بحث عن ط§ظ†طھظپط§ط¶ط© طھظˆظ†ط³ ظ…ط¹ظ„ظˆظ…ط§طھ و طھظ‚ط±ظٹط± ظƒط§ظ…ظ„ عن انتفاضة تونس جاهز تخرج
شكلت الانتفاضة الاجتماعية التونسية التي اندلعت شرارتها من مدينة سيدي بوزيد (270 كلم جنوب غرب العاصمة تونس)، نهاية لدورة تاريخية وبداية لمسار جديد، سيكون بالضرورة مختلفا عن المرحلة السابقة. واكتسحت الحركة الاحتجاجية التي فجرها انتحار الشاب محمد بوعزيزي يوم 17 ديسمبر / كانون الأول 2022 أمام مقر محافظة سيدي بوزيد، جميع المحافظات تقريبا، وشملت قرى صغيرة لم يسبق أن تحركت حتى أثناء الإضراب العام الذي دعا إليه الإتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية الوحيدة) في 26 يناير / كانون الثاني 1978، و"انتفاضة الخبز" في 3 يناير / كانون الثاني 1984. وما فعله بوعزيزي لم يكن حركة غير مسبوقة، إذ سمع التونسيون عن أعمال يائسة مشابهة رغم أن وسائل الإعلام الرسمية ظلت تلفها بغلالة كثيفة من الصمت، أو تُقدمها بوصفها حوادث معزولة لا دلالة لها.
"
ما فعله بوعزيزي لم يكن حركة غير مسبوقة، إذ سمع التونسيون عن أعمال يائسة مشابهة رغم أن وسائل الإعلام الرسمية ظلت تلفها بغلالة كثيفة من الصمت، أو تُقدمها بوصفها حوادث معزولة لا دلالة لها.
"اضطرت الخصاصة بوعزيزي، خريج الجامعة، للعمل بائعا متجولا للخضر والفواكه من أجل إعالة أسرته. ولما طاردته الشرطة البلدية وضيقت عليه الخناق حاول مقابلة محافظ سيدي بوزيد أملا بإنصافه، فاحتُجزت عربته وتلقى صفعة من شرطية أهدرت كرامته، فأضرم النار في جسده وتوفي بعد نحو أسبوعين في مستشفى بالعاصمة متأثرا بحروقه. كان لذلك الفعل الخارق صدى بعيدا في الولايات المحرومة، سرعان ما أتى منها رجع الصدى. والعنصر الجديد الذي جعل خميرة التمرد تصل إلى كل المناطق يكمن في الأعداد المتزايدة من خريجي التعليم، وخاصة الجامعات، الذين أنهوا دراستهم ووجدوا أنفسهم فريسة للبطالة والخصاصة، إن في منابتهم الأصلية أم في مستقر الهجرة المؤقت في ضواحي العاصمة أو بعض المدن الكبرى الساحلية. هذا الجيل، الذي كان قطب الرحى في الانتفاضة الاجتماعية، هو بالتحديد أولئك الشبان الذين لم يعرفوا في حياتهم سوى نظام زين العابدين بن علي، والذين فتحوا عيونهم على شعاراته وإعلامه وبرامجه التنموية، إلا أنهم عاشوا واقعا أبعد ما يكون عن تلك الصورة الافتراضية التي لا ينفك يصنعها الإعلام المُوجه ويُروجها في الداخل والخارج.
انتحار وشهادات بلا جدوى
الرهان الأوربي والبطالة المزمنة
الحرب الالكترونية طعم الحرية
الاحتجاجات تتسرب من قبضة الشرطة
نافذة على وجه تونس الجديد
انتحار وشهادات بلا جدوى
والشابان اللذان انتحرا لدى انطلاق الانتفاضة في سيدي بوزيد، وهما محمد بوعزيزي (26 عاما)، وحسين الفالحي (25 عاما) الذي تسلق عمودا كهربائيا مُعلنا قرفه من العوز والبطالة قبل أن يتفحم، يرمزان إلى يأس ذلك الجيل الجديد ليس فقط من تحقيق أحلام المستقبل، التي تملأ صدر رأس كل شاب، وإنما حتى من تأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة. وإذا كانت الإحصاءات الرسمية تُقدر نسبة العاطلين بـ 14 في المائة من القوى التي هي في سن العمل، إلا أن الخبراء الاقتصاديين يؤكدون أنها تتجاوز 20 في المائة في المحافظات الداخلية، وتشمل 30 في المائة من الشبان المنتمين للفئة العمرية ما بين 15 إلى– 29 سنة. وتُعتبر هاتان النسبتان من أعلى نسب البطالة في العالم العربي، ما أوجد قطاعات واسعة من المحرومين والمهمشين الذين شكلوا وقودا للانتفاضة الاجتماعية في مختلف المناطق.
لكن الأهم هو ارتفاع نسبة المتعلمين والخريجين بين هؤلاء العاطلين، الذين شكلوا في السنوات الماضية اتحادا للخريجين العاطلين، إلا أن الملاحقات الأمنية والاعتداءات شلته. وبهذا المعنى فالعاطل التونسي يشكل أنموذجا خاصا لكونه ليس عديم التكوين ولا فاقدا للخبرة، بل إن مستواه العلمي يحول دون عثوره على فرصة للعمل. وخلال العقد الأخير، ارتفعت نسبة الباحثين عن وظائف من بين حملة الشهادات، من 20 في المائة من القوة العاملة سنة 2022 إلى 55 في المائة سنة 2022. وتُعزى تلك المفارقة إلى عدم مواءمة النظام التعليمي لمتطلبات سوق العمل، مما أفرز كتلة بشرية هامة من المهمشين الذين يدفع بهم القنوط إلى الانتحار.
غير أن إحدى السمات المُميزة لظاهرة البطالة في تونس، مقارنة بالمغرب والجزائر مثلا، هي أن مرونة العاطلين تمنحهم القدرة على إيجاد أعمال مؤقتة في قطاعات اقتصادية موازية، مثل بيع الخضار على العربات وغسل السيارات الخاصة والعمل في ورشات البناء، وهو ما أفرز متعلمين يقبعون في أسفل السلم الاجتماعي، ولا يتمتعون حتى بالحقوق التي يتمتع بها الباعة الدائمون أو البناءون العاديون.
وبالنظر لتشدد البلديات التونسية في فرض قوانينها وقراراتها بملاحقة أولئك الباعة الهامشيين يوميا، ما حمل محمد بوعزيزي على الانتحار في سيدي بوزيد، وقبله عبد السلام تريمش في المنستير، اعتبرها الخبراء الاقتصاديون أنها الأكثر تشددا من نظيراتها في الجزائر والمغرب (1). ورأى الخبير الاقتصادي الحسن عشي أن غياب المرونة حال دون جعل القطاع الموازي متنفسا لاحتقان سوق العمل في تونس. وقدر عشي نسبة "فرص العمل" البديلة المتاحة للخريجين في هذا القطاع بـ20 في المائة فقط في مقابل 40 في المائة في المغرب و45 في المائة في الجزائر و50 في المائة في مصر (2).
ومن الطبيعي أن انسداد الآفاق هذا يقود إلى الحلول اليائسة، خصوصا بعدما ساهم استفحال الأزمة الاقتصادية في أوروبا طوال العامين الماضيين في تراجع المراهنة على الهجرة غير الشرعية، التي كان قسم مهم من العاطلين الشباب يلجئون إليها، رغم المخاطر، للتخلص من مرارة البطالة والخروج من مآسيهم.
وفي مناخ مُحتقن كهذا، لا مجال فيه حتى للمخاطرة بالقفز إلى قوارب الموت بعد فقدان الأمل في الجنة الموعودة، تكاثرت ظاهرة الانتحار بوصفها علامة على القنوط ونتيجة لانسداد كافة السبل أمام قطاعات واسعة من الشباب. ويُقدر عدد المُنتحرين في تونس بألف شخص سنويا، وهي نسبة مرتفعة في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 10 ملايين فرد، ما يعني أن هناك مواطنا واحدا يلجأ للانتحار من كل ألف مواطن، على رغم الموانع الدينية والاستهجان الاجتماعي والأخلاقي لهذه "الحلول". ومن الأرقام ذات الدلالة في هذا المجال ما صرح به الدكتور أمان الله السعدي، الأستاذ في كلية الطب ورئيس قسم الإنعاش الطبي بـ"مركز الإصابات والحروق البليغة"، من أن 12 في المائة من الوافدين على المركز هي حالات تخص من حاولوا الانتحار. كما أفاد أيضا أن المركز سجل 280 حالة انتحار في 2022 منذ بداية العام حتى تشرين الأول/ أكتوبر فقط، أي بمعدل 28 حالة شهريا، أو حالة انتحار في كل يوم تقريبا.
الرهان الأوربي والبطالة المزمنة
"
في أجواء الشعور بالحيف الجهوي والغبن الساري بين أبناء تلك المحافظات المنسية، ترعرعت مُسوغات التمرد الجماعي، الذي لم يكن ينتظر أكثر من عود ثقاب، سرعان ما قدحه الشاب بوعزيزي بإقدامه على فعل تراجيدي شديد الرمزية، مكثف الدلالة، بعيد الصدى.
"نهض نمط التنمية الذي تم إرساؤه طيلة العقدين الماضيين على استثمار عنصر أساسي، هو الأيدي العاملة الرخيصة، لمنافسة البلدان المتوسطية المماثلة على استقطاب المستثمرين الأجانب. وركز نمط التنمية هذا على قطاعين أساسيين هما المنسوجات والملبوسات وتصنيع قطع الغيار الميكانيكية والكهربائية والالكترونية، التي تأتي مادتها الأولى من الخارج ثم تعود إليه، من دون الارتباط بحلقات إنتاجية أفقية. ومن هذه الزاوية، لا يحتاج هذا النمط من المصانع إلى ذوي التكوين العالي والكفاءة والمهارة، لأن هؤلاء سيتقاضون مرتبات مرتفعة، وإنما إلى سواعد رخيصة تضمن الضغط على كلفة الإنتاج. وتجاوز عدد تلك المصانع 5624 في 2022، من بينها 2717 مصنع مُصدر بالكامل، وهي تُشغل بين 10 عمال فما أكثر. (3).
والخلل البنيوي الآخر في هذا النمط التنموي اعتماده بصورة رئيسية على الأسواق الأوروبية التي تستأثر بنحو 80 في المائة من صادرات البلد، مما جعل أي ركود في الطلب الأوروبي ينعكس سلبيا بصفة آلية في الاقتصاد التونسي.
أما القطاع السياحي، الذي يشكل مصدر الدخل الثالث بعد الفوسفات والمكونات الكهربائية والميكانيكية، فلا يفتح بدوره آفاقا حقيقية لهؤلاء الخريجين لأنه يعتمد أيضا على ذوي المهارات المتدنية، وهو موجه أساسا للأوروبيين ذوي المداخيل المنخفضة والمتوسطة.
وبالإضافة إلى تلك الأسباب الهيكلية، هناك أسباب ظرفية زادت الوضع اختناقا والشبان ضيقا بحياتهم، في مقدمتها تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي عصفت بالدول الأوروبية في 2022، ما أثر تأثيرا مباشرا في الاقتصاد التونسي. وتجلى ذلك من خلال انكماش الاستثمار، وتراجع الإقبال السياحي، وانخفاض استهلاك الملبوسات والسيارات، مما فاقم من المصاعب التي واجهها الاقتصاد التونسي في 2022 و2017.
وأفادت إحصاءات رسمية أن الاستثمارات الجملية المُستحدثة في القطاع الصناعي تراجعت بـ20 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2022 مقارنة بالفترة نفسها من 2022 . لكن من المهم أن نعرف أن الاستثمارات الأجنبية في تونس تراجعت بين الفترتين بأكثر من 61 في المائة بحسب الإحصاءات نفسها (4).
ربما يمكن للدولة أن تمتص نسبة وإن ضئيلة من طالبي العمل، من خلال التوظيف في القطاع العام، إلا أن الاتجاه الجديد الذي تم إقراره بالاتفاق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنصيحة منهما، هو التخفيف من دوره، وترافقت تلك الاختلالات الهيكلية مع اختلال هام آخر يتعلق بعدم التوازن التنموي بين المناطق الشرقية، الواقعة على الشريط الساحلي، والمناطق الداخلية، وظل هذا التفاوت الموروث من فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة (1956 – 1987) يتعمق طيلة العقدين الماضيين. فبلغ حجم الاستثمار في قطاع الصناعة في المناطق الشرقية 689 مليون دينار(472 مليون دولار) في الأشهر الثلاثة الأولى من 2022 و 587 مليون دينار (402 مليون دولار) خلال الفترة نفسها من 2022، فيما لم يتجاوز الحجم في المناطق الغربية، التي تُعتبر مناطق ظل، 258 مليون دينار ( 177 مليون دولار) في 2022 و172 مليون دينار تونسي (118 مليون دولار) في 2022. بل إن التفاوت ظهر جليا حتى في نسبة التراجع بين مناطق وأخرى، إذ لم يتجاوز 15 في المائة في المحافظات الساحلية، فيما وصل إلى أكثر من الضعف (33 في المائة) في المحافظات الداخلية.
بهذا المعنى نفهم لماذا انطلقت الثورة الاجتماعية غير المسبوقة من الوسط الغربي، وانتشرت أساسا في المناطق المحرومة التي تُعاني من التهميش. وفي أجواء الشعور بالحيف الجهوي والغبن الساري بين أبناء تلك المحافظات المنسية، ترعرعت مُسوغات التمرد الجماعي، الذي لم يكن ينتظر أكثر من عود ثقاب، سرعان ما قدحه الشاب بوعزيزي بإقدامه على فعل تراجيدي شديد الرمزية، مكثف الدلالة، بعيد الصدى.
الحرب الالكترونية طعم الحرية
"
يمكن القول إن جيل هذه الانتفاضة لم يذق طعم الديمقراطية ولم ينعم بتعددية أو بحريات منذ وصوله إلى هذا العالم، بينما أقنعته متابعته لوسائل الاتصال والإعلام الجديدة بأنه لا يقل أحقية ولا تأهيلا عن الشعوب الأخرى في ممارسة الديمقراطية.
"لا يكفي استعراض الأسباب الاجتماعية والاقتصادية للإحاطة بدوافع الانتفاضة، خاصة أن حركة احتجاجية مماثلة تفجرت سنة 2022 في منطقة الحوض المنجمي الواقع في محافظة قفصة (جنوب سيدي بوزيد)، تم تطويقها بواسطة تدابير أمنية وقضائية صارمة. والقاسم المشترك بين الحركتين ليس الانتفاض من أجل الحق في العمل وحسب، وإنما المطالبة بالعدل في توزيع التنمية على المناطق المختلفة. ولم يكن اللجوء إلى الشارع في الحالتين سوى الملجأ الأخير لإبلاغ صوت تحول البيروقراطية والانغلاق الإعلامي دون بلوغه إلى صناع القرار. بهذا المعنى أتت انتفاضة سيدي بوزيد ثمرة لعقدين من الاحتقان الذي لم يعد المواطن يجد في ظله من يسمع شكواه.
ويمكن القول إن جيل هذه الانتفاضة لم يذق طعم الديمقراطية ولم ينعم بتعددية أو بحريات منذ وصوله إلى هذا العالم، بينما أقنعته متابعته لوسائل الاتصال والإعلام الجديدة بأنه لا يقل أحقية ولا تأهيلا عن الشعوب الأخرى في ممارسة الديمقراطية. ولذلك لاحظنا أن مطالب التشغيل والتنمية العادلة تتداخل مع المطالب السياسية، سواء في سيدي بوزيد أم في المدن والقرى التي امتدت إليها الاحتجاجات. فالحكم ظل معزولا عن الشباب رغم أنه حاول طيلة السنوات الأخيرة استمالتهم وتحفيزهم على الانخراط في الهياكل الحزبية والمنظمات الموازية، بما في ذلك منحهم امتيازات مادية. وأظهرت دراسات ميدانية أعدتها مؤسسات رسمية أن الشباب يُعرض عن النشاط السياسي والاجتماعي، ولا يكترث حتى بقراءة الصحف، فضلا عن قراءة الكتب. وشكلت تلك الدراسات تحذيرا للسلطات من عقم سياسة التدجين والتطويق المُنتهجة مع الشباب. إلا أن الدرس المُستخلص منها ذهب في الاتجاه العكسي، إذ أعلنت الدولة سنة 2022 سنة للشباب، وأوجدت في سياقها برلمانا صوريا للشباب، بعد تنزيل سن الانتخاب من 20 إلى 18 سنة. وكانت تلك الإجراءات بمثابة المساحيق التي لم تجتذب الشباب، إذ ظلت المسافة تتعمق بين الجانبين، وطفت تلك القطيعة على السطح عندما اندلعت حرب الكترونية بين أجهزة الحكم وفئات نشطة من الشباب، مازالت فصولها مستمرة إلى اليوم.
بدأت الحرب بقصف مواقع الكترونية منتقدة أو ساخرة وتطورت إلى اعتقال مدونين شبان وإقفال البريد الالكتروني لآخرين، من أجل قطع الشباب عن العالم الخارجي، وخاصة عن حركة التدوين الجريئة في العالم العربي، وتحديدا في مصر. وكان الحكم يخشى، مع انتعاش الحركة النقابية في بعض الجامعات، أن تستعيد الحركة الطلابية الزخم الذي عرفته أيام العهد البورقيبي، وتتحول إلى قوة رفض يصعب ترويضها. لكن لم يتوقع الحكم أن يخرج الشبان بتلك القوة والكثافة إلى الشوارع خلال الانتفاضة، إذ كانوا العمود الفقري للمظاهرات، وإن لوحظ أيضا أنها لم تقتصر عليهم، وإنما شارك فيها أيضا المدرسون والموظفون والنقابيون وكوادر بعض الأحزاب السياسية.
الاحتجاجات تتسرب من قبضة الشرطة
خلافا للحركة الاحتجاجية التي اندلعت في منطقة الحوض المنجمي في محافظة قفصة سنة 2022، اخترقت الحركة الاجتماعية في سيدي بوزيد الحدود التي أريد حصرها فيها، وانتشرت في المحافظات المجاورة لتمتد إلى أرخبيل قرقنة شرقا وبن قردان جنوبا وجندوبة شمالا. وكانت في مقدمة العوامل المُحرضة على التظاهر في تلك المدن الرسائل المتناقلة بواسطة الإنترنت والصور المتبادلة عن طريق "فيس بوك"، حتى أن الدعوة للمظاهرات كانت تنطلق أحيانا من "فيس بوك" لتتناقلها ألسنة الناس وتشيع في أنحاء المدينة أو القرية. إنها ثورة معلوماتية جديدة فرضها الشباب على السلطات فرضا، فاستطاعت الالتفاف على جميع الحواجز وتدمير قواطع الرقابة التي كانت تصادر صحيفة وتحجب مدونة وتقطع خط هاتف جوال.
لم يكن هذا العنصر حاضرا بمثل هذه القوة خلال هبة الحوض المنجمي، ما سهّل على السلطات الأمنية السيطرة على الوضع هناك واتخاذ إجراءات انتقامية بعد تهدئة التوتر، بما فيها سجن من اعتبرتهم "رؤوس الفتنة" ومحاكمتهم. وتقودنا هذه الملاحظة إلى محاولة تبين موقع انتفاضة سيدي بوزيد من الحركات الاجتماعية السابقة في تونس، وكذلك مواطن التشابه والاختلاف بينها وبين هبة الحوض المنجمي القريبة منها زمنيا.
لا خلاف على أن منطلق حركات التمرد الشعبية خلال نصف القرن الأخير كان اجتماعيا، وإن تحولت في كثير من الحالات إلى صدام سياسي مع السلطات، فالإضراب العام الذي شنه الإتحاد العام التونسي للشغل في 26 كانون الثاني / يناير 1978 كان، رسميا، للدفاع عن حرية العمل النقابي في وجه الحزب الحاكم. إلا أنه لم يكن بعيدا عن الصراع على خلافة الرجل العجوز الحبيب بورقيبة، والتي كان الحبيب عاشور، زعيم الإتحاد وغريم الرئيس الراحل، أحد فرسانها البارزين. وأتت الانتفاضة الثانية الكبرى التي سُميت بـ"انتفاضة الخبز"، والتي اندلعت في أواخر 1983 وانتهت يوم 4 كانون الثاني / يناير الموالي، ردا شعبيا عارما على الزيادة في أسعار الخبز، ولم تهدأ إلا بعدما خاطب بورقيبة المواطنين عبر التليفزيون ليُعلن إعادة الأسعار إلى ما كانت عليه قبل الانتفاضة. وكانت انتفاضة الحوض المنجمي (2017) آخر الحركات الجماهيرية التي قادها نقابيون، وإن كان زعماء تلك الانتفاضة مُجردين من مسؤولياتهم النقابية لدى اندلاعها بقرار من قيادة الإتحاد العام التونسي للشغل، قبل الرجوع عن القرار والمطالبة بإخلاء سبيلهم. أما انتفاضة سيدي بوزيد فأتت ممن هم على هامش الدولة والهيئات النقابية والسياسية، إذ لم يجد هؤلاء الشباب محلا لهم من الإعراب في التوليفة الجديدة التي آلت إليها تونس بعد 23 سنة من "عهد التغيير"، والتي لم تمنحهم الوظيفة ولا لقمة العيش ولا حتى الحد الأدنى من الكرامة.
"
لا خلاف على أن منطلق حركات التمرد الشعبية خلال نصف القرن الأخير كان اجتماعيا، وإن تحولت في كثير من الحالات إلى صدام سياسي مع السلطات
"غير أن الانتفاضة سحبت إليها في زخم أمواجها صغار الأجراء والفئات الوسطى خاصة في المناطق الواقعة وراء خط الفقر المُمتد من محافظة جندوبة شمالا إلى محافظتي قبلي وتطاوين جنوبا. وعلى الرغم من أن مركز ثقل الانتفاضة ظل طيلة نحو شهر متمحورا في منطقة الوسط الغربي (سيدي بوزيد والقصرين)، فاللافت أنها اجتاحت أيضا محافظات تُعتبر محظوظة نسبيا مثل صفاقس وبنزرت وسوسة. وهذا يعني أن انتفاضة سيدي بوزيد ارتدت طابعا وطنيا شاملا خلافا لجميع الهبات السابقة في عهد بن علي، وآخرها هبات قصيرة الأمد اندلعت في كل من الصخيرة وبن قردان وجبنيانة وقصر قفصة بنفس الكيفية وتحت نفس الشعارات خلال العامين الماضيين، وهو دليل على أن العناوين التي طرحتها انتفاضة سيدي بوزيد كانت نابعة من شعور عام بالضيم وغياب الحرية يسود جميع المناطق بلا استثناء. وهذه سمة أولى بارزة كانت لها تداعياتها في قرارات الحكومة التي لم تستطع التعاطي معها كقضية مناطقية، مثلما فعلت مع منطقة الحوض المنجمي.
أما السمة الثانية، فكانت متصلة ببعض الآثار الإيجابية لحركات العولمة التي منحت الانتفاضة القدرة على إيصال صوتها وصورتها إلى العالم ساعة بساعة تقريبا، ومكنت المناطق الأخرى من مواكبتها والتجاوب الفوري معها. فما أن سمع الناس بمجزرة القصرين وتالة والرقاب يومي 8 و9 كانون الثاني / يناير حتى سارت المظاهرات في شوارع سوسة وصفاقس، وأعلن النقابيون إضرابا عاما في صفاقس يوم 10 من الشهر الجاري. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الانتفاضة الحالية اتسمت بكثرة عدد المدونين الذين تلاحقهم السلطات بالاعتقال وضرب المواقع ومصادرة الحواسيب، بعدما أدركت خطورة دورهم في تغذية التمرد.
والسمة الثالثة، هي أنها استفادت من تأطير الكوادر السياسية والنقابية الوسطى في مختلف المدن والقرى، خلافا لبعض التحاليل التي أكثرت من الحديث عن "غياب التأطير السياسي". ويكفي استعراض أسماء اللجنة التي قادت التحركات في بوزيد على إثر انتحار محمد بوعزيزي لندرك ثقل الحضور السياسي، ناهيك عن أن الناطق الرسمي باسمها (الذي اعتقلته السلطات ثم اضطرت لإطلاقه) هو عضو قيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض.
وفي هذا السياق ظهر تمايز بين الأحزاب السياسية خلال هذه الانتفاضة بين من انتظر تمييز الخيط الأبيض من الأسود، ومن بادر إلى اتخاذ خطوات عاجلة لحمل الحكومة على الاستجابة لمطالب المنتفضين، على غرار المؤتمر الصحفي الذي عقدته قيادة الديمقراطي التقدمي في اليوم الثامن من اندلاع الأحداث للمطالبة بإقالة وزيري الداخلية والإعلام وإفساح المجال أمام مسؤولي لجنة الانتفاضة لمخاطبة وسائل الإعلام الدولية. وارتقت المعارضة إلى مرحلة أعلى لما توافقت على التنسيق بين تياراتها المتنافسة واتخذت موقفا مشتركا في 9 كانون الثاني / يناير طالب الحكم بوقف إطلاق النار على المتظاهرين وسحب قوات الجيش والشرطة إلى الثكنات. وهذا وجه من وجوه تأثير الحركة الجماهيرية الإيجابي في إنضاج شروط الانتقال من مرحلة إلى أخرى في تاريخ البلد.
غير أن الأحزاب السياسية لم تلتقط شعارا مركزيا في المظاهرات التي جابت مدن البلاد، والذي تردد بقوة حتى في التجمعات النقابية في قلب العاصمة، وهو مكافحة
الفساد ومحاسبة العائلات المتنفذة المتهمة بسرقة ثروة البلاد. ربما تهيبت المعارضة من طرح هذا الملف على الساحة العامة، لكن ذلك لم يمنع المنتفضين من كسر المحظورات ووضع الإصبع على قضية ظلت شغلا شاغلا لفئات مختلفة، بمن فيها فئة من رجال الأعمال، من دون القدرة على ملامسة هذه الصفيحة الحارقة.
نافذة على وجه تونس الجديد
"
من المهم الإشارة هنا إلى أن الانتفاضة الحالية اتسمت بكثرة عدد المدونين الذين تلاحقهم السلطات بالاعتقال وضرب المواقع ومصادرة الحواسيب، بعدما أدركت خطورة دورهم في تغذية التمرد.
"مجمل القول أن الانتفاضة التي اندلعت شرارتها من سيدي بوزيد كانت غير متوقعة من حيث التوقيت والمضمون والأشكال. وكان الحكم يعتقد أنه أفلح في استخدام الأساليب الوقائية التي فككت مصادر المعارضة السياسية والنقابية وسدت جميع منافذ التمرد وأقفلت المجال الإعلامي ومساحات الحركة التي كانت متاحة للمجتمع المدني. غير أن تلك العسكرة لم تؤد سوى لمزيد من العنف لدى فيضان الكأس بنزول قطرة انتحار الشاب بوعزيزي على سطحها.
بهذا المعنى غيرت الانتفاضة وجه تونس لأنها فتحت الأفق أمام تغييرات سياسية ومؤسسية إذا ما اقتنصت المعارضة الفرصة التاريخية المتاحة بعد هذا الزلزال الاجتماعي غير المسبوق. ومن المؤكد أن المعارضة تذكر حصاد الصك الأبيض الذي أعطي للحكم الجديد بعد الإطاحة بالرئيس الراحل الحبيب بورقيبة سنة 1987، لما تتعاطى مع مستجدات 2022 وما سيتلوها.
تضييق متزايد على الإعلام
الانتفاضة الشعبيّة تتصاعد في مختلف المناطق التونسيّة، بعد تزايد حدّة القمع ومواجهة المتظاهرين بالرصاص… وفي الوقت نفسه، تحكم السلطات القمعيّة قبضتها على وسائل الإعلام
زوجة الرئيس التونسي وبناتها يفرون للإمارات خوفا من "الانتفاضة".. والجيش يتسلم مقاليد الأمور
أكدت مصادر تونسية هروب سيدة تونس الأولى السيدة ليلى بن علي، زوجة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، للخارج برفقة بناتها، خشية حدوث تطورات غير متوقعة، نتيجة أحداث الشغب والاحتجاجات التي تشهدها عدة مدن تونسية منذ أيام.
ولم ترد السلطات التونسية سواء بنفي أو تأكيد هذه الأنباء، كما لم تظهر السيدة الأولى كالعادة على شاشة القناة التونسية الرسمية "تونس 7" التي يلقبها التونسيون بـ"البنفسجية".
وأكد مصدر تونسي إن زوجة الرئيس التونسي سافرت برفقة بناتها إلى دولة الإمارات، حتى تهدأ الأمور في المدن التونسية، وأنها ستتابع من هناك ما يجري ويدور على الأرض.
في هذه الأثناء اعترفت الحكومة التونسية، على لسان الناطق الرسمي باسمها، بأن الجيش استلم فعلا مقاليد الأمور في المدن التونسية الملتهبة.
وأكد سمير العبيدي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية، تعليقا على دخول قوات من الجيش لمدن تونسية تشهد احتجاجات، أن الحكومة فهمت جيدا الرسالة، وستتخذ إجراءات تصحيحية، مشيرا إلى أنه سيتم استخلاص العبرة من أجل تصحيح ما يمكن تصحيحه.
وأفادت مصادر متطابقة عن تجدد المواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن التونسية، أول أمس الاثنين، في وسط غرب البلاد، بينما قضى رجل أصيب الأحد الماضي بالرصاص بعد نقله إلى المستشفى.
وشهدت ثلاث مدن هي القصرين وتالة والرقاب وسط غرب البلاد أعمال عنف، احتجاجا على البطالة، وتجدد أعمال الشغب التي تهز تونس منذ منتصف ديسمبر الماضي، وأسفرت عن سقوط 14 قتيلا، حسب آخر حصيلة رسمية.
والاحتجاجات والمظاهرات أمر نادر الحدوث في تونس التي يحكمها الرئيس زين العابدين بن علي منذ 23 عاما.
من جهة أخرى، أعربت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عن انشغال عميق واستنكار شديد من قتل عدد من المواطنين إطلاق النار على المدنيين المتظاهرين.
ودعت إلى وضع حد فوري لهذا التصعيد الأمني وإرجاع قوات الجيش إلى ثكناتها والإقلاع عن استعمال الذخيرة الحية ضد المدنيين مهما كانت المبررات. كما دعت إلى احترام حق التجمع والتظاهر السلمي، ورفع الحصار عن قوى وفعاليات المجتمع المدني لتتمكن من تأطير الاحتجاجات حتى لا تنزلق نحو العنف.
وطالبت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بإجراء تحقيق فوري ومستقل لتحديد المسؤولين أمرا وتنفيذا عن سقوط ضحايا مدنيين بالرصاص الحي وتحميلهم مسؤوليته الجزائية، مشددة على إطلاق سراح جميع الموقوفين أثناء الأحداث أو على خلفيتها.
انتفاضة تونس تطيح وزير الداخلية التونسي وفريعة يخلفه
انتفاضة تونس تطيح وزير الداخلية التونسي وفريعة يخلفه
أعلن رئيس الوزراء التونسي أن الرئيس زين العابدين بن علي أقال وزير الداخلية السابق رفيق بالحاج قاسم وأمر بفتح تحقيق في اتهامات بالفساد طالت بعض المسؤولين وبإطلاق سراح المعتقلين خلال الاحتجاجات الشعبية. وقال رئيس الحكومة التونسية محمد الغنوشي إن الرئيس أمر بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق في الفساد وممارسات بعض المسؤولين وأنه عين أحمد فريعة وهو أكاديمي سابق ووزير دولة وزيرا جديدا للداخلية
وكان الرئيس التونسي اجرى تعديلا وزاريا على خلفيىة الاضطرابات التي تشهدها البلاد احتجاجا على البطالة وتدني المستويات المعيشية وطال التعديل وقتها وزيري الشباب والاتصال. وكان المحتجون نادوا بضرورة اقالة وزيري الاتصال والداخلية.
اتفاضة الشباب اليائس: 20 قتيلاً في القمع التونسي
تونسي بعد مشاركته في احدى التظاهرات أول من أمس (حسيني دريدي ــ أ ب)
لعل القراءة الأكثر صدقيّة لتظاهرات تونس والجزائر، تلك التي تضعها في إطار تعرية «الأنظمة الفاشلة» التي فقدت كل اتصال مع شبيبتها، وأصبحت صمّاء ومنهمكة في هروب إلى الأمام قد يبشّر بأيام سوداء وبطول عدم استقرار، ويرسم صورة لدول فقدت السير مع الركب الدولي وخسرت معركة الحداثة
بشير البكر, سفيان الشورابي
ربما تحسّر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وهو يزور ما بقي من شخص أقدم على الانتحار (محمد بوعزيزي) وينتظر بين فنية وأخرى زفرته الأخيرة. وربما أدرك الحالة التي وصلت إليها تونس تحت حكمه. لكن اقتراحه منح عائلة القتيل 20 ألف دينار (12 ألف دولار) وتوظيف أخته ليلى في العاصمة لن يحلا كل مشاكل الشبيبة. شباب يضطرون إلى الموت انتحاراً
، في ظاهرة لم يتورع مفتي تونس «الرسمي» عن تحريمها وتحريم الصلاة على من أقْدَم عليها. وهي صورة غير بعيدة عن فتوى شيخ الأزهر الراحل محمد سيّد طنطاوي بحق غرقى الهجرة السرية المصريين، معتبراً أنهم ليسوا شهداء، في تناغم مع سياسة تقودها الدول العربية المُطلّة على البحر الأبيض المتوسط، لخنق الأمل الأخير لهذه الشبيبة الضائعة واليائسة، في مقابل مساعدات ورشى، اعتبرها معمر القذافي غير كافية.
الأمور في تونس لم تهدأ، والحرب بين النظام الذي لا يريد أن يسمع آهات شبيبته الضائعة، وبين شباب لم يعد له ما يخسره ومستعد لكل شيء من أجل إثبات وجوده، مستمرة وتتخذ أبعاداً جديدة. وعدد القتلى في تزايد وأيضاً محاولات الانتحار (تتحدث الأخبار عن عشر محاولات انتحار، حرقاً)، ولن توقفهم فتوى «شيخ» السلطة.
ولعل انضمام أكبر نقابة عمالية تونسية (الاتحاد العام التونسي للشغل) الى مطالب المحتجين، بعد تردد طويل، يدل على أن النقابة العمالية تخاف من انكشاف عورتها أمام عموم الطبقة العمالية، أو أن الأمر لا يخلو من محاولة ركوب الموجة، للإمساك بالحركة الاحتجاجية والتفاوض من أجل قبرها، كما يحدث في كثير من دول العالم الثالث، وفي مقدمها الدول العربية.
وإذا كانت أخبار السبت والأحد قد حملت نبأ مقتل أكثر من 20 تونسياً لينضموا إلى القائمة التي تزداد بضحايا الانتحار ورصاص الشرطة كل يوم، فهذا لن يبشر بنهاية سريعة للاحتقان، بل سيترك بصمات ظاهرة على العلاقات بين السلطة السياسية وعموم الشعب، ربما ستستمر خلال فترة طويلة.
لن يكون الأمر كما في السابق، هذا ما يقوله العديد من التونسيين، فالأمر وصل إلى مستوى غير مسبوق في التعامل بين السلطة والمواطنين، تغذيه أنهار الدم التي سالتْ. يقول أحد الحقوقيين التونسيين: «إن السلطة فقدت صدقيّتها. التنمية الاجتماعية والإقليمية التي وعدت بتحقيقها ليست سوى كذبة كبيرة». وفي غياب الحريات السياسية، وعد النظام باستفادة الجميع من النموّ الاقتصادي، لكن الشعب لم يَرَ شيئاً من كل هذا. البطالة تمسّ 15 في المئة من السكان، كما أنها تمسّ واحداً من كل ثلاثة من ذوي الشهادات الجامعية. أما في سيدي بوزيد، التي انطلقت منها شرارة الانتفاضة، فلا صناعة ولا فنادق سياحية. وتصل البطالة فيها إلى 48 في المئة، فيما 60 في المئة من الشباب من دون عمل.
وإذا كانت الدولة البوليسية لا تزال تخيف المواطنين، وخصوصاً في العاصمة والمدن الكبرى، فإنها لم تعد تخيف الكثيرين في سيدي بوزيد. هناك الناس ليس لديهم ما يخسرونه، كما يقولون، كما أن منطقتهم هي التي فجّرت المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي.
وإذا كانت العوامل المحركة للانتفاضة كثيرة، فإن محرّكها الرئيسي يبقى بطالة أصحاب الشهادات العليا، وهو ما يعدّ فشلاً كبيراً لبلد تباهى كثيراً بأنه حقق إنجازات كبيرة في محو الأمية وفي احتضانه أكبر نسبة من أصحاب الشهادات العليا.
وقد حققت تونس في غضون ثلاثين سنة تطوراً جامعياً يفوق بكثير كل الدول التي كانت في وضعيّة تونس. لكنها وجدت نفسها أمام فائض كبير من أصحاب الشهادات العليا، عجزت الإصلاحات البنيوية الكبرى، التي أنجزتها تونس في حقبة ما بعد بورقيبة، عن استيعابهم، وألقت بهم في الشارع. وهو ما أشعل فتيل الانتفاضة. ولعل المراقبين لمستجدات التظاهرات في تونس لاحظوا أن الحركة الحالية تشهد حضوراً قوياً ولافتاً لشرائح لم تتظاهر قط في السابق. وهو ما يعني إفلاس الحكومة، وفقدانها لقاعدتها السابقة. ويزداد الأمر تعقيداً وخطورة في المستقبل بسبب غياب أحزاب سياسية حقيقية (قادرة على تقديم البديل، وإحداث التناوب والتداول السلمي للسلطة)، ومعارضة قادرة على الجهر بمعارضتها، بدل الجهر بانتقاد وسائل الإعلام الأجنبية والحديث عن تدخلات ومؤامرات أجنبية وهمية، في غالب الأحيان.
أمام هذا الواقع، لجأ بن علي إلى القمع الدموي، إذ بلغت حصيلة قتلى رصاص شرطة مكافحة الشغب 20 شخصاً على الأقل. عددٌ من المرجح أن يرتفع نظراً الى خطورة العديد من الإصابات، في ظل أنباء إطلاق الشرطة مساء أمس النار على مشاركين في تشييع أحد القتلى.
غير أن الحكومة التونسية لم تعترف بالقتلى العشرين، مشيرة إلى أن عدد القتلى فقط 14، فيما ذكرت صحيفة «اللوموند» الفرنسية أنها تعرفت إلى هوية 11 قتيلاً، بينهم الشابة آمال بولاجي (26 عاماً).
وقال بيان لوزارة الداخلية «أسفرت الاحداث عن مقتل أربعة مهاجمين بالرقاب وإصابة اثنين منهم بجروح خطيرة. كما أسفرت الاحداث في القصرين عن قتيلين من المهاجمين وثلاثة جرحى في حالات متفاوتة». وكان الوزارة اعلنت في وقت سابق عن سقوط ثمانية قتلى في القصرين وتالة خلال مواجهات جرت الليلة قبل الماضية.
وبررت وزارة الداخلية التونسية إطلاق النار بأنه كان «دفاعاً شرعياً بعد تحذيرات بسبب إقدام مجموعات على تخريب ونهب وحرق مؤسسات بنكية ومركز للأمن ومحطة وقود»، فيما أكد شهود عيان لـ«الأخبار» أن قوات مكافحة الشغب عمدت الى استفزاز المتظاهرين وشتمهم والتطاول على عائلاتهم، وأن البعض منهم نهب ممتلكاتهم واعتدى على منازلهم.
وقال شاهد يدعى شكري هاينوني من مدينة القصرين لـ «رويترز» عبر الهاتف ان شبانا يرمون حجارة وزجاجات حارقة وان الشرطة تفتح النار في كل مكان بالشوارع. وقال شاهدان في مدينة الرقاب، التي تقع على بعد 210 كيومترات غربي تونس العاصمة، ان ثلاثة أشخاص بينهم امرأة قتلوا في اشتباكات مع الشرطة هناك. وأضاف كمال العبيدي، وهو نقابي لـ «رويترز» انه شاهد بأم عينه ثلاث جثث.
رقعة الاحتجاجات وصلت أمس إلى مدينة سوسة، مسقط رأس بن علي. وذكرت معلومات أن مصادمات عنيفة وقعت في حي الرياض في سوسة، بعد التحام محتجّين بجمهور كرة القدم. وقالت مصادر لـ«الأخبار» إن القوات الأمنية اعتدت على أملاك المواطنين في شارع التوفيق بحي الرياض، أكبر أحياء سوسة سكاناً، وحطّمت المقاهي والأملاك الخاصة، واستعملت الغاز المسيل للدموع بكثافة.
لانتفاضة التونسية: تضييق متزايد على الإعلام
تونس ــ الانتفاضة الشعبيّة تتصاعد في مختلف المناطق التونسيّة، بعد تزايد حدّة القمع ومواجهة المتظاهرين بالرصاص… وفي الوقت نفسه، تحكم السلطات القمعيّة قبضتها على وسائل الإعلام. هكذا أعلنت إدارة تحرير صحيفة «الموقف» المعارِضة أخيراً أن السلطات التونسية عمدت إلى حجز العدد 574 (عدد يوم الجمعة الماضي) بحجة «حصول عطل فني في المطبعة». وجاء في بيان صادر عن الصحيفة أنه لُجئ «إلى الأسلوب نفسه لمنع طبع عدد سابق من الجريدة في أيلول (سبتمبر) الماضي قبل أن يسمح بتوزيعه في الأسواق، بعد إعلان مدير «الموقف» إضرابه عن الطعام». وذكر البيان أن العدد المحجوز تضمن «تغطية للتحركات الاحتجاجية التي تعمّ أرجاء البلاد، وعنواناً على الصفحة الأولى دعا فيه «الحزب الديموقراطي التقدمي» إلى حل وزارة الاتصال لإخفاق النظام الإعلامي في تغطية الأحداث الحالية… ولما يرمز إليه هذا النظام من خلط بين النشاط الحكومي والقطاع العمومي للإعلام…». ورأت إدارة «الموقف» «أن هذا الحجز يقدّم دليلاً إضافياً على أن تغيير وزير الاتصال، الأسبوع الماضي، لم يأت بأي جديد، وأن إيقاف عدد من نشطاء الإنترنت وتصاعد حجب عدد من المواقع الإلكترونية… يؤكدان التدهور الذي بلغه الوضع الإعلامي في تونس».
وكانت صحيفتا «الموقف» و«الطريق الجديد» قد تعرّضتا للحجز، قبل أسبوعين، من قبل شركة التوزيع التي رفضت إرسال الأعداد إلى نقاط البيع! ويرى مراقبون أن رغبة السلطات التونسية في فرض حالة من التعتيم الإعلامي على الفورة الشعبية العفويّة الي تشهدها البلاد، على خلفيّة مطلبيّة واجتماعيّة، يدفعها إلى زيادة حدّة البطش ومحاصرة الإعلام الحرّ والنقدي، بكل الوسائل الممكنة.
وفي حديث إلى «الأخبار»، قال الصحافي التونسي في قناة «الجزيرة»، بسام بونني، إنه لا يمكن إخفاء الحقيقة اليوم: «المواطنون التونسيون تطوّعوا لنشر الأخبار والصور والتسجيلات، وأكدوا حرصهم على توخّي الحذر والتأكد من المعلومة قبل نشرها». وأضاف «لم ولن يفلح النظام في تغيير سياسته الإعلامية بسبب عدم إيمانه بأنّ الحريات صمام أمان ضد الانحرافات، وليست تهديداً لأمن البلاد». وتحول موقعا «فايسبوك» و«تويتر» إلى مصدر الأخبار الأول في تونس، وذكر شهود عيان أن الشرطة ضيّقت خلال الأيام الماضية على عدد من التونسيين الذين نزّلوا بعض مقاطع الفيديو التي تتضمن مواجهات بين قوات الشرطة والغاضبين. كذلك قرصنت هيئات الرقابة عدداً من الحسابات الشخصية للتونسيين، ما دفع الإدارة الأميركية إلى استدعاء السفير التونسي في واشنطن. وعبّر المتحدث باسم الخارجية الأميركية، بي جي كراولي، عن قلق الولايات المتحدة من التضييق على الإنترنت. أما الحكومة الفرنسيّة، فما زالت تتعاطى بحذر مع تعاطي نظام بن علي مع حركة الاحتجاج الشعبية التي تشهدها البلاد.
اليوم 14-1-2017
آلاف التونسيين يطالبون برحيل الرئيس زين العابدين بن علي خلال تظاهرة أمام وزارة الداخلية
تحرّكات الشارع التونسي 2
بن قردان من مصادر موثوقة : ميليشيا من الملثمين تمتطي سيارة رباعية الدفع تغتال الأستاذة بإعدادية الفاضل بن عاشور نرجس نويرة ( في مدنين ) بست رصاصات اليوم حوالي الساعة الثامنة مساء.
مدنين: مظاهرات الآان في مدنين بعد مقتل الأستاذة نرجس نويرة و الجيش يتدخل لمنع الشرطة من إطلاق النار على المتظاهرين: الجيش يبذل مجهودات كبيرة لحماية المتظاهرين و يتعرض لإبتزاز من طرف البوليس.
مدنين ( بنقردان ): مظاهرات الآان في مدنين بعد مقتل الأستاذة نرجس نويرة و الجيش يتدخل لمنع الشرطة من إطلاق النار على المتظاهرين: الجيش يبذل مجهودات كبيرة لحماية المتظاهرين و يتعرض لإبتزاز من طرف البوليس
مشهد مؤثر:الجيش يحيي شهداء تونس
الوقفة التضامنية أمام سفارة النظام التونسي في الرباط أمس:
بوحدتنا ننتصر ..
قوى أمنية تتدخل :
بن علي: لا رئاسة مدى الحياة ولن اترشح لانتخابات 2022
13.01.2017 آخر تحديث [22:27] Tunis TV
اكد الرئيس التونسي زين العابدين بن على في خطاب موجه للشعب التونسي يوم الخميس 13 يناير/كانون الثاني انه يفهم التونسيين ويفهم مطالبهم، مضيفا ان لا رئاسة في تونس مدى الحياة. وقال بن علي " كفى لجوءاللرصاص واعطيت اوامري لوزير الداخلية بوقف ذلك"، مشيرا الى انه سيعلن عن تغييرات استجابة لمطالب الشعب.
واعلن بن على عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في 2022.
واضاف بن علي انه اعطى اوامر لوزير الداخلية بعدم اطلاق النار الا في حالات قصوى، مشيرا الى انه لم يقبل ابدا ان تسيل قطرة من دماء التونسيين.
وذكر بن علي انه اعطى اوامره للتفريق بين الجماعات المنحرفة والناس العاديين، مضيفا انه قد تمت مغالطته من قبل المسؤولين وستتم معاقبتهم.
واضاف بن على: "اطالب اللجنة المكلفة بالتحقيق بتحديد مسؤولية كل الاطراف في هذه الاحداث".
ووعد الرئيس التونسي بدعم الديمقراطية وتفعيل التعددية واعطاء الحرية كاملة للاعلام بكل وسائله ورفض أي شكل من اشكال الرقابة وعدم غلق الانترنيت.
واكد بن على انه اعطى اوامر للحكومة بتخفيض اسعار السلع كالخبز والسكر والحليب.
هذا وسمع صوت طلقات نارية في قلب العاصمة التونسية ، كما قامت الشرطة باغلاق احدى المناطق في العاصمة. وقد اسفرت المواجهات في البلد منذ تجددها اليوم عن مقتل 7 أشخاص وإصابة العشرات بالإضافة إلى حدوث خسائر مادية جسيمة .
قتلى وجرحى واطلاق نار في اشتباكات عنيفة وسط العاصمة تونس
13.01.2017 آخر تحديث [21:30] AFP PHOTO / FETHI BELAID
وحدات من الجيش وسط العاصمة تونسسمع صوت طلقات نارية يوم الخميس 13 يناير/كانون الثاني في قلب العاصمة التونسية ، كما قامت الشرطة باغلاق احدى المناطق في العاصمة. وقد اسفرت المواجهات في البلد منذ تجددها اليوم عن مقتل 7 أشخاص وإصابة العشرات بالإضافة إلى حدوث خسائر مادية جسيمة .
واندلعت مواجهات عنيفة في كل من منتجع الحمامات السياحي ومحافظة المنستير لاول مرة، واقدم المحتجون على حرق وتخريب عدة ممتلكات وملاهي تعود لعائلة ومقربين من الرئيس زين العابدين بن على، وذلك حسب تقارير اعلامية.
ونقلت تقارير اعلامية عن شهود عيان أن فرقا من القوات الخاصة والقناصة انتشرت في الشوارع وعلى أسطح الأبنية الكبيرة في قلب العاصمة.
وقال شاهد عيان وقريب لشاب يدعى مجدي نصري (25 عاما) انه لقي حتفه بعدما اصيب برصاصة في رأسه في اشتباكات مع الشرطة في ضاحية التضامن بالعاصمة التونسية يوم الخميس.
هذا وادت الفوضى العارمة التي تجتاح العاصمة تونس الى توقف وسائل النقل في غرب العاصمة وجنوبها.
كما شوهد دخان اسود يتصاعد في العاصمة عن بعد وغطى الناس افواههم لتجنب استنشاق الدخان.
وافادت مصادر ان هناك مواجهات عنيفة في مدينتي قفصة ونابل بين الاف المتظاهرين ورجال الامن.
وقال شهود في بلدة سيدي بوزيد التي بدأت فيها الاضطرابات قبل قرابة شهر ان عدة الاف من المحتجين ساروا في الشوارع ورددوا شعارات مناهضة للحكومة.
تضارب في عدد قتلى المواجهات
وهناك تضارب كبير في عدد قتلى هذه الاحداث فبينما العدد الرسمي للقتلى المدنيين في الاحتجاجات هو 23 شخصا، قالت الامم المتحدة ان جماعات معنية بحقوق الانسان تقدر عددهم بنحو 40.
من جهة اخرى قالت وكالة الانباء الفرنسية ان مواجهات في احدى ضواحي تونس اسفرت عن سقوط ثمانية قتلى مما ادى الى ارتفاع الحصيلة الى 66 قتيلا منذ منتصف كانون الاول/ديسمبر. حسب الاتحاد الدولي لرابطات حقوق الانسان.
وقالت رئيسة الاتحاد سهير بلحسن "إن بحوزتها لائحة بأسماء 58 شخصا قتلوا منذ اندلاع الاحتجاجات منذ قرابة الشهر، وكانت مصادر الفدرالية تحدثت عن سقوط 8 قتلى ليلة أمس في تونس العاصمة ليرتفع عدد القتلى إلى 66 قتيلا".
واضافت "انها مجزرة مستمرة. اهم اولوية اليوم هي وقف هذه المجزرة".
بن على يقيل اثنين من كبار مستشاريه
من جانبه أقال الرئيس التونسي واحدا من كبار مستشاريه بالاضافة الى الناطق الرسمي باسم الرئاسة.
من ناحية أخرى، عقد مجلس النواب التونسي جلسة استثنائية لمناقشة الأحداث التي شهدتها البلاد أخيرا، ودعا الى نشر الجيش الذي كان انسحب من العاصمة في وقت سابق اليوم في جميع انحاء البلاد.
وحضر الجلسة رئيس الوزراء محمد الغنوشي وعدد من أعضاء الحكومة التونسية. وبحث المجلس, حسبما أفادت الإذاعة التونسية, استحداثات فرص العمل التي أعلن عنها إبان هذه الأحداث.
كما استمع المجلس إلى بيان من وزير الداخلية الجديد أحمد فريعة حول الأحداث.
قلق غربي من الوضع في تونس وتحذيرات للرعايا من السفر اليها
هذا واعرب رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون عن قلق بلاده للاستخدام المفرط وغير المتكافئ للقوة في تونس.
وحثت كل من وزارات الخارجية الامريكية والسويسرية والهولندية رعاياها على تجنب السفر غير الضروري الى تونس وذلك بسبب الاضطرابات العنيفة.
وفي وقت سابق من يوم الخميس افادت وكالة "رويترز" نقلا عن شهود عيان ان عدد القتلى، الذين سقطوا يوم الاربعاء في الاشتباكات مع الشرطة في تونس قد ارتفع الى حوالي 5 اشخاص بالرغم من المحاولات الحكومية لوقف أسوأ اضطرابات تشهدها البلاد منذ عقود