأكلون، وفي آية أخرى من سورة النحل نجد نفس الثمار لكنها ذكرت للشراب حيث يقول سبحانه: وَمِنثَمَرَاتِالنَّخِيلِوَالأَعْنَابِتَتَّخِذُونَمِنْهُسَكَراًوَرِزْقاًحَسَناًإِنَّفِيذَلِكَلآيَةًلِّقَوْمٍيَعْقِلُونَ .(67) وكل هذه التدقيقات التي جاءت في كتاب الله عز وجل لا ننتبه إليها حقا ليكون التفسير علميا بالنسبة للآيات التي تخص العلوم ولغويا بالنسبة للآيات التي تخص الشرع والعقيدة، وربما يكون التفسير العلمي مجسدا لمعجزة القرآن في بعض المواقف أكثر من التفسير اللغوي.
وحسب ما جاء في الآية الكريمة التي تخص الزيتون فإن الزيت يصنف مع الأكل، لقوله تعالى للآكلين، والصيغة واضحة باللفظ. ومن عظمة القرآن الكريم، اليسر في الفهم كما قال سبحانه في سورة القمر: وَلَقَدْيَسَّرْنَاالْقُرْآنَلِلذِّكْرِفَهَلْمِنمُّدَّكِرٍ(17)، وقد يفهم كل إنسان هذه الآية على قدر مستواه من الإدراك، فقد يفهمها العالم باللغة على مستواه من البلاغة، أو قد يفهمها العالم الكوني على مستواه من العلم، فيظل كلام الله سبحانه وتعالى يساير العصور بتقدمها وبإنجازاتها العلمية المختلفة، لكن رغم كل هذه المستويات، لا نجد تفسيرا نهائيا لكل الحقائق العلمية، لتظل معجزة القرآن قائمة وثابتة، بينما تظل الحقائق العلمية نسبية ومتغيرة.
ونفهم بقدر علمنا أن الشجرة التي جاءت في الآية هي شجرة الزيتون، كما ثبت عند علماء التفسير بالإجماع. وتبين الآية الكريمة منشأ أو أصل هذه الشجرة التي تخرج من طور سيناء، وهو الجبل الذي كلم الله عليه سيدنا موسى عليه السلام. وهذه النقطة الدقيقة في بيان أصل شجرة الزيتون ثابت في العلوم الأحيائية، وهو أن أصل الأنواع والأصناف في عالم النبات ينحدر من المنطقة الممتدة من فلسطين إلى شمال إيران. وأغلب الأنواع وجد في المنطقة الممتدة حاليا بين فلسطين والأردن ولبنان وسوريا. وهي المنطقة التي أخذ منها المسلمون الأغراس إلى المغرب العربي والأندلس. وكلمة شجرة في الآية أتت نكرة تامة، بمعنى أي شجرة إذ اقتصر التعبيرعلى ذكرها دون نعتها، لكنها معرفة تعريفا علميا، من حيث أن الأصل لهذه الشجرة هو جبل طور سيناء، وهو الموقع الأصلي لعدة أشجار أخرى أيضا، فقد تكون شجرة أخرى لها نفس الأصل كشجرة التين مثلا، لكن الصفة الثانية، وهي الإنبات بالدهن، يجعل المعنى يقتصر على الأشجار الزيتية، ومنها كذلك اللوز والجور وما إلى ذلك، لكن هذه الأشجار تعطي الدهن دون الصبغ، فكانت كلمة الصبغ التي جاءت في الآية هي التي تعرف شجرة الزيتون تعريفا دقيقا، لأنها هي الشجرة الوحيدة التي تعطي الدهن والصبغ دون غيرها، فالإشارة إلى شجرة الزيتون دون ذكرها إشارة بلاغية من حيث المعنى، وإشارة علمية كذلك لأن الخصائص العلمية التي تبين أن هذه الشجرة هي شجرة الزيتون، هي خصائص ثابتة، وتخص النوع وهو الأساس التي ترتكز عليه العلوم الوراثية لتصنف الأنواع والأصناف على خصائصها الوراثية الثابتة، ولو اقتصرنا على المعنى اللغوي لبقيت الأمور مبهمة يسودها الشك، وقد تعصف بها التأويلات اللغوية إلى ما لا يمكن حصره بالعين.
ونقف عند هذه الكلمة البسيطة، التي جاءت في هذه الآية، والتي لم تلفت نظر العلماء المسلمين طوال القرون العديدة التي مرت، هي كلمة "الصبغ" وكان على الباحثين المسلمين أن يأخذوا بحقيقة القرآن حتى لا ينزلقوا مع بعض مفاهيم البحث العلمي الصرفة. والصبغ يعرفه المزارع الذي يهتم بزراعة الزيتون وجني ثمارها واعتصارها ويعرفه الباحثون في الميدان أو أصحاب التخصص.
ولماذا يجب أن نقف عند هذه الكلمة وهي كلمة الصبغ؟ لأن هناك معجزة علمية لو أدركها العلماء من قبل لكان خيرا للبشرية جمعاء. فالقراءة اليسيرة للآية هي أن هذه الشجرة المباركة، أو شجرة الزيتون، تنبت بالدهن، وهي المادة الدسمة السائلة التي نسميها الزيت، لكن الدهن يعني الزيت ومواد أخرى، كما نقول في علوم التغذية (Lipid)، فكان الوصف بالدهن وليس بالزيت، لأن الدهن يشمل الزيت وكل المواد الأخرى التي تمر أثناء العصر، وهنا نجد أن التفسير الذي جاء به العلماء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، يجعل الصبغ يدخل مع الدهن، وهو ما لا يتفق مع العلوم، لأن الدهن فيه زيت وصبغ، لكن الصبغ الذي جاء في الآية ليس الصبغ الذي يدخل في الدهن، ولذلك يظهر حسب تقديرنا أن هناك قصور في فهم الآية من الناحية العلمية، فلم ينتبه الباحثون إلى هذه الخاصية، الشيء الذي أدى إلى ضياع كبير في الميدان الغذائي والطبي، وهذا القصور أو الجهل جعلنا لا نستفيد من الصبغ الذي يفصل عن الزيت أثناء استخراجه، وهو شيء نافع للإنسان، كما قد اتضح في الميدان الطبي في السنوات الأخيرة. ولا تزال الأبحاث سارية حول الموضوع، لتقترب من الوحي فيستفيد الناس من الصبغ لأغراض طبية واستشفائية محضة.
ونعود لنأخذ بالتفصيل كل ما تنطوي عليه الآية الكريمة من حقائق علمية في ميدان علم الأحياء على الخصوص. ونفصل الآية حسب مجيئها في التعبير القرآني، حيث يقول الجليل جل جلاله "وشجرة تخرج من طور سيناء" فجاء التعبير عن خروج هذه الشجرة من طور سيناء، وقد يعني التعبير هنا شيئين في الزمان والمكان.
أولا: ربما يعني خروج شجرة الزيتون من جبل الطور لأول مرة، ومعنى فعل "خرج" هنا "ظهر".
ثانيا: قد يعني الخروج الإنبات، وهو ظهور الشجرة من الشتائل التي تزرع أو تنبت في الأرض، وهذا المعنى هو المفهوم من الآية عند عامة الناس، وكذلك هو ما يصرف إليه التفكير عند قراءة الآية. لكن لما نتمعن في التعبير القرآني نجد أن الله سبحانه وتعالى وصف طورين مختلفين بكلمتين بسيطتين، حيث استعمل كلمة تخرج، ثم تنبت، ولم يعطف جملة "تنبت" على جملة "تخرج" حيث يقول سبحانه: وَشَجَرَةًتَخْرُجُمِنطُورِسَيْنَاءتَنبُتُبِالدُّهْنِوَصِبْغٍلِّلْآكِلِين َ (20).
فنرى أن هناك طوران: الأول خروج الشجرة والثاني الإنبات، وهما حدثان يفصلهما وقت طويل، ولذلك وصف الحق سبحانه مرحلتين في علم غراسة الأشجار، فشجرة الزيتون لا تعطي ثمارا أو دهنا مباشرة بعد إنباتها، وإنما تخرج أولا بمعنى تظهر بإخراج الأوراق والأغصان ثم تنمو وتشتد، وهي المرحلة التي عبر عنها القرآن ب"تخرج"، ثم تعطي ثمارا وهي المرحلة الثانية التي عبر عنها القرآن ب’ تنبت’ بالدهن، وقد تستغرق المرحلة الأولى من أربع إلى ست سنوات قبل أن تنتج الشجرة زيتونا بمردودية مقبولة.
لو جاء التعبير القرآني بالعطف لكانت المرحلتان تشتملان على نفس الأهمية الغذائية أو الصحية، ذلك أن خروج الشجر ليس فيه أهمية غذائية، لكن خروج الثمار فيه أهمية غذائية وصحية من حيث تعطي زيت وصبغ. والعطف يعني حدثين بنفس الأهمية كما يفصل الجملتين، إذ تتوقف كل جملة على إفادة، فالأولى تعني الخروج بأهمية مستقلة عن الإنبات بالزيت والصبغ، والثانية تعني الإنبات بالدهن والصبغ بأهمية مستقلة عن الخروج.
ولما جاء التعبير بدون عطف، يستفاد من التعبير القرآني، أن الأهمية في خروج الشجرة واشتدادها ووصولها إلى طور الثمار، ليست له أهمية لكن الإفادة في إخراج الثمار، أو بمعنى آخر، لا يكون لشجرة الزيتون أهمية إلا لما تخرج الثمار التي تستهلك كما هي بعد التخمر أو يستخرج منها الزيت والصبغ، وهكذا جاء التعبير القرآني دالا لغويا على حقائق علمية ثابتة، تفهم من السياق اللغوي في مرحلة سادت فيها اللغة، وتفهم من الطرح العلمي في مرحلة يسود فيها العلم.
الفوائد الصحية
ولعل مادة الدهن التي يتغذى عليها الإنسان، تشتمل على مزايا صحية وغذائية هائلة ونافعة. وكل الناس يعلمون هذه الحقيقة التي أكدتها العلوم في العصر الحاضر، ولا تزال الأبحاث جارية بشأن المزايا الصحية والاستشفائية والغذائية لزيت الزيتون. أما القراءة العلمية للآية فتجعلنا نذهب إلى حد بعيد لنفهم أكثر ونستفيد أكثر. فكلمة دهن جاءت معرفة معرفة تامة، وعطفت عليها كلمة صبغ وهي نكرة تامة. وهذا التعبير بهذه الصورة، واستعمال هذا النسق اللغوي، يجب أن يحضى بالاهتمام البالغ، لاكتشاف الغاية والحكمة، ماذا تعني كلمة الصبغ ولماذا جاءت في الآية على تلك الحال؟ وكيف نفهمها؟.
ولا يمكن أن نحصي الأبحاث التي أجريت على زيت الزيتون، وكذلك بعض المستخلصات من أوراق الزيتون، لكن هناك ما يستحق الذكر لأغراض نافعة للبشرية، فاستعمال كلمة دهن بدل زيت في هذه الآية له كذلك دلالة علمية، وغاية طبية هائلة، فالتعبير القرآني جد مدقق لأنه الدليل الإنساني، الذي سيبقى مع الإنسان إلى قيام الساعة، ولذلك جاء بحقائق لا تتغير، ونجد في آية أخرى من سورة النور، أن الله عبر بكلمة "زيت"، بدل الدهن.
لقوله تعالى "اللَّهُنُورُالسَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِمَثَلُنُورِهِكَمِشْكَاةٍفِيهَامِصْبَاحٌالْمِصْبَاحُفِيزُجَاجَةٍالزُّجَاجَةُكَأَنَّهَاكَوْكَبٌدُرِّيٌّيُوقَدُمِنشَجَرَةٍمُّبَارَكَةٍزَيْتُونِةٍلَّاشَرْقِيَّةٍوَلَاغَرْبِيَّةٍيَكَادُزَيْتُهَايُضِيءُوَلَوْلَمْتَمْسَسْهُنَارٌنُّورٌعَلَىنُورٍيَهْدِياللَّهُلِنُورِهِمَنيَشَاءُوَيَضْرِبُاللَّهُالْأَمْثَالَلِلنَّاسِوَاللَّهُبِكُلِّشَيْءٍعَلِيمٌ (35) ".
إن الخوض في هذه الآية أمر صعب من الناحية العلمية، وقد جاءت بعض التفسيرات الأدبية في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي والتي تبين بطريقة إيمانية معنى السياق العام للآية، لكن هناك حقائق علمية محضة تنطوي عليها الآية الكريمة، فنقف عند الوصف الواضح من الناحية اللغوية بمجيء شجرة الزيتون باللفظ "شجرة مباركة زيتونة" وقد وصفت هذه الشجرة بالمباركة وقد يتسع معنى هذا الوصف ليشمل المزايا الزراعية والبيئية والغذائية والطبية لشجرة الزيتون، ذلك أن شجرة الزيتون لا تفسد التربة من حيث يمكن زراعة ما بين الأشجار بمزروعات أخرى كالحبوب، وهي لا تضيع الفرشة المائية، وهي ترطب الجو وتحتوي في أوراقها على مكونات صحية و طبية كما سنتطرق لذلك فيما بعد. ويصعب جدا التطرق إلى ما جاء في الآية الكريمة لاشرقية ولا غربية ونحن نعلم في العلم الزراعة أن الأشجار التي تكون معرضة لشروق الشمس وهي التلول المعرضة للشرق، تأخذ الطاقة لمدة قصيرة لأن أشعة الشمس لا تكون مسلطة بقوة ولا تتسلط لمدة طويلة، وهو ما يعوق التمثيل الضوئي عند الأشجار أو النباتات بصفة عامة، وكذلك الأشجار المعرضة لغروب الشمس فهي لا تتعرض لأشعة الشمس لمدة طويلة وبقوة. وكل الأشجار التي توجد في المناطق ما بين الشرق والغرب وهي غالبا أشجار الجبال والمرتفعات. وتكون خصائص الزيت المستخرجة من ثمار هذه الأشجار بلون ذهبي وضاء، وكأنما يعطي ضوءا بدون اشتعال، والتعبير الذي جاء في الآية يخص الجودة العالية لزيت الأشجار التي تنبت في الجبال، وكلما كان الزيت نقيا كلما أعطى ضوءا وهاجا.
ونقف كذلك عند "يكاد زيتها يضيء" فالوصف هنا جاء لجودة الزيت التي تستعمل للضوء لصفائها. فالزيت التي تحترق يجب أن تكون خالصة، فإذا كانت فيها نسبة المياه عالية أوإذا كانت فيها المركبات الأخرى العضوية غير الذهنية بنسبة مرتفعة فلا تحرق جيدا، ولا تعطي ضوءا كثيرا بل تعطي دخانا. والتعبير عن النقاوة للإضاءة جاء بالزيت يعني أن تكون الدهنيات خالصة. أما التعبير عن الأكل وهو ما يهم صحة الإنسان فجاء بالدهن. وجاء التعبير بالزيت بدل الدهن في هذه الآية الكريمة لأن الزيت ذكر للاستضاءة، وهذه العملية تستعمل اشتعال الزيت، ويجب أن يكون خالصا ليكون الاحتراق أو الاشتعال جيدا، بينما الدهن جاء للأكل وهو أمر صحي، ويجب أن لا يكون مصفى، ليستفيد الجسم من المواد الموجودة كالدسم والفيتامينات والبوليفينولات والمواد الأخرى، ونقف على هذه الحقيقة، لنبين أن العلوم الحديثة قد تكون أفسدت أكثر ما أصلحت في الميدان الغذائي على الخصوص، ولنستعرض بعض الأساليب الصناعية الحديثة.
والأساليب الحديثة المستعملة لاستخراج زيت الزيتون أصبحت تعتمد على تصفية زيت الزيتون Refining، وهو أسلوب غير صائب بالنسبة لهذا الزيت، لأن التصفية والتكرير يجب أن يطبق على زيوت أخرى، كالزيوت النباتية من الصويا والفول السوداني ونوار الشمس وما إلى ذلك، لكن زيت الزيتون يجب أن لا يصفى حتى لا تضيع المكونات الصحية. وزيت الزيتون ليس مادة غذائية صرفة بل مادة طبية أيضا والقسط الطبي يتمثل في المركبات الكيماوية التي يزيلها الأسلوب الحديث بالطرد المحوري والتصفية.
فهذا النهج جاء تحت ستار التقدم العلمي، وبذريعة تحسين المنتوج والتحكم في الصناعة، لكن سرعان ما تبين أن الحقيقة غير ذلك، خصوصا مع التحول الواقع الآن في هذا الميدان، والقاضي بالرجوع إلى المواد الطبيعية. فجل الأساليب الصناعية المستعملة في البلدان العربية مستوردة وليس المعدات فحسب وإنما الفكر والأسلوب كذلك ونكاد نأتي على خطأ جل هذه الأساليب من الطحين الذي أصبح يغربل إلى الزيتون والمنتوجات الحيوانية والبحرية والنباتية. فنخشى أن نكون انزلقنا إلى الأخذ بمفاهيم خاطئة من الناحية العلمية، ونوصي كل الباحثين المسلمين أن يبينوا بعض القواعد الغذائية الإسلامية ولا ينجذبوا بظاهر البحث العلمي الغربي فجله موضوع ليستجيب لحاجيات مجتمعات أخرى. ويظهر جليا أن الباحثين المسلمين أصبحوا يتعاملون مع البحث العلمي بنفس الطريقة التي يتعامل بها العلمانيين، ولا يدركون أنهم يسيروا في نفس الاتجاه الذي يسير فيه هؤلاء. وكان ذلك نتيجة العقدة التي تربت عند كل أو جل الباحثين من البلدان الاسلامية الذين تكونوا في البلدان الغربية فأصبحوا يؤمنون بالعلوم بطريقة عمياء، ولا يزال كثير منهم يؤمن بهذه العلوم التي تسقط كل يوم والتي تتلاشى كل يوم. فالتقنيات التي نهجها الغرب في الإنتاج كلها طرق خاطئة، وكل التقنيات المستعملة الآن في الميدان الغذائي لا تخلو من الخطر، ومعالجة الزيتون بالصودا الكاوية يعتبر كارثة وليس أسلوب صناعي، بل حتى استخراج الزيت باستعمال الطرد المحوري يعتبر ضياع كبير، ورمي مياه اعتصار الزيتون مع النفايات السائلة تخلف وجهل لأن هذا المكون يجب أن يستهلك ويجب علينا أن نعيد النظر في هذه الأشياء وإلا ضحك علينا التاريخ لأن الأجيال المقبلة ستعود للطبيعة، ومع ذلك فكل الدول المنتجة للزيتون تشتكي من ماء اعتصار الزيتون وتحسب له ألف حساب لأنها تعتبره ملوثا للمياه.
جزيئة الأولوروبين oleuropein
فالزيتون أصبح يعالج بالصودا قبل تخمره، وربما لا يخمر، والمعالجة بالصودا تهدم البوليفينولات، ومنها مكون الأولوروبيين Oleuropein النافع، وقد جاءت هذه التقنيات لإزالة المرورة، وهناك العديد من المكونات الأخرى التي تهدمها الصودا، فأصبح الزيتون لا ينفع صحيا، وقد يكون خطيرا إذا ما لم يتمكن الصناع من إزالة الصودا من حبوب الزيتون نهائيا، وقد يصعب ذلك أو يستحيل. وإذا أزلنا مكون الألوروبيين فالزيتون لا يصلح لشيء لأنه أصبح تبنا أو أقل من ذلك. ومادة الألوروبيين إلى جانب مواد صابغة أخرى هي التي يتكلم عنها القرآن بالقول وصبغ للآكلين، فهل يقدر عالم أو باحث على نصح الناس باستهلاك هذه المادة؟ وهل سيجرؤ أي شخص على القول بذلك؟ فالدول الغربية تعتبر أن هذه المياه جد ملوثة ولا يجوز ولا يصح استهلاكها والله سبحانه وتعالى يقول أن هذا الماء للآكلين، ترى هل نصدق البشر وعلومه أم نصدق الخالق ووحييه؟ وهذا هو الإعجاز بالمعنى الحقيقي لأنه يطرح الواقع ويتحداه، وربما اقتنع علماء الغرب ولن يقتنع علماء العرب.
الفوائد الصحية
أما فيما يخص بعض الأبحاث التي أجريت حول شجرة الزيتون كنبات طبي، فتركزت كلها تقريبا حول أوراق الزيتون لأنها أغنى من الزيت ومن الزيتون فيما يخص بعض المكونات (جدول رقم 1)، وأشهرها حمض الإلينوليك، وهناك ما يزيد على 23 شركة، التي أصبحت تعرض هذا المنتوج في قارورات زجاجية كمنتوج صيدلي طبيعي. وكثرت الإشاعات حول طريقة الحصول على إلينوليت الكالسيوم Calcium Elenolate من حيث أن كل شركة تزعم أنها تتوفر على الطريقة الصحيحة لتهيئ إلينوليت الكالسيوم. لكن رغم هذا التهافت التجاري على مواد الزيتون، فإن الحقيقة الثابتة هي أن أوراق الزيتون تحتوي على مواد نافعة جدا، وقد تشفي من عدة أمراض، ولا يمكن أن نذكر كل الحالات التي تمت معالجتها بمستخلص أوراق الزيتون، ومنها خفض الضغط الدموي Samuelsson, 1951 ; Anomymous, 1994)) وخفض الكوليسترول في الدم (Muriana et al., 1992)، وكبح السرطان. ولهذه المواد قوة عالية في كبح الباكتيريا المقاومة للمضادات، وكبح الفايروسات والخمائر والفطريات، ولها كذلك قوة في تفادي كل الأعراض المتعلقة بأمراض القلب والشرايين.
وحسب بعض الباحثين فقد أظهرت أوراق الزيتون نتيجة عالية في شفاء داء المفاصل والروماتيزمات وإصابة الشعر والأظافر والجلد وتسوس الأسنان. وكل هذه المزايا الصحية موجودة في هذه الشجرة المباركة، وقد نستفيد من ثمار الزيتون دون اللجوء إلى الأوراق، لكن يجب أن تستهلك طبيعيا، ويمكن أن نستفيد كذلك من زيت الزيتون لكن دون معالجة قبل عصرها ودون تصفية الزيت بل يكفي التحثيل الطبيعي وليس عن طريق الطرد المحوري الذي أصبح هو المستعمل في جل الدول العربية المنتجة للزيتون، وكل هذه المعدات يجب تفاديها لتبقى جودة الزيتون الصحية عالية ولألا يفقد هذا المنتوج المكونات التي خلقه الله من أجلها.
ليس من الممكن حصر كل الأبحاث التي أجريت على ثمار الزيتون فيما يخص الاستشفاء والفوائد الصحية والطبية، لكن سنحاول تطويق الموضوع بإحالة القارئ على المنشورات العلمية بعد عرضها وبيان موضوعها.
كل الأبحاث التي أجريت على خفض الكوليسترول الدموي عن طريق تناول زيت الزيتون، بينت أهمية تفادي الإصابات المتعلقة بالقلب والشرايين، وأهم مكون في زيت الزيتون هو حمض الأولييك. وهناك علاقة كبيرة كذلك لهذه الإصابات أو للكوليسترول مع أمراض أخرى كالسكري وارتفاع الضغط والسمنة.والثابت حول دور زيت الزيتون في خفض الكوليسترول الدموي، أن الأحماض الغير المشبعة الموجودة في زيت الزيتون خصوصا حمض الأولييك، وكذلك الفيتامينات والبوليفينولات التي يحتوي عليها زيت الزيتون، وكل هذه المواد تقي الليبوبروتينات الثقيلة LDL من التأكسد (Reaven et al., 1991 ; Reaven and Witzum, 1996 Reaven, 1996).
لا شك أن دور زيت الزيتون في الحد من الإصابة بأمراض القلب والشرايين، أصبح جليا ولا مجال لذكر الأبحاث العديدة التي أجريت في هذا الصدد (Sanders 1996; Le Tutour et al., 1992; EAS, 1992 ) وقد توصل بعض الباحثين إلى ملاحظة بعض الأحداث التي أدت بهم إلى تناول هذا الموضوع ضمن الأبحاث المهتمة بالأغذية الصحية أو الجانب الحميوي Dietetic لبعض المركبات، وكان على رأس هذه الملاحظات والاستنتاجات:
1.أن سكان حوض البحر الأبيض المتوسط لا يصابون بأمراض القلب والشرايين (De Lorgeril et al., 1994; 1991; Spiller 1992EAS)، ويقل السرطان كذلك في هذه المنطقة، ويرجع الفضل في هذا الحادث العجيب إلى كون سكان هذه المنطقة يستهلكون الزيتون وزيت الزيتون بكثرة، وحيث أجريت بعض الأبحاث (, 1992 et al. Reaven 1996; Sirtori; 1993 1992; Mensink and Katan,) تبين أن الأحماض الدهنية الغير المشبعة، الأحادية أو المتعددة هي المسؤولة عن الوقاية من الإصابة بهذه الأمراض. وهذه الأحماض الموجودة في زيت الزيتون هي من فئة 3 أو ما يسمى بالحمضيات الغير المشبعة المتعددة Polyinsaturated Fatty Acids n-3 أوOmega-3 وهي الأحماض التي تؤثر على وظيفة الصفائح الدموية وهي المكونات المسؤولة عن تصلب الشرايين .
والمعروف في الميدان الطبي فيما يخص أسباب الإصابة بتصلب الشرايين على الخصوص، أن الكوليسترول هو المركب المسؤول عن هذه الإصابات. والكوليسترول يوجد على شكلين: الكوليسترول الخفيف LDL والكوليسترول الثقيل HDL ، ويعتبر هذا الأخير نافعا بينما يعتبر الأول ضارا. ويودي وجود الكوليسترول الثقيل بنسبة مرتفعة في الدم إلى الإصابة بتصلب الشرايين الذي يؤدي إلى ضيق أو انسداد الشرايين وضعف جريان الدم. ويساعد على هذا الحادث وجود دهنيات مشبعة وهي الدهنيات الحيوانية في الغذاء، ويرتفع هذا المرض في الدول الغربية حيث تمثل الحمضيات من نوع حمض اللوريك وحمض الميريستيك وحمض البالميتيكمن60 إلى 70 % من الأحماض الذهنية المستهلكة. وتوجد هذه الأحماض في الدهنيات الصلبة مثل الزبدة والشحم الحيواني.
2. أن سكان المناطق الثلجية (القطب) أو الإسكيمو لا يصابون ولا يعرفون أمراض القلب والشرايين، وقد فسر الباحثون هذا الحدث باستهلاك هؤلاء السكان للأسماك التي تحتوي على حمضيات ذهنية تحول دون الإصابة بأمراض القلب والشرايين، وهذه الأحماض تكون من فئة الأحماض الغير المشبعة المتعددة من نوع n-6 أو ما يسمى ب PIFA (Poly Insaturated Fatty Acids) Omega 6 وهي كذلك حمضيات تؤثر على وظيفة الصفائح الدموية وهي المكونات الدموية المسـؤولة عن تصلب الشرايين، وتعمل الحمضيات الغير المشبعة n-6 نفس العمل الذي تعمله الحمضيات الدهنية من فئة n-3 الموجودة في زيت الزيتون.
ومن جهة أخرى فإن التدقيقات التي توصلت إليها الأبحاث الميدانية إلى حد الآن، لا يمكن حصرها ولا حتى ذكرها لتعدد المواضيع والنتائج. فأهم هذه النتائج أن الحمضيات الغير المشبعة إما الأحادية أو الثنائية أو الثلاثية تحول دون تأكسد الكوليسترول الخفيف أو الليبوبروتينات الخفيفة LDL، وهذا التأكسد هو الذي يتسبب في وقوع التصلب داخل الشرايين، وتكون الوقاية ضد التأكسد عالية بالنسبة للحمضيات الغير المشبعة المتعددة بالمقارنة مع الحمضيات الأحادية.
وتعتبر زيتون مند القدم أحسن مطهر ومريح للجلد، وأحسن مرطب للشعر وأحسن واقي من أشعة الشمس وأحسن مطهر ومضمد للجراح. وبالنسبة للجروح بما في ذلك جروح العمليات وفاستعمال زيت الزيتون يعتبر من أحسن ما يمكن أن يستعمله الإنسان.
التركيب الكيماوي للزيتون (جدول 2)
يكاد يشكل زيت الزيتون المكون الأساسي لثمار الزيتون. ويقترن الزيتون بالزيت أكثر ما يقترن بالثمار. ونعتبر تركيبة زيت الزيتون تركيبة ربانية تستحق التذكير والعناية وتستحق التدبر والتفكر، وما ذا يجدي هذا التدبر إذا لم ينفع البشرية، فالعبرة في القرآن وليست في النتائج العلمية ويجب ألا تعزى أمور دنيانا إلى العلوم، خصوصا في الوقت الحاضر الذي أصبحت فيه العلوم تستعمل كسلاح. ولا يهمنا ما ينتشر في البلدان الغربية من نتائج علمية فلا نحتاجها بل هم اللذين يحتاجون الحقيقة المطلقة من القرآن فهم التائهون وليس نحن. وهذا النهج هو الذي يجب أن يتبعه أصحاب الإعجاز العلمي. وأصبحنا نرى أن كل علماء المسلمين يتسابقون للإتيان بنتائج الأبحاث المنشورة في البلدان الغربية ليزكوا بها حقائق قرآنية فهذا المنحى سيكون خطيرا وهو الآن يبين تدبدب الباحثين المسلمين.
جدول رقم 2 : التركيبة الكيميائية لزيت الزيتون Kachouri and Hamdi, 2022))
البوليفونولات (مغ / اللتر)
3,4 dihydroxyphenylacetic حمض
P- hydroxyphenylacetic حمض
1. المركبات الأساسية
تتكون حبوب الزيتون من فواكه بحجم صغير بالمقارنة مع فواكه الأشجار الأخرى كالمشمش والبرقوق، وهي تقترب حجما من التمور والعنب، ولكن هذه الفواكه لا تؤكل مباشرة مثل ما تؤكل الفواكه الأخرى وإنما تمر من مراحل التخمر لتصبح جاهزة للأكل، ولو أمكن تناولها مباشرة لكان خيرا لكن المذاق المر لا يتحمله الإنسان. وتستعمل حبوب الزيتون لاستخراج الزيت وأخرى تخص الأكل وليس هناك ما يدعو إلى العزل إلا الحجم. وربما تأتي عملية استخراج الزيت بعد اختيار الحبوب التي تخمر.
وثمار الزيتون عبارة عن حبوب تتكون من جزئين اللب والنواة ويمثل القسم الأول من 94.5 إلى 98 % والقسم الثاني أو النواة من 2 إلى 5.5 %بالنسبة للمواد الجافة وتحتوي النواة على قسمين القشرة الداخلية واللوزة. أما فيما يخص المركبات الكيماوية فالزيتون لا يحتوي على سكريات كثيرة كما هو الشأن للثمار الأخرى ويصل مستوى السكريات إلى ما بين 2 و 5 % بينما يصل معدل السكر في الثمار الأخرى إلى 12 %. كما يتميز الزيتون بنسبة عالية من الدهنيات بالمقارنة مع الثمار الأخرى التي تنعدم فيها الدهنيات. وما يميز ثمار الزيتون هو وجود كليزيدات تعطي المذاق المر والتي لا توجد إلا في الزيتون مثل مكون الألوربيين، وتوجد الدهنيات في اللب الداخلي على القشرة كما توجد الألياف الخشبية في النواة أو الغلاف الخشبي للوزة. ولا شك أن العناصر الغذائية متوفرة في الزيتون ولو أن المركبات الثانوية هي التي تلعب الدور الطبي في المهمة. ويصل مستوى البروتينات إلى ما بين 9.6 و 10.5 %في القشرة الخارجية واللب. تصل الأملاح المعدنية إلى 2.3 % في اللب وهذه المكونات هي ذات أهمية قصوى خصوصا إذا علمنا أم زيت الزيتون غنية بالفيتامينات والمركبات والحمضيات الذهنية الأساسية خصوصا الغير المشبعة.
2. المركبات الثانوية
الطوكوفيرولات
من المركبات الهامة التي يحتوي عليها زيت الزيتون نجد في الصف الأول الطوكوفيرولات وأشهرهاαTocopherol الذي يوجد بنسبة تصل إلى 43 مغ / 100غ من الزيت. ولا تزال الأبحاث جد متأخرة حول الدور أو المنافع التي تعزى لهذه المادة، ولا توجد الطوكوفيرولات الأخرى ومنها β و γ إلا على شكل أثر في الزيت.
البوليفونولات
توجد هذه المركبات في حبوب الزيتون أو اللب وأثناء العصر تنتقل هذه المركبات إلى الزيت، بتركيز ضعيف حسب الطريقة وحسب حدة الأسلوب المستعمل لاستخراج الزيت، وتشمل البوليفونولات مركبات كيماوية متعددة، ومنها البوليفونولات البسيطة وتشمل حمض الفانيليك، وحمض الغاليك وحمض الكوماريك وحمض الكافيك والتيروزول والهايدروكسيتروزول ويصل تركيز هذه المركبات في الزيت إلى 4.2 مغ في 100 غرام من الزيت الخامة و 0.47 مغ في 100 غرام من الزيت المصفى وتحتوي زيت الزيتون على مركبات أخرى كالأولوروبيين 2.8 مغ / 100 غرام والليكسروزيد 0.93 مغ /100 غرام كما تحتوي على مركبات أخرى كبيرة مثل الليكنان 4.15 / 100 غرام في الزيت الخامة و 0.73 مغ / 100 في الزيت المصفات وإلى جانب هذه المركبات نجد الفلافونويدات ومنها الأبيجيتين والليتيولين.
المركبات المنكهة
ويصل عدد المركبات التي تلعب دورا في نكهة ومذاق الزيت إلى 70 مركبا، وهي مركبات عديدة تكون غالبا على شكل أثر في الزيت، ولها قوة كبيرة في إعطاء المذاق والرائحة والنكهة للزيت، وتشمل عدة مجموعات من المواد الكيماوية المعروفة بخاصيتها النكهوية ( الكحولات العالية والسيطونات والإسترات والفيوران والمشتقات التيربينية والمركبات المنحدرة من حل بعض الحمضيات الغير المشبعة).
تعيش شجرة الزيتون حياة طويلة، حيث يمكن أن تعمر من 300 إلى 600 سنة، أو حتى أكثر من ذلك. وتبقى هذه الشجرة قادرة على النمو من جديد لتعطي شجرة جديدة ولو ماتت الساق والأغصان. يصل عدد أشجار الزيتون الموجودة اليوم فوق سطح الأرض إلى 800 مليون شجرة، تنتمي إلى 400 صنف مختلف منتشرة في أنحاء العالم. ومما يثير الإعجاب أكثر من الأعداد الضخمة لأشجار الزيتون هي النسمات الإلهية التي تفوح من أغصان هذه الشجرة.
أما فيما يخص الأبحاث الميدانية، فقد قمنا بدراسة هذا الماء الأحمر الذي يفصل عن الزيت (جدول رقم1)، والذي نسميه بالأنجليزية mill waste water Olive، وهو إلى حد الآن يعتبر من المياه المستعملة أو المياه الملوثة، وهو طرح خاطئ. وقد درسنا أولا الخصائص الأحيائية لهذا الماء أو الصبغ، فتبين أن هذا الماء الذي يعبر عنه القرآن بالصبغ، خال من الجراثيم ((Mouncif et al., 1993 ، إلا بعض الباكتيريا اللبنية وبعض الخمائر والفطريات وهي جراثيم غير ضارة للإنسان، وبهذا فهو يمكن أن يبقى دون تحلل لعدة سنوات تقدر بالعشرات السنين. ودرسنا كذلك الخصائص الكابحة للجراثيم المضرة لهذا الماء أو الصبغ، وتبين أنه جد فعال في كبح نمو الجراثيم، وبهذه الخاصية يمكن أن يستعمل كمادة طبيعية لتحفيظ المواد الغذائية، بدل المضافات الكيماوية الصناعية الخطرة. ثم درسنا كذلك مدى أهميته على إبطال فعل بعض الأنزيمات، فتبين أن إبطال النشاط الأنزيمي كان واضحا جدا، ولا تزال الأبحاث في شأن هذا السائل سائرة في مختبرنا، إلى أن نتوصل إلى إيجاد أسلوب يجعله يستهلك مباشرة، أو يستعمل مع مواد سائلة أو صلبة والله الموفق.
صورة تبين الخاصية الكابحة لنمو الجراثيم لصبغ الزيتون
فالمعروف عن شجرة الزيتون أنها تعطي الزيت، وهو أمر لا يحتاج إلى توضيح لغوي أو تدقيق علمي، لكن الصبغ الذي جاء في القرآن، والذي يستخرج من الزيتون مع الزيت أثناء العصر فليس معروفا، وهذا ما لفت نظرنا وقادنا إلى البحث الميداني حول حقيقة كل مشتقات الزيتون بما في ذلك الأوراق.
فلقد بدأت بعض الحقائق تظهر، لتبين أهمية هذه الكلمة من الناحية العلمية المحضة. فالصبغ الذي يتكلم عنه القرآن، هو الماء الأحمر الذي يفصل عن الزيت بالتحتيل، ويرمى مع المياه المستعملة. وقد اعتقد الباحثون في ميدان البيئة أنه جد ملوث، ويجب أن نعالجه، وتعددت الشركات التي تريد أن تعالج هذا الماء في البلدان المنتجة للزيتون، وازداد اهتمام بعض الباحثين بالموضوع. ويتكون هذا الماء الأحمر من صبغ كما جاء في القرآن، والصبغ يعني من الناحية اللغوية كل مادة تصبغ أو تعطي لونا لكل الأشياء التي تصيبها أو تختلط معها، ومن الناحية الكيماوية هي مركبات عضوية توجد في الزيتون، وتمتاز بخاصية تغيير لونها مع التأكسد والضوء، وتشمل هذه المواد كل من البوليفينولات (polyphénol) والمواد الدابغة (tanins) وبعض المواد الملونة الأخرى مثل الأنطوسيانات.(Antocyans) والمعروف عن هذه المركبات أنها تحول دون التأكسد Antioxydants(Le Tutour and Guedon, 1990) وهو شيء في غاية الأهمية بالنسبة للجسم. وتكون كذلك هذه المواد كابحة للجراثيم والأنزيمات( Fleming et al., 1973; Walker, 1996; Tassou et al., 1991; Renis, 1969)، وتمتص الأوكسايجن ومزايا أخرى منها ما توصل إليه العلم ومنها ما يزال طور البحث. وعلى إثر هذه الأهمية تكونت جمعيات بدول أوروبا خصيصا لدراسة هذه المزايا.
والمعروف طبيا أن البوليفينولات والمواد الدابغة عموما، تصنف مع المواد المضادة للتأكسد، وهو ما يعطيها ميزة المواد الكابحة للسرطان عند الإنسان. وتكمن أهمية زيت الزيتون الطبية في هذه العوامل، علاوة على الحمضيات الغير المشبعة من فئة 18 كربون أو حمض الأولاييك واللينولانيك بالإضافة إلى الفيتامينات الذائبة في الدهون ومنها الطوكوفيرولات. ولا تزال الأبحاث قائمة في شأن مكونات زيت الزيتون، وهناك العديد من المختبرات التي تعمل الآن جادة على توضيح واكتشاف أهمية هذه الزيت، إلى درجة أنه أصبح يحمل اسم الذهب الأخضر في أوروبا وأمريكا.
ولا زلنا لم نتوصل بعد إلى استهلاك هذه المادة التي يتكلم عنها القرآن. لكن الذي نعلمه يقينا هو أن لها أهمية صحية كبيرة، وأن فيها نفع للإنسان. وقد بينها الله سبحانه وتعالى في هذه الآية. وجاء لفظ الصبغ كنكرة تامة، لأنه ليس المنتوج الأساسي لشجرة الزيتون، والمعلوم أن هذه الشجرة تعطي الزيت أو الدهن كمنتوج أساسي Product، والصبغ كمنتوج ثانوي By product، لكن ليس من حيث الأهمية وإنما من حيث الكمية. ويكون التفسير على هذا النحو: "وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين" أي بمعنى منتوج أساسي وهو الزيت للتغذية، ومنتوج ثانوي وهو الصبغ للمنفعة الصحية. ولذلك جاء الدهن معرفا بالألف واللام والصبغ نكرة تامة. فلا زلنا لا نأكل هذا الصبغ رغم أن الله سبحانه وتعالى يقول أنه للآكلين، ولو شاء الله لكان التعبير معرفا، ويكون صحيحا، "بالدهن والصبغ للآكلين" أو يكون نكرة تامة "بدهن وصبغ للآكلين" لكن التعبير القرآني جعل النسق اللغوي يطابق الحقيقة العلمية.
المراجع
القرآن الكريم
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
سنن الترمذي
صحيح البخاري
Anonymous, Department of Pharmacology and Toxicology, Society of Pharmaceutical Industries of Tunis, Hypotension, hypoglycemia and hypouricemia recorded after repeated administration of aqueous leaf extract of Olea europaea, Belgian Pharmacology Journal, March-April 1994; 49 (2), 101-8.
De Lorgeril M, Ranaud S, Mamelle N, et al.: Mediterranean alpha-linolenic acid rich-diet in the secondary prevention of coronary heart disease. Lancet 343: 1454-1459 (1994).
European Atherosclerosis Society (EAS): Prevention of coronary heart disease: Scientific background and new clinical guidelines. Recommendations for the European Atherosclerosis Society prepared by the International Task Force for the Prevention of Coronary Heart Disease. Nutr ****b Cardiovasc Dis 2: 113-156 (1992).
Kachouri F. and Hamdi M. Enhancement of polyphenols in olive oil by contact with fermented olive mill wastewater by Lactobacillus plantarum, Process Biochemistry, In Press, Corrected Proof, Available online 25 July 2022.
Fleming HP, Walter WM, Etchells JL. Antimicrobial properties of oleuropein and products of its hydrolysis. Appl Microbiol 26 (5), 777—782, 1973.
Le Tutour B, Guedon D. Antioxidative activities of Olea europaea leaves and related phenolic compounds. Phytochem 31 (4), 1173—1178, 1992.
Martín García A. I., Moumen A., Yáñez Ruiz D. R. and Molina Alcaide E. Chemical composition and nutrients availability for goats and sheep of two-s***e olive cake and olive leaves, Animal Feed Science and Technology, Volume 107, Issues 1-4, 30 June 2022, Pages 61-74.
Mensink RP, Katan MB. Effect of a dietary fatty acids on serum lipids and lipoproteins – A ****-analysis of 27 trials. Arteriosclerosis Thromb 12: 911-919 (1992).
Mensink RP, Katan MB. Trans monounsaturated fatty acids in nutrition and their impact on serum lipoprotein levels in man. Prog Lipid Res 32: 111-122 (1993).
Mouncif M., Tamoh S., FAID M. and Achkari B.A. 1993. Physico-chemical properties and the microflora of the Olive Mill waste water. Grasas y Aceites 44, (6), 335-338.
Muriana FJG, Ruiz-Gutierrez V, Vazquez CM. Influence of dietary cholesterol on polyunsaturated fatty acid composition, fluidity and membrane-bound enzymes in liver microsomes of rats fed olive and fish oil. Biochimie 74, 551—556, 1992.
Reaven P, Parthasarathy S, Grasse BJ, et al.: Feasibility of using an oleate-rich diet to reduce the susceptibility of low-density lipoprotein to oxidative modification in humans. Am J Clin Nutr 54: 701-706 (1991).
Reaven P: The role of dietary fat in LDL oxidation and atherosclerosis. Nutr ****b Cardiovasc Dis 6: 57-64 (1996).
Reaven PD, Witzum JL: Oxidised low density lipoproteins in atherogenesis: role of dietary modification. Ann Rev Nutr 16: 51-71 (1996).
Renis HE. In vitro antiviral activity of calcium elenolate. Antimicrob Agents Chemother, p. 167—172, 1969.
Samuelsson G, The blood pressure lowering factor in leaves of Olea Europaea. Farmacevtisk Revy, 1951; 15: 229-39
Sanders TAB: Effects of unsaturated fatty acids on blood clotting and fibrinolysis. Curr Opin Lipidol 7: 20-23 (1996).
Sirtori CR, Gatti E, Tremoli E, et al. Olive oil, corn oil, and n-3 fatty acids differently affect lipids, lipoproteins, plate, and superoxide formation in type-II hypercholesterolemia. Am J Clin Nutr 56: 113-122 (1992).
Spiller GA ,ed.: The Mediterranean diets in health and disease. AVI, Van Nostrand Reinhold, New York (1991).
Tassou CC, Nychas GJE, Board RG. Effect of phenolic compounds and oleuropein on the germination of Bacillus cereus T spores. Biotech Appl Biochem 13, 231—237, 1991.
Walker M. Antimicrobial attributes of olive leaf extract. Townsend Letter for Doctors & Patients, July 1996, pp 80—85.