التصنيفات
الحمل و الولادة

هكذا دبت الحياء بين احشائي!

في ذاكرة كل أم أحداث خاصة قد لا يمر بها غيرها أبدا: أول دبيب للحياة داخلها، فرحة الألم، غريزة الأمومة والشعور عن بُعد بالغير، أول صرخة للطفل، أول وخذ لعروق الصدر يشق جفاف السنين ليبلل فم الصغير، أول لمسة للأمل والحياة.. تفاصيل صغيرة ودقيقة للحظات الولادة والشعور بالمسئولية تجاه كائن يتلمس أول نور للحياة.. مشاعر جميلة مرت بها كل أم.. من الجميل التعرف عليها!.
أول حركة
ابتسمت الجدة -عالية- بفرح استرجاع تلك اللحظات قائلة: كنت صغيرة وخجولة شعرت لأول مرة بحركة في بطني عندما كنت أشارك في عرس إحدى قريباتي، ففزعت وفرحت معا، وقالت لي السيدات اللاتي كن يجلسن بجانبي: "مبروك إنها بنت؛ لأن البنت تتحرك في البطن خلال الشهر الخامس، أما الولد فيتحرك في الرابع"!!، لم يكن هناك "سونار" على أيامنا لتعرف الأم ما إذا كانت حاملا في بنت أم ذكر كما هو الحال الآن.
وتتابع: قبل الولادة بيوم شعرت بتعب أثناء العمل فذهبت للطبيب، فقال لي اذهبي لبيتك واستمعي للموسيقى، بعد منتصف الليل شعرت بدق وألم في ظهري، أيقظت زوجي، لم تكن لدينا سيارة فاستعنا بالجيران، وصلت للمستشفى ولم يكن باستطاعتي الجلوس، أعطاني الطبيب مخدرا وقال لي: إذا لم تساعدينا فسنضطر لإجراء عملية قيصرية، كنت أنام وأفيق لدرجة أني شعرت أني سأموت حتى صرخت صرخة كبيرة وذهبت في غيبوبة.
واستيقظت على صوت الممرضة تقول لي ماذا ستسمينها؟! قلت: "ريم"، وشعرت وقتها أني قد شفيت من آلامي عندما وضعوها بجانبي، وأرى الفرحة في عيني زوجي وأمي.
تبتسم الجدة "عالية" ثم تقول بخجل: كنت أخجل من أن أسأل عن أي شيء، ولهذا حدث ما لم أكن أتوقعه، أصبحت حاملا قبل أن تكمل "ريم" أربعين يوما، حزنت لأن الحمل يقطع اللبن، وحرمت "ريم" من الرضاعة، هذه المرة كانا توءما، علمت ذلك قبل أن يعرف الطبيب، فقد كانت بطني تكبر بسرعة وكان "الركل" في البطن والظهر معا، وكأنهما طفلان يتشاجران، لم أكن أستطيع المشي، مسئوليتي كبيرة، ريم والحمل والعمل، لم يكن بإمكاني الحصول على إجازة، كنا بحاجة إلى راتبي، بعدما خرج الطفل الأول، أنا التي قلت لهم هناك طفل آخر ساعدوني. بعد الولادة كان همي كبيرا، أحمد ومحمود وريم، وكأن شيئا قد وقع على رأسي، لكن بعد ثماني سنوات كنت قد نسيت كل هذا وجاءت "دينا"!.
ليلة باردة
تتذكر "جميلة" أم لطالب وطالبة بالجامعة الآن السعادة يوم ولادة "عمر" كانت ليلة شديدة البرودة، ليلة بداية السنة الميلادية، لم أشعر بالدفء إلا عندما ضممته إلى صدري، كلما كان ينام كنت أوقظه لأنظر في وجهه وأرى ابتسامته، كنت أشعر برغبة دائمة في إرضاعه ليبقى على صدري أطول فترة ممكنة، لم أبالِ بالرشاقة رغم أن وزني كان مثاليا، لكني أخذت أكثر من الطعام والمشروبات حتى لا أفقد قدرتي على إرضاع طفلي، زدت 15 كيلوجراما في أثناء فترة الرضاعة فقط وحصلت على إجازة من عملي حتى لا أضطر لترك ابني عند والدتي في ساعات العمل أو حتى في حضّانة ولم يمضِ أكثر من عام وشهرين حتى رزقني الله بمروة ولدت في يوم الأم، فرحتي بأنها بنت لا توصف، وقررت ألا أخوض تجربة الحمل مرة أخرى لأعطي لطفلي حقهما في التربية والرعاية.
فستان حمل
بهمس وصدق كبيرين استرجعت صديقتي "أمل" تلك الأحداث التي لم يمر عليها ثلاث سنوات هي عمر ابنها "مروان" كانت قد اتفقت مع زوجها على تأجيل الإنجاب بعد الزواج بعامين، رغم أنها لم تكن مستحسنة ذلك؛ لأن دخلهما معقول، لكنها قبلت الاتفاق لأنها أدركت أنه كان يخاف من مشكلات الأعوام الأولى للزواج، خاصة أنه كان قد تزوج قبل ذلك بأوروبية وأنجب منها ولدين، لكن زواجهما فشل، لكنهما نسيا ذلك الاتفاق ليلة جاء من أحد أسفاره.
بأسى تقول أمل: لم يتقبل زوجي خبر حملي بفرح كما كنت أتوقع، تألمت لذلك؛ لأنها لحظة لا تعوض ولا تتكرر ثانية أن أكون حاملا لأول مرة، كان دائما ما يتحدث عن الحوامل بطريقة سيئة، وكأنه يريدني أن أكره تلك التجربة، لكني تجاوزت كل هذا، حتى عندما أخبرته أنه "ولد" لم يعطني أي انطباع، سألته: هل كنت تريد بنتا -ربما لأن له ولدين- فقال لا، بعدها أصبحت أكثر اهتماما بمظهري وأناقتي وأمارس عملي بنشاط، وكأني كنت أريد أن أثبت له العكس، ولم أشعر بالفرح بحملي إلا عندما جلب لي فستان حمل جميلا وهو عائد من أحد أسفاره، وأيقنت أنه سعيد باهتمامي بنفسي.
سألته عندما أعطوني المخدر استعدادا للعملية: هل تحبني؟!
عندما خرج ابني للحياة، قربته من صدري بصعوبة من أثر العملية، بحث بفمه حتى وصل إلى صدري، وشعرت لأول مرة بتدفق اللبن بين عروقي بقدرة الله تعالى، مثل الأرض الجدباء التي يتدفق فيها الماء، بعد أن كان يؤلمني طوال الحمل.
بعد الولادة بدأت مشاكل من نوع آخر مع زوجي، كنت متألمة وغير قادرة على الاهتمام بنفسي مثل أيام الحمل، بدأ يغار من اهتمامي بصغيرنا، كنت خائفة ألا يعود قوامي كما كان، خاصة أن زوجي كان يحب قوامي قبل الحمل، أصبحت العلاقة الخاصة مشكلة، صدري يؤلمني، لم يَعُد زوجي على طبيعته معي، يتخلى عما كان يحبه ويخاف منه، زاد من غضبي أني بدأت أحرم من وقت نومي، وأضطر للعودة من عملي قبل أن تمر أربع ساعات على خروجي، حرمت من الجلوس مع الأصدقاء ومن أشياء كثيرة كانت من طبيعة حياتي، وانعكس كل هذا على علاقتي بزوجي، لكن بمرور الوقت بدأت الأمور تعود كما كانت، وأصبح صغيرنا أكثر ما يلطف علاقتي بزوجي الآن.
ابنك على ما تعودينه
نقول سوسن -أم لطالب وطالبة بالثانوي-: رحمة الله تجعلنا ننسى الألم والمعاناة حتى يمكننا أن نمر بتجربة الحمل والولادة مرة ثانية، أصبت بتسمم حمل، ووصلت في آخر شهرين أني كنت أزحف على يدي وقدمي، حكة في كل جسدي، ألم ومصاعب لكني نسيتها تماما، وحملت للمرة الثانية، ولم أكن خائفة أبدا من تكرار ما حدث في المرة الأولى، وبالفعل لم أشعر في المرة الثانية بأي شيء وولدت ابنتي بكل سهولة.
تدرك الأم بغريزتها ما يصلح لطفلها، وما لا يصلح، هذه هي خلاصة تجربتي؛ لأني تزوجت بعيدا عن أمي وأهلي، أرادت كل جارة وكل قريبة بالإضافة إلى حماتي أن يتدخلن في طريقة تربيتي لابني، لكنني كنت أدرك بغريزتي ما يجب أن أفعله، أردن أن يجبرنني على إرضاعه صناعيا، لكنني كنت مصممة على أن يرضع من صدري رغم أنه كان مجروحا، وكنت أتحمل؛ ولذلك كافأني ابني أيضا، فحتى سن 8 أشهر لم أكن أحتاج لحمل حقيبة خاصة لطعام ابني مثلما تفعل بعض الأمهات، تعودنا معا على مواعيد للرضاعة، مثلما تحتاج الأم لتتعود على أشياء جديدة، طفلها أيضا يحتاج لأن يتعود على هذه الأشياء الجديدة معها، وأي شيء يمكنك أن تعودي عليه طفلك خلال ثلاثة أيام، ففي اليوم الثالث سيكون قد اعتاد على النظام، وبالمثل أيضا يمكنك أن تغيري أي شيء قد تعود عليه إذا استطعت فقط أن تساعديه على مقاومة هذا التعود لمدة ثلاثة أيام، في اليوم الأول سيكون الأمر صعبا، وفي الثاني سيعترض، وفي الثالث سيكون قد اعتاد الأمر، ظ‡ظƒط°ط§ سيرت حياتي في مواعيد النوم والرضاعة، وكل شيء حتى كبر طفلاي.
اتصال خفي
أكدت "د. إيمان" -أم لثلاث فتيات في الثانوي والإعدادي والابتدائي-: الناس تعتقد أن الحامل تكون سعيدة بأحاسيس الحياة التي تتشكل داخلها، وأن هناك من يحمي تلك الحياة ويحافظ عليها، وأن هناك اتصالا بينها وبين جنينها، اتصالا مستمرا يعطيها قدرة على التحمل، فإذا خافت أن يكون قد حدث مكروه لجنينها تجده يركلها في بطنها، وكأن الله عز وجل يطمئنها عليه، هناك يد ترعاه وتحنو عليه، هذا الاتصال يستمر بعد أن يكبر طفلها وتشعر به حتى لو كان بعيدا عنها.
أضافت "د. إيمان": لم أكن أخطط لحملي الأول؛ لأني كنت مشغولة بالدكتوراة، وصدمني الخبر، لكن أمي صرخت في: عندما يرفض الإنسان النعمة قد يحرمه الله منها، ولم يمر أسبوعان حتى أصبحت سعيدة بحملي، لحظة الولادة لحظة قرب من الله سبحانه، وكأن نافذة قد فتحت فجأة لتخرج منها الحياة، ثم تغلق ثانية بقدرة الله تعالى.. ذكريات كثيرة لا تتسع لها المساحة هنا، لكن ربما تكون مناسبة لكل أم استرجاع تلك اللحظات التي لا تُنسى مع أبنائها.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.