العنوان ط§طھطط§ظپ ط´ط¨ط§ط¨ ط§ظ„ط¥ط³ظ„ط§ظ… ط¨ط£طظƒط§ظ… ط§ظ„ط؛ط³ظ„ من ط§ظ„ط¬ظ†ط§ط¨ط© و الاحتلام المؤلف عبد الله بن جار الله الجار الله رابط التحميل << اضغط هنا >>
التصنيف: المنتدى الاسلامي
العنوان ط°ظƒط±ظٹط§طھ علي ط§ظ„ط·ظ†ط·ط§ظˆظٹ – ظ†ط³ط®ط© مصورة المؤلف علي الطنطاوي رابط التحميل << اضغط هنا >>
لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده
في سكون الليل وهدوئه تصفو الروح، وترق المشاعر، وتحلو المناجاة، حين يقبل العبد على مولاه؛ قال بعض العلماء: "ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة، إلا ما يجده أهل التملق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة"، والذائق لطعم المناجاة يجد الأنس والقرب في الصلاة.
ويبين أبو سليمان الداراني هذا الشعور بقوله: "أهل الليل بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا، ولو لم يعط الله – تعالى – أهل الليل في ثواب صلاتهم إلا ما يجدون من اللذة فيها، لكان الذي أعطاهم أفضل من صلاتهم".
وهذه اللذة لا يشعر بها إلا من جربها؛ ففي هذا الوقت من الليل يكون الهواء أكثر نقاءً، والجو أكثر صفاءً، والنسيم العليل يملأ الدنيا بعبيره، والسكون والهدوء يغمر الكون؛ فتشعر كأنك في عالم آخر، غير عالمنا الذي نعيش فيه، وكأن الدنيا كلها تستعد وتتزين لنزول رب العزة – سبحانه وتعالى – إلى سمائنا الدنيا، في الثلث الأخير من الليل؛ فلا تضيع على نفسك هذه اللذة، ولا تلك المتعة، وسارع إلى مناجاة الله – عز وجل – ودعائه في السَّحَر؛ لتفوز بالإجابة والغفران.
كان الفُضَيْل بنُ عياض – رضي الله عنه – يقول: "إذا غربتِ الشمس، فرحتُ بالظَّلام؛ كي ينام النّاس؛ فأخْلُو بالله، عزّ وجلّ".
وعندما سُئِل الحسنُ البصريُّ – رضي الله عنه -: "لماذا المجتهدون بالليل أجملُ النَّاس وجوهاً"؟ قال: "لأنهم خَلَوْا بالرحمن؛ فألبسهم الله من نوره".
وقيام الليل ليس هدفاً لذاته، وما يفعل الله بسهر العبد؟ لكنه وسيلة إلى ذكر الله، والتبتل إليه، والتوكل عليه، وإيجاد الفرد المسلم الأمين، والمجتمع الراشد.
ولقد حبب الله – عز وجل – إلى رسوله الخلاء في غار حراء، في فترة الإعداد لتلقى الرسالة؛ لضرورة هذا الأمر للدعاة إلى الله؛ فلابد لهم من فترات يخلون فيها مع أنفسهم، ويتزودون بما يعينهم على هذا الأمر؛ فالروح تحتاج إلى خلوة بعض الوقت، وانقطاع عن شواغل الأرض، وضجة الحياة، وهموم الناس؛ فلابد من فترة للتأمل والتدبر، والتعامل مع الكون الكبير وحقائقه.
وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله – تعالى – وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية، وعلى مجاهدة النفس، في وقت هدأت فيه الأصوات، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش.
لذا؛ كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة، وسمات النفوس الكبيرة، وقد مدح الله عباده، وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:9].
وقيام الليل سنة مؤكَّدة، حث النبي – صلى الله عليه وسلم – على أدائها بقوله: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، وتكفير للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد))؛ رواه الترمذي وأحمد.
وفي الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل))، وقد حافظ – صلى الله عليه وسلم – على قيام الليل، ولم يتركه سفراً ولا حضراً، وقام – صلى الله عليه وسلم – وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر – حتى تفطّرت قدماه؛ فقيل له في ذلك؛ فقال:
((أفلا أكون عبداً شكوراً))؛ متفق عليه.
حلاوة ولذة
الذين جربوا لذة قيام الليل يُؤْثرون لقاء الله على الراحة، بل ويصل بهم الحد إلى هجر المضاجع ومجافاتها؛ لأن هناك ما هو أحب وأعظم؛ يقولُ تعالَى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُون * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]، أي: يخاصمون مواضع نومهم، ويُقْبلون على عبادة ربهم بقيام الليل.
وقد كان الصحابة في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – يحبّون قيام الليل، ويفضّلون الموت على ترك القيام؛ فقد طلب النبي – صلى الله عليه وسلم – من عبَّادِ بنِ بِشْرٍ – رضي الله عنه – أن يتولَّى حراسة المسلمين في إحدى المعارك؛ فأخذ يقوم الليل، وأثناء حراسته جاء أحد الأعداء؛ فضربه بسهم وقع في كتفه؛ فأخرج السّهم، وأكمل الصلاة؛ فضربه الرجل بسهم آخر؛ وقع في كتفِهِ؛ فأخرجَهُ وأكْمَل صلاته؛ فضُرِب بسهم ثالث؛ فأخرجه وركع وسجد وسلّم، ثم أيقظ أحد الصحابة؛ فقال له: لِمَ لَمْ توقظْنِي؟ فقال له: كنتُ في ركعتين، وكنت في قراءة لسورة مِن سور القرآن، لئن أقرؤُها أحبُّ إلَيَّ منْ خروج رُوحي.
وكان هناك غلام صالح يقوم الليل كله، وعندما سئل: مَا الَّذي يدفعكَ إلى ذلك؟ قال: إذا ذُكِرَتِ النَّارُ، اشتدَّ خوفِي، وإذا ذُكِرت الجنة، اشتدَّ شوقي، فلا أقدِر أنْ أنام.
الصحابي الجليل أنس بن مالك – رضي الله عنه – الذي كان يقَسِّمُ الليل؛ فيقوم الثلث الأول من الليل، ثم يوقظ زوجته؛ فتقوم الثلث الثاني، ثم توقظ الأمُّ ابنتَهما؛ فتقوم الثلث الأخير، وفي الليلة التالية، تقوم الأم الثلث الأول، ثم توقظ أنساً؛ ليقوم الثلث الثاني، ثمَّ يوقظ ابنته؛ لتقوم الثلث الأخير، وهكذا كان بيت أنس يحظى بشرف قيام الليل كاملاً، فيا لها من منزلة عظيمة! ويا له من شرف كبير!
وهذه جارية للحسن البصري – رضي الله عنه – عندما باعها رجعت إليه تقول: "يا مولاي، رُدَّني؛ لقد بعتَنِي إلى قوم لا يقومون الليل، ولا يصلون إلا الصلواتِ الخمس".
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكثر من قيام الليل؛ حتى إن قيام الليل ترك أثراً واضحاً في ملامحه؛ فكثرة البكاء بين يدي الله في القيام؛ ترك خطين أسودين في وجهه، ومن أقواله: "لم يبق مِن حلاوةِ الدنيا إلا ثلاثة أشياء: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في جماعة". وكذلك ابن مسعود – رضي الله عنه – كان إذا هدأت العيون، يُسمع له دويٌّ كدويِّ النَّحْلِ، وهو يصلِّي.
وهذا أبو هريرة – رضي الله عنه – كان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا. فالليل كله صلاة ومناجاة، ودموع وخشوع، وذكر وشكر، والشعار: "لا للفرش الوثيرة، والنوم اللذيذ".
ولله در الفضيل بن عياض، وهو يعرض وضعاً شعورياً إيمانياً بديعاً؛ حيث يقول: "أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد هذا الليل من طول الهجعة، إنما هو على الجنب؛ فإذا تحرك قال: ليس هذا لكِ، قومي خذي حظكِ من الآخرة".
ولا تنس أنهم كانوا بذلك التعب يتلذذون، وبالقيام يفرحون، وبعيون غير أعيننا إلى الليل ينظرون؛ فهو عندهم موطن تنتعش فيه الأرواح، وتبتهج وترتاح، وتتقلب بين مسرات وأفراح، وتكثر من المساءلة والإلحاح، فهي قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وما يَرِدُ عليها في تلك المقامات؛ ولذا جاءت وصاياهم وقد عملوا، وتذكيرهم وقد اعتبروا، وحثهم وقد سبقوا، فها هو الحسن ينادي بكم قائلاً: "كابِدوا الليل، ومدوا الصلاة إلى السحر، ثم اجلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار".
وقال أبو محمد الجريري: "قصدتُ الجنيد؛ فوجدتُه يصلي؛ فأطال جداً، فلما فرغ قلتُ: قد كبرتَ، وَوَهَنَ عَظْمُكَ، ورق جلدكَ، وضعفتْ قوتكَ، ولو اقتصرتَ على بعض صلاتك؛ فقال: اسكت، طريق عرفنا به ربنا، لا ينبغي لنا أن نقتصر منه على بعضه، والنفس ما حملتها تتحمل، والصلاة صلة، والسجود قربة؛ ولهذا قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]، ومن ترك طريق القرب، يوشك أن يُسلَك به طريق البعد".
ثمار وفوائد
ذَكَر القرآن صفات عباد الرحمن، ومنها قيام الليل، فهل تحب أن تكون من هؤلاء: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان:63].
فقيام الليل ينقي القلب ويطهره، ويملأه بحب الطاعة، ومن يستحضر عظمة الله في تلك اللحظات، يجد أن الدنيا كلها هينة ضئيلة في عينيه؛ فأنت تترك كل الدنيا وتناجي مالكها؛ فيكون هذا دافعاً للخشوع في الصلاة، والإخلاص.
يقول ابن القيِّم: "إن الرجلين ليقاما في الصف، خلف نفس الإمام، وبين صلاتهما كما بين السَّماء والأرض. وذلك أنَّ قلب أحدهما تعدَّدتْ أمامه الصُّورُ، في حين قلب الآخر لا يبصر غير الله وطاعته، عز وجل".
وقف أبو ذر – رضي الله عنه – ذات يوم أمام الكعبة، وقال لأصحابه: "أليس إذا أراد أحدكم سفراً يستعدّ له بزاد؟ قالوا: نعم. قال: فسفر الآخرة أبعد مما تسافرون. فقالُوا: دُلَّنَا على زادِهِ. فقال: حجوا لعظائم الأمور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل؛ لوحشة القبور، وصومُوا يوماً شديداً حَرُّه؛ لطول يوم النّشور".
وعن أبي الدَّرداء، أنَّ النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ثلاثةٌ يحبُّهمُ اللهُ، ويضحكُ إليهمْ، ويستبشرُ بِهِمْ: الذِي إذَا انكشفتْ فئةٌ، قاتلَ وراءَهَا بنفسِهِ للهِ – عز وجل – فإمَّا أنْ يُقتَلَ، وإمَّا أنْ ينصرَهُ الله – عز وجلّ – ويكفيهِ؛ فيقولُ: انظُرُوا إلَى عبدِي هذَا كيفَ صبرَ لِي بنفسِهِ، الَّذِي لهُ امرأةٌ حَسَنَةٌ وفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ؛ فيقومُ مِنَ اللَّيلِ فيقولُ: يَذَرُ (يترك) شهوتَهُ ويذكُرُنِي، ولوْ شاءَ رَقَدَ (نام). والَّذِي إذَا كانَ فِي سفرٍ، وكانَ معهُ ركبٌ فسهرُوا ثُمَّ هَجَعُوا؛ فقامَ في السَّحَرِ فِي ضَرَّاءَ وسَرَّاءَ)).
قال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ((أقربُ مَا يكونُ العبدُ من الرَّبِّ، في جوفِ اللَّيلِ الأخيرِ؛ فإنِ استطعتَ أنْ تكونَ مِمَّنْ يذكرُ اللهَ فِي تلكَ السَّاعةِ، فكُنْ))؛ الترمذي والنسائي.
وقد أوصى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقيام الليل؛ فقال: ((أيُّها النَّاسُ أفشُوا السَّلام، وأطعمُوا الطَّعام، وصِلُوا الأرحامَ، وصَلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نِيَامٌ؛ تدخلُوا الجنةَ بسلامٍ))؛ الحاكم وابن ماجه والترمذي.
وقيام الليل يطرد الغفلة عن القلب؛ كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من قام بعشر آيات، لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية، كتب من القانتين، ومن قام بألف آية، كتب من المقنطرين))؛ رواه أبوداود وابن حبان.
قال يحى بن معاذ: "دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين".
الإعجاز العلمي في قيام الليل
جاء في كتاب: "الوصفات المنزلية المجربة وأسرار الشفاء الطبيعية" لمجموعة من المؤلفين الأمريكيين، أن القيام من الفراش أثناء الليل، والحركة البسيطة داخل المنزل، والقيام ببعض التمرينات الرياضية الخفيفة، وتدليك الأطراف بالماء، والتنفس بعمق – له فوائد صحية عديدة.
والمتأمل لهذه النصائح، يجد أنها تماثل تماماً حركات الوضوء والصلاة عند قيام الليل، وقد سبق النبي – صلى الله عليه وسلم – كل هذه الأبحاث في الإشارة المعجزة إلى قيام الليل؛ فقال: ((عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله – عز وجل – ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء من الجسد)).
وعن كيفية قيام الليل بطرد الداء من الجسد يقول الدكتور: "صلاح أحمد حسين" أستاذ الطب بجامعة أسيوط:
– "يؤدي قيام الليل إلى تقليل إفراز هرمون الكورتيزون (وهو الكورتيزون الطبيعي للجسد)، خصوصاً قبل الاستيقاظ بعدة ساعات، وهو ما يتوافق زمنياً مع وقت السحر(الثلث الأخير من الليل)؛ مما يقي من الزيادة المفاجئة في مستوي سكر الدم، الذي يمثل خطورة على مرضى السكر، ويقلل كذلك من الارتفاع المفاجئ في ضغط الدم، ويقي من السكتة المخية والأزمات القلبية في المرضى المعرضين لذلك.
– يقلل قيام الليل من مخاطر تخثر الدم في وريد العين الشبكي؛ الذي يحدث نتيجة لبطء سريان الدم في أثناء النوم، وزيادة لزوجة الدم بسبب قلة تناول السوائل، أو زيادة فقدانها، أو بسبب السمنة المفرطة وصعوبة التنفس؛ مما يعوق ارتجاع الدم الوريدي من الرأس.
– يؤدي قيام الليل إلى تحسن وليونة عند مرضى التهاب المفاصل المختلفة، سواء كانت روماتيزمية أو غيرها؛ نتيجة الحركة الخفيفة والتدليك بالماء عند الوضوء.
– قيام الليل علاج ناجح لما يعرف باسم: "مرض الإجهاد الزمني"؛ لما يوفره قيام الليل من انتظام في الحركة ما بين الجهد البسيط والمتوسط، الذي ثبتت فاعليته في علاج هذا المرض.
– يؤدي قيام الليل إلى تخلص الجسد مما يسمي بـ "الجليسيرات الثلاثية": وهي نوع من الدهون التي تتراكم في الدم، خصوصاً بعد تناول العشاء المحتوي على نسبة عالية من الدهون، التي تزيد من مخاطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية، بنسبة 32% في هؤلاء المرضى مقارنة بغيرهم.
– يقلل قيام الليل من خطر الوفيات بجميع الأسباب، خصوصاً الوفاة الناتجة عن السكتة القلبية، والدماغية، وبعض أنواع السرطان.
– يقلل قيام الليل من مخاطر الموت المفاجئ بسبب اضطراب ضربات القلب؛ لما يصاحبه من تنفس هواء نقي، خال من ملوثات النهار، وأهمها عوادم السيارات، ومسببات الحساسية.
– قيام الليل ينشط الذاكرة، وينبه وظائف المخ الذهنية المختلفة؛ لما فيه من قراءة وتدبر للقرآن، وذكر للأدعية، واسترجاع لأذكار الصباح والمساء؛ فيقي من أمراض: الزهايمر، وخرف الشيخوخة، والاكتئاب، وغيرها، وكذلك يؤدي قيام الليل إلى التخفيف من مرض طنين الأذن، الذي يحدث لأسباب غير معروفه".
حكم قيام الليل
كان قيام الليل فرضاً في أوَّل الأمر، حين قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:1-4]، ثمَّ نُسِخ هذا الفرض إلى الندب بقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل:20].
يقول الإمام القرطبي: "وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه؛ فيقوم حتى يصبح؛ مخافة أن يخطئ؛ فانتفخت أقدامهم، وانتقعت ألوانهم؛ فرحمهم الله وخفَّف عنهم". لأجل ذلك، خفَّف الله على المسلمين؛ رحمةً بهم، ولم يجعل القيام فرضاً، بل ندب إليه، وحثَّ عليه.
وقد ارتبط قيام الليل في أذهان الناس بشهر رمضان؛ نظراً لأنَّ رمضان هو شهر الصيام والقيام، ويتأكَّد هذا القيام في العشر الأواخر؛ حيث الاعتكاف والتهجُّد، ومسألة ارتباط القيام في أذهان الناس برمضان نابعةٌ من تقصير المسلمين – في غير رمضان – في القيام بهذه العبادة، واغتنام دقائق الليل الغالية؛ ولذلك غدا قيام الليل له مناسبةٌ، هي حلول شهر رمضان.
وهذا – بالطبع – ليس هو الأصل، فربُّ رمضان الذي نقوم له فيه هو ربُّ الشهور الأخرى، وهو – سبحانه – الذي ينزل كلَّ ليلةٍ في ثلثها الأخير؛ ليقول: ((من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له))؛ كما ثبت في الحديث المتَّفق عليه.
أسباب معينة على قيام الليل
فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد يقول: هناك أسباب معينة على قيام الليل منها:
1- الإخلاص لله تعالى: فكلما قوي إخلاص العبد، كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات؛ فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك؛ ولذا حرص السلف الكرام أشد الحرص على إخفاء الطاعات، كقيام الليل؛ سأل رجلٌ تميمَ بن أوس الداري – رضي الله عنه – فقال له: "كيف صلاتك بالليل؟ فغضب غضباً شديداً، ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في السر، أحب إلي من أن أصلي الليل كله، ثم أقصه على الناس".
2- أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله تعالى يدعوه للقيام: فإذا استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك – وهو الغني عن طاعة الناس جميعاً – كان ذلك أدعى للاستجابة.
3 – معرفة فضل قيام الليل: فمن عرف فضل هذه العبادة، حرص على مناجاة الله تعالى، والوقوف بين يديه في ذلك الوقت.
4-النظر في حال السَّلف والصالحين في قيام الليل، ومدى لزومهم له: فقد كان السلف يتلذذون بقيام الليل، ويفرحون به أشد الفرح؛ قال عبد الله بن وهب: "كل ملذوذ إنما له لذة واحدة، إلا العبادة؛ فإن لها ثلاث لذات: إذا كنت فيها، وإذا تذكّرتها، وإذا أعطيت ثوابها". وقال ثابت البناني: "ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل".
5- النوم على الجانب الأيمن: وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يرشد أمته إلى النوم على الجانب الأيمن؛ فعن حفصة – رضي الله عنها – قالت: ((كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا أخذ مضجعه، جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن))؛ رواه الطبراني.
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: "وفي اضطجاعه – صلى الله عليه وسلم – على شقه الأيمن سر؛ وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر؛ فإذا نام على شقه الأيسر، استثقل نوماً؛ لأنه يكون في دعة واستراحة؛ فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن، فإنه يقلق، ولا يستغرق في النوم؛ لقلق القلب، وَطَلَبِهِ مُسْتَقَرّهُ، وميله إليه".
6-النوم على طهارة فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة))؛ متفق عليه، وجاء من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((طهّروا هذه الأجساد؛ طهركم الله؛ فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك؛ فإنه بات طاهراً))؛ رواه الطبراني.
7- التبكير بالنوم: النوم بعد العشاء – مبكراً – وصية نبوية، وخصلة حميدة، وعادة صحية؛ ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي – رضي الله عنه – قال: ((إن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها))؛ رواه البخاري، وقال ابن رافع: كان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة، ويقول: قوموا؛ لعل الله يرزقكم صلاة.
8- المحافظة على الأذكار قبل النوم: فإن هذه الأذكار حصن حصين،؛ يقي بإذن الله من الشيطان، ويعين على القيام، ومن هذه الأذكار، ما ثبت من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينفضه بداخلة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقّه الأيمن، ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي، فارحمها، وإن أرسلتها، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين))؛ متفق عليه.
وينبغي كذلك أن يحافظ المسلم على الأذكار الشرعية عند الاستيقاظ، ومنها: ما ثبت من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه – وسلم قال: ((إذا استيقظ أحدكم، فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره))؛ رواه الترمذي والنسائي.
9-الحرص على نومة القيلولة بالنهار – وهي إما قبل الظهر أو بعده – فعن أنس – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((قيلوا فإن الشياطين لا تقيل))؛ رواه الطبراني، وقال إسحاق بن عبدالله: القائلة من عمل أهل الخير، وهي مجمة للفؤاد مَقْواة على قيام الليل. ومرّ الحسن البصري بقوم في السوق في وسط النهار؛ فرأى صخبهم وضجيجهم؛ فقال: "أما يقيل هؤلاء؟! فقيل له: لا. فقال: إني لأرى ليلهم ليل سوء".
10- اجتناب كثرة الأكل والشرب: فإن الإكثار منهما من العوائق العظيمة التي تصرف المرء عن قيام الليل، قال سفيان الثوري: "عليكم بقلة الأكل؛ تملكوا قيام الليل". ورأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً؛ فقال: "ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة". وقال وهب بن منبه: "ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوام".
11- مجاهدة النفس على القيام: وهذا من أعظم الوسائل المعينة على قيام الليل؛ لأن النفس البشرية – بطبيعتها – أمارة بالسوء، تميل إلى كل شر ومنكر؛ فمن أطاعها فيما تدعوا إليه، قادته إلى الهلاك والعطب، وقد أمرنا الله – تعالى – بالمجاهدة فقال: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج:78] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].
وعن فضالة بن عبيد – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((المجاهد من جاهد نفسه في الله))؛ رواه الترمذي وابن حبان. وفي حديث عقبة بن عامر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقَد، فإذا وضأ يديه، انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه، انحلت عقدة، وإذا مسح رأسه، انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه، انحلت عقدة؛ فيقول الله – عز وجل – للذين من وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا؛ يعالج نفسه، ويسألني، ما سألني عبدي فهو له))؛ رواه أحمد وابن حبان
12-اجتناب الذنوب والمعاصي: فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى، والأنس بذكره في ظلم الليل، فليحذر الذنوب؛ فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي؛ قال رجل لإبراهيم بن أدهم: "إني لا أقدر على قيام الليل؛ فصف لي دواء؟ فقال: لا تعصه بالنهار؛ وهو يُقيمك بين يديه في الليل؛ فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف".
وقال رجل للحسن البصري: "يا أبا سعيد: إني أبِيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعِدّ طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: ذنوبك قيدتْك". وقال – رحمه الله -: "إن العبد ليذنب الذنب؛ فيحرم به قيام الليل، وصيام النهار". وقال الفضيل بن عياض: "إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النهار، فاعلم أنك محروم مكبّل، كبلتك خطيئتك".
اتق الله حيث ماكنت
فإن لم تكن تراه فإنه يــراك
وخالق الناس بخلق حسن
وذكر الله آناء الليل وأطراف النهار
لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده
حلم قمرين حلم مفسر
حلمت خير اللهم اجعله خير انى جالسه فى بيتنا ومخلفة ولد وبنت توأم وقولت هسمى نور القلوب ونور القلب مش فاكرة اوى صراحة بس اللى فاكراه انى هسمى نور للاتنين ومرة واحد لقيت نفسى ماسكة ظ‚ظ…ط±ظٹظ† فى ايدى قمر فى اليد اليمنى وقمر فى اليسرى ومكانش حجمهم كبير وخلصت الرؤيا
انا انسه عزباء
حالتى الدينية الحمد الله متقربة الى الله
المنام كان اول امس
الحلم كان بعد صلاة قضاء حاجة ان ربنا يرزقنى الزوج الصالح
وبرقى دائما برقى رقية شرعية
لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده
- النخبة ط§ظ„ط¨ظٹظ‡ط© في ط§ظ„ط£طط§ط¯ظٹط« ط§ظ„ظ…ظƒط°ظˆط¨ط© ظ„ظ„ط£ظ…ظٹط± المالكي
-
الكتاب : ط§ظ„ظ†ط®ط¨ط© البهية في الأحاديث المكذوبة على خير البرية
للعلامة محمد الأمير الكبير المالكي
المتوفى 1228 هـهذه النسخة مرقمة حسب طبعة
المكتب الإسلامي
-
- التحميل
لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده
- الفيدرالية .. ط§ظ„ط®ط·ط± القادم
-
الكتاب : ط§ظ„ظپظٹط¯ط±ط§ظ„ظٹط© .. الخطر القادم
-
- التحميل
لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده
العنوان أصل صفة طµظ„ط§ط© ط§ظ„ظ†ط¨ظٹ صلى ط§ظ„ظ„ظ‡ ط¹ظ„ظٹظ‡ ظˆط³ظ„ظ… من ط§ظ„طھظƒط¨ظٹط± إلى التسليم – كأنك تراها – نسخة مصورة المؤلف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رابط التحميل << اضغط هنا >>
لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده
العنوان ظ…طط§ط¶ط±طھط§ظ† عن فن ط§ظ„ط§طھطµط§ظ„ ظˆط§ظ„طط¶ط§ط±ط© الإسلامية المؤلف د. علاء إسماعيل الحمزاوي رابط التحميل << اضغط هنا >>
لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. أما بعد:
فإن الحديث عن أحوال ط§ظ„ط³ظ„ظپ في ط§ظ„طط¬ حديث عن علم قد درس مناره، ومُحِيت آثاره، فلم يبق منه إلا بقايا من الرسوم والألفاظ، وأطلال من الجمل والعبارات، والتي ما فتئ الناصحون يرددونها حثاً للناس على التمسك بما كان عليه السلف، وترغيباً لهم في سلوك سبيلهم واقتفاء آثارهم. وإلا فأين نحن من القوم؟ كم بين اليقظة والنوم؟!
لقد كان للحج تأثير عظيم في تزكية النفوس وإصلاح القلوب، لما فيه من معاني العبودية، ومظاهر الربانية التي تجلت في كل أعماله ومناسكه، فأثمرت في واقع السلف قلوباً تقية، وأفئدةً زكية، وأبداناً طاهرةً نقية. فكانوا مع إحسانهم العمل يخشون الردّ وعدم القبول، أما نحن – إلا من رحم الله – فلا إحسان ولا خشية، ومع ذلك ينام أحدنا ملء جفونه، وكأنه حاز النعيم، وضمن من الجنة فردوسها الأعلى!!
ولئن ورد عن بعض السلف أنه قال: ( الركب كثير والحاجّ قليل، فما عسانا أن نقول؟! نسأل الله ألا يمقتنا ).
فما أحرانا – نحن المسلمين – أن نعود إلى ما كان عليه السلف الصالح؛ عقيدةً ومنهاجاً، عبادة وسلوكاً، حتى نفوز بما فازوا به من سعادة الدارين؛ العز في الدنيا والنعيم في الآخرة.
من أخلاق السلف في السفر والحج
كان السلف – رحمهم الله – يعلمون حق رفيق السفر، فيحسنون صحبته، ويواسونه بما تيسّر لديهم من طعام وشراب، وكان كل واحد منهم يريد أن يخدم أخاه ويقوم بأعماله، لا يمنعه من ذلك نسبٌ ولا شرفٌ ولا مكانة عالية.
قال مجاهد رحمه الله: ( صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه، فكان يخدمُني!! ).
وكانوا رحمهم الله يبذلون أموالهم للرفقة، ويصبرون على الأذى، ويطيعون الله تعالى فيمن يعصيه فيهم.
يروى أن يُهَيْماً العجلي ترافق مع رجل تاجر موسر في الحج، فلما كان يوم خروجهم للسفر، بكى بُهَيْم حتى قطرت دموعه على صدره، وقال: ذكرت بهذه الرحلةِ الرحلةَ إلى الله، ثم علا صوته بالنحيب.
فكره رفيقه التاجر منه ذلك، وخشي أن يتنغّص عليه سفره معه بكثرة بكائه، فلما قدما من الحج، جاء الرجل الذي رافق بينهما إليهما ليسلِّم عليهما، فبدأ بالتاجر فسلّم عليه، وسأله عن حاله مع بُهَيْم.
فقال له: والله ما ظننت أن في هذا الخق مثله؛ كان والله يتفضّل عليّ في النفقة، وهو معسّر وأنا موسر!! ويتفضل عليّ في الخدمة، وهو شيخ ضعيف وأنا شاب!! ويطبخ لي وهو صائم وأنا مفطر!!
ثم خرج من عنده فدخل على بُهَيم، فسلّم عليه، وقال له: كيف رأيت صاحبك؟ قال: خير صاحب، كثير الذكر لله، طويل التلاوة للقرآن، سريع الدمعة، متحمّل لهفوات الرفيق، فجزاك الله عني خيراً.
وكان كثير من السلف يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم اغتناماً لأجر ذلك، منهم عامر بن عبد قيس، وعمر بن عتبة بن فرقد، مع اجتهادهما في العبادة.
وكان ابن المبارك يطعم أصحابه في الأسفار أطيب الطعام وهو صائم، وكان إذا أراد الحج من بلده ( مرو ) جمع أصحابه وقال: من يريد منكم الحج؟ فيأخذ منهم نفقاتهم، فيضعها في صندوق ويغلقه، ثم يحملهم، وينفق عليهم أوسع النفقة، ويطعمهم أطيب الطعام، ثم يشتري لهم من مكة ما يريدون من هدايا، ثم يرجع بهم إلى بلده، فإذا وصلوا صنع لهم طعاماً، ثم جمعهم عليه، ودعا بالصندوق الذي فيه نفقاتهم فردّ إلى كل واحد نفقته!!
إلهي !!
إليك قصدي ربّ البيت والأثر *** وفيك تطوافي بأركان كذا حجر
صفا دمعي إلى حين أعبره *** وزمزمي دمعة تجري من البصر
وفيك سَعْيي وتعميري ومزدلفي*** والهدي جسمي الذي يغني عن الجُزر
عرفانه عرفاتي إذ منى منتي *** وموقفي وقفة في الخوف والحذر
وجَمْرُ قلبي جمار نبذة شرر *** والحرم تحريمي الدنيا عن الفكر
ومسجد الخيف خوفي من تباعدكم *** ومشعري ومقامي دونكم خطري
زادي رجائي له والشوق راحلتي *** والماء من عبراتي والهوى سفري
حال السلف عند الاحرام والتلبية
أخي الحبيب كان السلف يستشعرون معنى الإحرام، فهو يعني عندهم الإنخلاع من جميع الشهوات الأرضية، والتوجه بالروح والبدن إلى خالق السماوات والأرض. لذلك فقد كانوا يضطربون عند الإحرام، فتتغير ألوانهم، وترتعد فرائصهم خوفاً من عدم القبول.
فكان أنس بن مالك إذا أحرم لم يتكلم في شيء من أمر الدنيا حتى يتحلل من إحرامه.
وهذا عليُّ بن الحسين لما أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وارتعد، ولم يستطع أن يلبي، فقيل له: ما لك؟ فقال: أخشى أن يقول لي: لا لبيك ولا سعديك!
ولما حجّ جعفر الصادق، فأراد أن يلبي، تغيّر وجهه، فقيل له: ما لك يا ابن رسول الله ؟ فقال: ( أريد أن ألبي وأخاف أن أسمع غير الجواب!! ).
وكان شريح رحمه الله إذا أحرم كأنه حيّة صماء من كثرة الصمت والتأمل والإطراق لله عز وجل.
ولئن كان كثير من حجاج هذا الزمان لا يلبون، وأغلب الذين يلبون لا يجهرون بالتلبية، ولا يرفعون بها أصواتهم، فقد كان السلف على خلاف ذلك.
قال أبو حازم: ( كان أصحاب النبي إذا أحرموا لم يبلغوا الرّوْجاء حتى تُبَحُّ أصواتهم ). لأنهم يعلمون أن ذلك مما يحبه الله عز وجل، لقوله : { أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية } [رواه أصحاب السنن وصححه الألباني]. وقوله : { أفضل الحج والعجّ والثجّ } [رواه الترمذي وحسنه الألباني]. والعجّ: رفع الصوت بالتلبية. والثجّ: سيلان دماء الهدي والأضاحي.
عبادة السلف في الحج
ذكر الإمام ابن رجب رحمه الله أن من أعظم خصال البرّ في الحج: إقام الصلاة، فمن حج من غير إقام الصلاة – لا سيما إن كان حجه تطوعاً – كان بمنزلة من سعى في ربح درهم، وضيّع رأس ماله وهو ألوفٌ كثيرة. وقد كان السلف يواظبون في الحج على نوافل الصلاة، وكان النبي يواظب على صلاة النافلة على راحلته في أسفاره كلّها ويوتر عليها.
فعن عامر بن ربيعة أنه رأى رسول الله يُصَلي السُّبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته حيث توجهت [متفق عليه] والسبحة: النافلة.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ( كان رسول الله يُسَبّحُ على الراحلة قِبَل أيّ وجه توجّه، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ) [متفق عليه].
وكان محمد بن واسع يصلي في طريق مكة ليله أجمع في محمله، يومئ إيماء، ويأمر حاديه أن يرفع صوته خلفه حتى يُشغل عنه الناس بسماع صوت الحادي، فلا يُتَفَطّن له.
وحجّ مسروق فما نام إلا ساجداً.
وكان المغيرة بن حكيم الصنعاني يحجّ من اليمن ماشياً، وكان له ورد بالليل يقرأ فيه كل ليلةٍ ثلث القرآن، فيقف فيصلي حتى يفرغ من ورده، ثم يلحق بالركب متى لَحِقَ، فربما لم يلحقهم إلا في آخر النهار!!
قال ابن رجب بعد أن ساق هذه الأخبار: ( فنحن ما نأمر إلا بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها، ولو بالجمع بين الصلاتين المجموعتين في وقت إحداهما بالأرض، فإنه لا يرخّص لأحد أن يصلي صلاة الليل في النهار، ولا صلاة النهار في الليل، ولا أن يصلي على ظهر راحلته المكتوبة ).
حذر السلف من الرياء والمباهاة
ومما يجب على الحاج اجتنابه، وبه يتمُّ برُّ حجِّه أن لا يقصد بحجه رياءً ولا سمعة ولا مباهاة ولا فخراً ولا خيلاء، ولا يقصد به إلا وجه الله سبحانه وتعالى ورضوانه، ويتواضع في حجه ويستكين ويخشع لربه.
وقد كان السلف رحمهم الله شديدي الحذر من أن يدخل في عملهم شيء من الرياء أو حظوظ النفس؛ لأنهم يعلمون أن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه صواباً على سنة نبيه . كما قال سبحانه في الحديث القدسي: { من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه } [رواه مسلم]، ولذلك لما قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: ( ما أكثر الحاج! ) قال له ابن عمر: ( ما أقلّهم! ) وقال شريح القاضي: ( الحاجّ قليل، والركبان كثير، ما أكثر من يعمل الخير، ولكن ما أقلّ الذين يريدون وجهه ).
خليلي قطاع الفيافي الى الحمى *** كثيرٌ وأما الواصلون قليلُ
وجوه عليها للقبول علامةٌ *** وليس على كل الوجوه قبولُ
قال عمر بن الخطاب يوماً وهو بطريق مكة: ( تشعثون وتغيرون، وتتلون، وتضحون، لا تريدون بذلك شيئا من عرض الدنيا، ما نعلم سفراً خيراً من هذا )، يعني الحجّ!!
إخواني: سبحان من جعل بيته الحرام مثابة للناس وأمناً، يترددون إليه ولا يرون أنهم قَضَوْا منه وطراً.
لمّا أضاف الله عز وجل ذلك البيت الى نفسه، ونسبه إليه بقوله عز وجل لخليله وطهّر بيتي للطائفين [الحج:26]، تعلقت قلوب المحبين ببيت محبوبهم، فكلما ذُكر لهم ذلك البيت الحرام حنّوا، وكلما تذكروا بُعدهم عنه أنّوا.
رأى بعض الصالحين الحاجّ في وقت خروجهم، فوقف يبكي ويقول: واضعفاه! ثم تنفس وقال: هذه حسرة من انقطع من الوصول إلى البيت، فكيف تكون حسرة من انقطع عن الوصول إلى رب البيت؟!
يحق لمن رأى الواصلين وهو منقطع أن يقلق، ولمن شاهد السائرين إلى ديار الأحبة وهو قاعد أن يحزن.
ألا قل لزوّار دارِ الحبيب *** هنيئاً لكم في الجنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضاً *** فنحن عطاش وأنتم ورودُ
حال السلف في عرفات
أخي الحبيب: كانت أحوال السلف في عرفات تتنوع، فمنهم من كان يغلب عليه الخوف والحياء، ومنهم من كان يتعلق بأذيال الرجاء، ومنهم من كان يغلب عليه الشوق والقلق، ولكنهم كانوا يتساوون جميعاً في الذكر والدعاء والإقبال على الله ومناجاته والانطراح بين يديه.
وقف مطرّف وبكر ابنا عبدالله بن الشخير رضي الله عنهما في الموقف، فقال مطرّف: ( اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي!! ) وقال بكر: ( ما أشرفه من مقام وأرجاه لأهله، لولا أني فيهم!! ).
وقال الفضيل لشعيب بن حرب بالموسم: ( إن كنت تظن أنه شهد الموقف أحد شرّ مني ومنك فبئس ما ظننت! ).
وكان أبو عبيدة الخواص يقول في الموقف: ( واشوقاه إلى من يراني ولا أراه )، وكان بعدما كبر يأخذ بلحيته ويقول: يا رب، قد كَبرتُ فأعتقني، وكان ينشد وهو واقف بعرفة:
سبحان من لو سجدنا بالعيون له *** على شبا الشوك والمحمى من الإبر
لم نبلغ العشر من معشار نعمته *** ولا العشير ولا عشراً من العشر
هو الرفيع فلا الأبصار تدركه *** سبحانه من مليك نافذ القدر
وكان سفيان الثوري ممن يقدم الرجاء في هذا اليوم، فقد قال ابن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان، فالتفت إليّ فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: ( الذي يظن أن الله لا يفغر لهم! ).
وروي عن الفضيل أنه نظر إلى نشيج الناس وبكائهم عشية عرفة، فقال: ( أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقاً – يعني سدس درهم – أكان يردهم؟ قالوا: لا. قال: والله للمغفرة عند الله، أهون من إجابة رجل لهم بدانق!! ).
وإني لأدعو الله أسأل عفوه *** وأعلم أن الله يعفو ويغفر
حال السلف في الطواف
قال عبدالمجيد بن أبي روّاد: ( كانوا يطوفون بالبيت خاشعين ذاكرين، كأن على رؤوسهم الطير وقع، يستبين لمن رآهم أنهم في نسك وعبادة ).
وكان طاوس رحمه الله ممن يُرى فيه ذلك النعت.
ومن العبادات التي تُطلب في حال الطواف: غضّ البصر لوجود النساء مع الرجال أثناء الطواف. قال ابن الجوزي: ( اعلم أن غضّ البصر عن الحرام واجب، ولكم جلب إطلاقه من آفة، وخصوصاً في زمن الإحرام وكشف النساء وجوههن، فينبغي لمن يتقي الله عز وجل أن يزجر هواه في مثل ذلك المقام، تعظيماً للمقصود، وقد فسد خلق كثير بإطلاق أبصارهم هنالك ).
وينبغي على النساء ألا يكشفن وجوههن أثناء الطواف وإن كنّ محرمات، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان الركبان يمرّون بنا ونحن مع رسول الله محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه ).
وينبغي على النساء كذلك ترك مزاحمة الرجال في الطواف، واختيار الأوقات التي يخفّ فيها الزحام، كما كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تفعل، فقد كانت تطوف في ناحية منفردة من البيت بعيدة عن الرجال، وكانت لا تقبل الحجر الأسود ولا تستلمه ولا تستلم الركن اليماني إن كان ثمة زحام.
ولما قالت لها مولاتها: يا أم المؤمنين! طفت بالبيت سبعاً، واستلمت الركن مرتين أو ثلاثاً. قالت عائشة: ( لا آجركِ الله.. لا آجرك الله.. تدافعين الرجال؟! ألا كبّرت ومررتِ! ).
قال ابن المحب الطبري: ( ومن المنكر الفاحش ما تفعله الآن نسوان مكة وغيرهن في تلك البقعة ليالي الجُمع وغيرها من الاختلاط بالرجال، ومزاحمتهن لهنّ في تلك الحال، مع تزيّنهن لذلك بأنواع الزينة، واشتغالهن عند إتيانه بما يوجب الروائح العطرة، فيشوّشن بذلك على متورّعي الطائفين، ويجتلبن بسببه استدعاء نظر الناظرين، وربما طافت إحداهن بل أكثرهن بغير جوربين، ويشقّ على الناس الاحتراز من ملامستهنّ في بعض الأحايين، وهذه مفسدة عظيمة عمّت بها البلوى، وتواطأ الناس على عدم إنكارها ).
فينبغي للعبد أن ينزّه طوافه عن كل ما يوجب شيئاً من ذلك، ولا يأمن عقوبة سوء الأدب وفحش المخالفة هنالك.
قيل إن إسافاً ونائلة، الصنمين المعروفين كانا رجلاً وامراة من جُرهم، دخلا الكعبة، فقبّل أحدهما الآخر فمُسخا حجرين مكانهما.
مشهدُ الحجيج
قال ابن القيم رحمه الله:
أما والذي حج المحبون بيته *** ولبّوا له عند المهل وأحرموا
وقد كشفوا تلك الرؤس تواضعاً *** لعزة من تعنوا الوجوه وتُسلمُ
يُهلّون بالبيداء لبيك ربنا *** لك الملك والحمد الذي أنت تعلمُ
دعاهم فلبوه رضاً ومحبة *** فلما دعوه كان أقرب منهم
تراهم على الأنضاء شُعثاً رءوسهم *** وغُبراً وهم فيها أسر وأنعم
وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبة *** ولم تُثْنهم لذاتهم والتنعّم
يسيرون كم أقطارها وفجاجها *** رجالاً وركباناً ولله أسلموا
ولما رأت أبصارهم بيته الذي *** قلوب الورى شوقاً إليه تضرّمُ
كأنهم لم يَنْصبوا قطّ قبله *** لأن شقاهم قد ترحّل عنهمُ
فلله كم من عَبرةٍ مهراقةٍ *** وأخرى على آثارها لا تَقدمُ
وقد شرقت عين المحب بدمعها *** فينظر من بين الدموع ويُسجمُ
وراحوا إلى التعريف يرجون رحمة *** ومغفعرة ممن يجود ويكرم
فلله ذاك الموقفُ الأعظم الذي *** كموقف يوم العرض بل ذاك أعظمُ
ويدنو به الجبّار جلّ جلاله *** يُباهي بهم أملاكه فهو أكرم
يقول عبادي قد أتوني محبةً *** وإني بهم برّ أجودُ وأكرم
فأُشهدكم أني غفرت ذنوبهم *** وأعطيتُهم ما أمّلوه وأنعمُ
فبشراكمُ يا أهل ذا الموقف الذي *** به يغفرُ الله الذنوب ويرحم
فكم من عتيقٍ فيه كُمل عتقه *** وآخر يَسْتسعي وربُك أكرمُ
وما رُئي الشيطان أغيظ في الورى *** وأحقر منه عندها وهو ألأمُ
وذاك لأمر قد رآه فغاظة *** فأقبل يحثو التُرب غيظاً ويلطمُ
لما عاينت عيناه من رحمة أتت *** ومغفرة من عند ذي العرش تُقْسَمُ
بنى ما بنى حتى إذا ظن أنه *** تمكن من بنيانه فهو مُحْكمُ
أتى الله بُنياناً له من أساسه *** فخرّ عليه ساقطاً يتهدمُ
وكم قدر ما يعلو البناء وينتهي *** إذا كان يبنيه وذو العرش يهدمُ
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.