أولاً :- مدخل البحث :-
القواعد الأساسية التي اعتمدنا عليها في معالجة هذا الموضوع وهي :-
1- اعتمدنا في هذه الدراسة على عدت نظريات :-
أ- نظرية الارتباط allachment theory لــ( جون بولبي ) Bowlby .
ب – نظرية التطور المعرفي congnitive – developmental لــ( جان بياجيه ) piaget .
ج- نظريات التعلم learning theories .
د- نظرية القلق anoiety لــ( فرويد ) والتي لا تنفصل عن نظريته الأساسية ، الطاقة النفسية ، ( Libido ) .
2- نظراً للخلاف الذي حصل بين الدارسين حول مفهومي الخوف والقلق ، تبنينا في هذا البحث مفهوم الخوف كمصطلح عام ليشمل كل أنماط السلوك والمشاعر الدالة على تصور الفرد للخطر ، سواء ارتبط بموضوع خارجي أم داخلي / حقيقي أم متخيل / محدد أم عام .
3- تم إعداد مقياس مخاوف ط§ظ„ط°ط§طھ ، ومقياسي ط§ظ„ط§طھط¬ط§ظ‡ط§طھ ط§ظ„ظˆط§ظ„ط¯ظٹظ‡ في ط§ظ„طھظ†ط´ط¦ط© ( نموذج الأم ونموذج الأب ) ليجيب عنها الطفل ، نظراً لاقتناعنا بأهمية دراسة الظاهرة النفسية ط§ظ„ط§ط¬طھظ…ط§ط¹ظٹط© من وجهة نظر الطفل نفسه . فمعاملة الوالدين كما يتمثلها الأبناء هي أكثر ارتباطاً بنمو الطفل من ارتباطها بالسلوك الفعلي للوالدين وأصدق من شعور الوالدين الحقيقي .
4- ركزنا في الجانب النظري على دراسة مرحلة ميلاد الذات ، وتشمل السنة الأولى والثانية من عمر الرضيع ، باعتبارها الأساس لنمو يسير في اتجاه ايجابي أو سلبي . ونظراً لأننا تبيننا في هذه الدراسة وجهة النظر التي ترى أن الخوف استعداد عام أو سمة منم سمات الشخصية ، وبالتالي مدى قابلية الطفل للخوف يرتبط بنوعية التفاعل بينه وبين القائمين على تربيته .
ثانيا :- الإشكالية :-
تولد ذات الطفل بتفاعلها مع الأفراد القائمين على تربيته ، وتكتسب مرحلة ميلاد الذات أهميتها من كونها عملية نمو نفسي اجتماعي تتم تدريجياً ، وبذلك فهي تختلف عن الميلاد البيولوجي . فالميلاد البيولوجي والميلاد النفسي ليسا متزامنين . الميلاد البيولوجي هو الانفصال الجسمي عن الأم ، أنه حدث مفاجئ يمكن ملاحظته وتحديده . أم الميلاد النفسي فإنه عملية داخلية تتم تدريجياً ، إنه عملية انفصال ذات الطفل وتفردها واستقلالها عن ذوات موضوعات الارتباط الأولى ، إنه التوصل للذاتية وللمعرفة الأولية لمعنى الوجود ، المعنى الذي يجعل الطفل يقول ( هذا أنا ) . والوجود لايعني شيئاً بنفسه ، إنما يتخذ معناه ودلالته بوجود الآخر، والآخر المغاير . فالذات تولد وتنمو من ملتقى وعيي لنفسي وعيي للآخر كمختلف ومغاير وبالتالي وعيي لوعيه لي . ميلاد الذات ونموها ما هو إلا عملية الإنفصال – التفرد the separation individuation الانفصال عن الآخر كمغاير ، والعلاقة الضرورية معه كموضوع ارتباط attachment ومحدد للوجود الفردي . إنها عملية تنمو مع البناء العقلي . فيكون أساس تمثل الذات والآخر خبرة الرضيع مع موضوعات الارتباط الأولى ( أم – أب ) وتستمر في النمو طوال الحياة بحيث إن كل مرحلة جديدة ماهي إلا إمتداد أو إعادة بناء لما سبقها من مراحل . فالانفصال والتفرد عمليتان يتمم كل منهما الآخر فالرضيع يمكنه الانفصال التدريجي عن موضوعات ارتباطه مع نمو قدرته العقلية لتمثل الموضوعات في غيابها ، والتفرد يتضمن إنجازات الطفل بمساهمة الآخر والتي تؤدي إلى خلق الذات الفردية . نهاية العام الثاني وبداية الثالث تولد الذات . وهذا لا يعني نقطة نهائية . فالسنة الأولى والثانية من عمر الطفل تكون أساساً وقاعدة لعلمية نمو الذات المستمرة طوال الحياة ، إنها الأساس لنمو يسير في اتجاه ايجابي أو سلبي . تولد الذات وتنمو نتيجة الارتباط بالموضوعات ، والشعور بالخوف يكون محتملاً عند توقع الانفصال عن هذه الموضوعات سواء أكان الإنفصال عن هذه الموضوعات سواء أكان الانفصال حقيقياً أم متخيلاً . مع بدايات الوعي بتميز الذات تتضح سلوكات الرضيع الدالة على زيادة الارتباط بالأم ودلائل الخوف من الغرباء . فأولى مخاوف الذات هي الخوف من الانفصال والخوف من الغرباء ويظهر كل منهما كنتيجة الارتباط الرضيع غير المميز بالأم بدءاً من الأيام الأولى بعد الميلاد إلى الارتباط المميز في نهاية الشهر السابع . رغم أن موضوع الارتباط الأول للطفل هو الأم إلا أن الأبحاث بينت أن دور الأب لا يقل أهمية عن دور الأم في الارتباط الآمن عند الرضع فرغم الوقت – الأقل نسبيا – الذي يمكن أن يقضيه الآباء مع أطفالهم الرضع ، إلا أن الرضع يظهرون بوضوح تعلقاً بآبائهم إن الخوف من الانفصال والخوف من الغريب أو غير المألوف ، ملازم لميلاد الذات ويعاد بناؤه مع كل مرحلة جديدة ومع كل ارتباط بموضوعات جديدة . حيث الذات تنمو باستمرار ومدى الحياة نتيجة الارتباط بالموضوعات سواء أكانت هذه الموضوعات شخصاً أو فكرة أو رمزاً … ومرحلة ميلاد الذات أساس وقاعدة لكل مرحلة تالية . فالطفل منذ الميلاد وامتداداً لسنوات طفولته يبني تمثلات عن سلوك أشخاص الارتباط وتقوم كل توقعاته مع الآخر فيها بعد على أساس هذه التمثلات . يبني تمثلات عن سلوك أشخاص الارتباط بما فيها طبيعة العلاقة الثنائية التي تربط ( أم – أب ) . لذا فإن شدة الخوف من الانفصال والغرباء تعتمد على طبيعة الارتباط بالموضوعات الأساسية . لذلك يمكننا أن نميز نوعين من الارتباط – كما أشر إلى ذلك بولبي – ارتباط آمن Secure attachmenttوارتباط قلق أو غير آمن Unsecure attachment وما بينهما من درجات … فالطفل خلال خبرته مع موضوعات الارتباط الأساسية ( أم – أب ) يبني نموذجاً لموضوع ارتباط يمكن أن يكون صعب المنال وكلما كان النظام أكثر استقراراً وتوقعاً ، كلما مال ارتباط الطفل لأن يكون أكثر اطمئناناً . وكلما كان النظام أكثر تقلباً وغير متوقع كلما كان سلوك الارتباط أكثر قلقاً . وعندما يكون موضوع الارتباط صعب المنال فإن الطفل سيكون أكثر قابلية للاستجابة بالخوف في مواجهة المواقف المحتمل إثارتها للخوف مقارنة بالطفل الذي يشعر بالثقة والاطمئنان لموضوع ارتباطه … وهكذا يزداد استعداد الطفل ذو العلق القلق لأن يخاف في مواقف لا تحصى ومحتمل إثارتها للخوف حسب بولبي . الدراسات الحديثة في مجال علم النفس التجريبي ، تؤكد قدرة المواليد على الاتصال بالغير فهي قدرة بيولوجية مرتبطة بنمو الجهاز العصبي قبل الميلاد كنمو أي جهاز بيولوجي آخر كالقلب والجهاز الهضمي … أما قدرة الأم أو من يقوم برعاية الطفل للاستجابة فإنها تعتمد على اتجاهاتها نحو تنشئة الطفل والمحيط المؤثر في تلك الاتجاهات . فالمواليد يتعلقون بالأفراد الذين يستجيبون بانتظام وبطريقة مناسبة لإشاراتهم السلوكية . وتواصل الطفل بوالديه يتضمن تفاعلاً مستمراً بينهما وتأثيراً متبادلاً . فالتفاعل المتضمن لمظاهر سلبية منذ البداية كالرفض مثلاً ، يؤدي بالطفل للانزعاج والاستجابة بطريقة سلبية ، وبالعكس فالتفاعل المتضمن لمظاهر ايجابية كالتقبل … يؤدي بالطفل للارتياح والاستجابة بطريقة ايجابية . وهكذا يدور التفاعل . فالتفاعل بين الطفل والوالدين يتصاعد كدائرة إكراهية Coercive cycle إما سلباً أو إيجابا حسب طبيعة العلاقة وطبيعة كل منهما … وهذا ما جعل الكثير من الدراسات الطولية تؤكد على أن بنية الشخصية تحافظ على طابعها العام مع اطراد النمو . وأيضاً اتجاهات الآباء نحوا تنشئة الطفل تميل لأن تبقى بلا تغيير … فالطفل في كل مرحلة موجود كبنية جسمية نفسية اجتماعية معرفية .. متكاملة تمتلك وسائل تنظيمها الذاتي الخاصة ، والنمو يعتمد على التفاعل بين تطور الطفل حتى تلك اللحظة وبين مثيرات البيئة التي يتواجد فيها . فنمو الطفل مشروط بالتفاعل مع من يقوم برعايته ، لذا فالممارسة الوالديه السلبية بما يتضمنه من جهل بمتطلبات النمو ، ولا تميل لأن تبقي التطور في طريق محدود … ولكن تركيبة الطفل بمجرد نموها تميل لأن تحافظ على الاتجاه الراهن للتطور . مما سبق يتبين أن اهتمامنا بدراسة مخاوف الذات عند الأطفال يسير باتجاه ربط شدة المخاوف بالاتجاهات الوالديه في التنشئة فإذا كانت الاتجاهات الوالديه كما بينت الدراسات تتنوع وتختلف حسب خصوصية الوسط الاجتماعي الذي تنتمي إليه الأسرة وحسب جنس الطفل فما هي خصوصية المجتمع الحضري ( الرباط ) بالمغرب ؟ وهل الاتجاهات الوالديه تتنوع وتختلف حسب نوعية الوسط الاجتماعي وحسب جنس الطفل ؟ وهل لتلك الاتجاهات الوالديه علاقة ط¨ظ…ط®ط§ظˆظپ الذات لدى الطفل ؟ وهل هناك علاقة تمثل الطفل ( لايجابي والسلبي ) للاتجاهات الوالديه ودرجة استعداده لمخاوف الذات ؟هذه جملة من الأسئلة التي سوف يعمل البحث الحالي على الإجابة عنها .
ثالثاُ :- حدود إشكالية البحث :-
من أجل دراسة العلاقة بين الاتجاهات الوالديه في التنشئة ومخاوف الذات لدى الأطفال قمنا ببناء مقياسين : مقياس الاتجاهات الوالديه ، ومقياس مخاوف الذات . ويهدف كلا المقياسين للتوصل إلى وضع مجموعة من الوحدات التي يمكن بواسطتها إعطاء حكم كمي عن تمثل الطفل ( في المرحلة العمرية من 9- 13 سنة ) لاتجاهات والديه في تنشئته وتحديد درجة استعداده لمخاوف الذات . وبذلك تحدد موضوع البحث كما يلي :-
1- بناء على عدة خطوات وهي :- الدراسات السابقة وبعض المقاييس الخاصة بالممارسات الوالديه في التنشئة واستمارة موجهة ل( 110 من الآباء والأمهات ) ممن لديهم أطفال في الأقسام الرابع والخامس والسادس الابتدائي ، تتضمن سؤالاً مفتوحاً حول أساليبهم في تربية طفلهم . بناء على ما سبق تم حصر أهم المواقف التي تجمع الطفل بالوالدين في هذه الفترة من العمر وأهم الأساليب التربوية المتبعة في تلك المواقف . ومن ثم تم تحديد مجموعة من الوحدات تعبر عن الاتجاهات الوالديه التالية :-
– اتجاه السواء :- وهو اتجاه ايجابي يقصد به ممارسة الأساليب السوية من وجهة نظر الحقائق التربوية وأيضا عدم ممارسة الأساليب المعبرة عن الاتجاهات الوالديه السلبية .
– الاتجاهات الوالديه السلبية :- التسلط – الحماية الشديدة – التساهل – الإهمال القسوة التذبذب .
2- تم تحديد أبعاد لمخاوف الذات :- وذلك انطلاقاً من اعتبار الخوف أو القلق سمة من سمات الشخصية لها صفة الاستمرار . ومن تحديد الموضوع الأولي والأساسي لمخاوف الذات الخوف من الانفصال والربط به الخوف من الغرباء والذي يظهر بوضوح في نهاية الشهر السابع . وحيث إن سلوكيات الخوف تقوم بوظيفة واحدة هي طلب الحماية ، فالطفل الخائف ينسحب من موقف أو شخص مثير للخوف أو التهديد ليقترب من موقف آخر شخص يمنح الحماية . إذن الانسحاب والاقتراب يدخلان سوياً في سلوك الخوف وعندما يكون موضوع الارتباط ( أو التعلق ) نفسه ( أم – أب ) هو المسبب للخوف ….. بالقسوة أو الإهمال أو الحماية الشديدة في مثل هذه المواقف يكون الطفل قابل للتعلق بموضوع التهديد على أن يهرب بعيداً عنه وكنتيجة لهذا تكون الصراعات لذات الطفل حتمية نتيجة الشعور بالإحباط من موضوع الارتباط . في ضوء تحليل طبيعة هذه العلاقة الأولى المولدة للصراع والتي هي الأساس للعلاقات مع الآخر فيما بعد ، وفي ضوء التصور النظري عن القلق أو الخوف المتبنى في هذه الدراسة تم تحديد الأبعاد التي تمثل الاستعداد لمخاوف الذات وهي : الغضب – الشعور بالذنب – القلق الاجتماعي – الخوف من العقاب – خوف الظلام والكوابيس – خوف المشاجرة .
3- تحديد متغير الوسط الاجتماعي ( مرتفع – متوسط – منخفض ) ، وكذلك متغير الجنس ( ذكور – إناث ) كمتغيرين مستقلين في علاقتهما بتنوع واختلاف أساليب الآباء التربوية المعبرة عن الاتجاهات الوالديه السابق تحديدها وهي : السواء ، التسلط ، الحماية الشديدة ، التساهل ، الإهمال ، القسوة ، التذبذب . وعلاقة ذلك التنوع بدرجة استعداد الطفل لمخاوف الذات .