من المجموعه القصصيه حاجزائيل
[font]حرك مقبض الباب الصدىْ ، و دفع بجسده المنهك قطعة خشبية لم يتبقى من لونها الاْصلي سوى بقايا مشتتة.كان يدعوها باب بيته ،اْطلق الباب صريرا صارخا ثم فتح منصاعا لقوانين الفيزياء عن سواد داكن ، و بحركة لا شعورية كانت يده على الحائط المجاور تغير اتجاه مفتاح الكهرباء.[/font]
[font]تبدد الظلام وتسابقت الأشعة المنسجمة بحنان وشوق ، أما هو فقد اتجه بأنظاره مصافحا كرسيه اليتيم ، ومكتبه الحافل بالأوراق ، وسريره المدعم بالطوب وأشياء أخرى بعدما هرمت خشباته وتفرقت بفعل الزمن ، وخزانة ثيابه غامضة المعالم ، كانت خزانته تشبه كل شيء، كانت تشبه صناديق الخضار وعلب الكرتون الرطبة الا ان مجرد ايحاء بأن تكون خزانة كان بعيدا، وسجادتها التي لم يعد يذكر لونها بعدما سكنتها الأتربه كان يصافحها متلهفا وكأنه يصافح أملا كبيرا ، وبعصبية مكتومه ألقى بحقائبه أرضا ثم رفع عينيه في جولة تفتيش أخرى بحثا عن محبوبته الهاربة من مجال بصره ، أين هي لتنفض همه عن نفسه ، أين هي ليبوح لها بمأساته الخانقة ؟ مادت الأرض به وانشقت ثم التحمت أوصالها وتسابقت أقادمه بصورة اّلية غير واعية صوب علبة معدنية كتب عليها (قهوه ) عانقتها يداه الباردتين ثم أخرج من أعماقه زفرة حملت معها كل الألم والمشقة التي واجهته خلال يومه العقيم ، أراد أن يخرج الغبار الجاثم على صدره والأتربة التي احتلت جسده دون استئذان خلال وقفته المهينة على الحاجز البكر ، كانت كل ذرة تخرج من صدره تعكس في ذاكرته صورة من الإذلال والمعاناة وتحرك في أعماقه أبارا من الدموع البركانية .[/font]
[font]أحضر بريموس الكاز النحاسي ، أشعله وبدأ يعزف سيمفونية الهواء المندفع والشعلة المتراقصة ، وبعد برهة تسللت الى فتحتي أنفه المسكونتين بالشعر رائحة تحمل ملامح عربية معلنة جاهزية البريموس لإستقبال القهوة إلا أنها لن تكن معتقة لتسكره ، أمسك إبريق إحتل كافة أركانه رماد متراكم ملأه بالماء ثم أضاف إليه معلقتين من البن في الوقت الذي كانت فيه ملعقة فضية اللون تمارس طقوس التحريك ، كانت العملية تتخذ شكلا دائريا ، في البدايه تكون الدائرة كبيره ثم تصغرو تصغر حتى تصبح مجهريه تيدأ بعدها بالإتساع شيئا فشيئا حتى تعود كبيرة كما بدأت وهكذا . لم تكن هذه المتاهة مختلفة عن الطريق التي سلكها جميعا تبدأمن نقطة واحدة ، وتوصل الى نفس الحاجز ونفس النتيجة مع اختلاف في شدة الوعورة وفارق العصبية .[/font]
[font]حضن رأسه بكفيه وغاص في بحر أفكاره عميقا، في الصباح عندما حزم حقائبه وعزم على الرحيل ، كان يعلم ان الطريق صعب ، غير انه لم يطرق باب فكره أن تكون الصعوبة أسطورية ، لم يتخيل أبدا أن ترى عيناه السوداوان أناسا مفروشين على الصحصحان ووجوه مختومة بحرارة الشمس ، فعندما خرج صباحا كانت عدة صور من معاناة الحواجز قد رشحت في ذاكرته من خلال ما شاهده في التلفاز ثنائي الالوان عند جاره عباس ، قطع حديدية تشبه السيارات تتوقف امام شخص يحمل ملامح "دراكولا"، يمسك بيديه بطاقات متعددة الالوان و النتماء، يتلذذ بالنظر اليها ، و بعد مدة من الزمن قد تكبر و نادرا ما تصغر يتحدث بلهجة الغرباء و يوميء آذنا بالمرور المهم انهم في النهاية يعبرون ، كان هذا هو الدافع الذي حركه ، ولكن المذيع في نشرة الاخبار المفروضة و المزيفة لم يقل ان حرارة المركبات كافية لصهر الحديد و الأجساد الآدمية التي تستقله ،و لم يعلم احدا ان الوقفة على الحاجز تفترس الزمان ولم يلمح انه في درب الالم يعترضك الف حاجز ،ويدقق في بطاقتك الشخصية مائة الف شخص ،ليقدموا لك خدمة مجانية ويذكرونك بين الدقيقة و الدقيقة انك على ارضك لطردهم وانهم غرباء عاجزين عن تخطي كمائن الرعب التي نصبوها في اعماقهم .[/font]
[font] حدث نفسه و اسمع اذنيه قد تستر اوراق العنب بعض القبح و بعض الجبن ، لكن الخريف كفيل بفضح كل شيء "كان صمته الخاشع يردد في أعماقه الساخرة" ان الشخص الذي اوجد مهمة مدققي جوازات السفر و العاملين على الحواجز ، هو شخص فكر بطريقة مؤلمة لتخفيف آلام الآلاف من العاطلين عن العمل ، فاوجد مهنة استوعبت النصف المتألم لإيلام النصف الآخر .[/font]
[font] اخترق زجاج نافذته المكسور صوت حوار بكائي مبهم ، إلا انه من النباهة بحيث استطاع ان يدرك انهم انباء الشهيد مجاهد ـ جيرانه ـ الذين يقطنون في الطابق السفلي ،يتذمرون و يبكون ، و صوت نسائي حنون في الجبهة المقابلة يخوض معركة لسانية لإسكاتهم ، وعلى نفس الإيقاع كان"البريموس" يهدر بصخب ، اتحدت هذه المعطيات الصوتية في جوقة مأساوية مزعجة لا تطرب إلا جمهورا من الصم ، لم يدعها تكبله ،تجاهلها ، كان صخر اقسى و اقسى ،لكنه لم يكن السندباد و لم يمتلك قوة علاء الين السحرية ليصرخ في الحديد الصديء "افتح يا سمسم ".[/font]
[font]إعتقد أنه بحاجة الى خمس ساعت ليصل الى حضن أمه , هذا مع إضافة عدة نقاط تفتيش وعدة دوريات للدرب المعتاد, مر منها ثلاث ساعات في الاحلام الورديه, واربع بانتظار الإذن بالمرور , سبع ساعات من الأمل , قبل أن ينطلق نعيق شيطاني بلهجة اّمره على الجميع العودة من حيث أتوا الحاجز مغلق حتى نهاية ط§ظ„ط¹ظٹط¯ , في تلك اللحظة عجزت كل كلمات الأرض وأبجديات لغاتها المهزومة عن إنجاب وصف لحاله , تشنج بعصبيه, حمل صمته الذي أعقب عصبيته صياحا خانقا[/font]
[font]وتمنى لو أن رقبة الجندي مكشوفه لينقض عليها ويعتصر حنجرته الأثمه . لكن هيهات. كانت الرقبة المطلوبة في حصن منيع , ولم يكن أمامه حينها سوى رفع الراية البيضاء في وجه الأوامر , حاول بصره الجريء التسلل ليقبل جنبات الصخور ويعانق الأعشاب البريه , إلا أن الحديد الصديء الذي يفصل بين الوطن والوطن أعاق حتى أطياف الذاكره .[/font]
[font]تناسى عقدة الوصول وعاد إلى طقوس الملعقة المتحركة والدوائر المقفله , كاد ثمله برائحة الهيل الطاغي ينسيه السكر[/font]
[font]إن القهوة بلا سكر ضرب من الحداد , في العاده كان يضيف الى الفنجان الواحد ملعقتين يترسب أكثرها بعدما يتخطى السائل البني مرحلة الإشباع , لطالما إعتقد أن السكر هو الشيء الوحيد الحلو في دنياه التي تعج بالمرار, رنا إليه بشغف , وأمسك بيدين نحيلتين علبة معدنيه كتب عليها ملح كمحاولة لخديعة النمل , دفع بابهامه الغطاء الخارجي وتراقصت عيناه بحثا عن الماس حلو المذاق, مسحت أركان العلبه ثم تسمرت في قاعها , إنقلبت إليه سحنته , وإرتد إليه طرفه حاملا صدمة هزت كيانه , حقيقة سقطت عليه كالصخره وأيقظت في روحه رعشة البكاء , الحقيقة السوداء هي . لايوجد سكر. وباحتجاج أخرس أدار يدا معدنية مجبرا الشعلة المتوقدة على الإرتعاش ثم الإختباء مخلفة ورائها دخانا كثيفا , أعادت يده المرتعشة العلبة الى مكانها وأمسكت بورقة مطوية تسابقت الأصابع بفضولية على فتحها , كانت خاطره كتبها قبل أيام ومنحها إسما أسماها خطأ في التعبير يقول فيها : [/font]
[font]في كل البلاد [/font]
[font]عندما يأتي العيد[/font]
[font]تزهو الشوارع بضحكات الأولاد[/font]
[font]لكن في وطني[/font]
[font]خير البلاد[/font]
[font]يأتي العيد مرتديا ثوب الحداد[/font]
[font]ومراسم العيد لدينا[/font]
[font]صلاة قرب لرب العباد[/font]
[font]في وطني[/font]
[font]لاكعك……….لا ألعاب[/font]
[font]ومعجزة إن طرق الباب [/font]
[font]والحلم البعيد[/font]
[font]أن يرتدي الطفل ثوب جديد[/font]
[font]في وطني [/font]
[font]لا أعياد[/font]
[font]لانه ……….في وطني[/font]
[font]لا أولاد[/font]
[font]عذرا …………لماذا هذا الاجتهاد؟[/font]
[font]من قال أن وطني بلد ككل البلاد[/font]
[font]كلمات لاتصلح ان تكون شعرا غير أنها إستطاعت أن تواسي قلبه المكلوم وتحد من تراجيديا الألم الذي يعتصره .[/font]
[font]حدق في حقائبه المهمله , كان الغبار الملتصق بها مازال شاهدا على محاولة فاشله , ولمح ي كل زاوية من زواياها المتأكلة رد من أفراد أسرته, أطل وجه يوسف الجميل , ببراءة أبناء ماقبل العاشره وأحاديثه الكثيره وطلبه المكرر أريد بندقيه , وضفيرتي منى الحالمتين بالشبرات المخمليه , ثم الأيدي الست المتحده جهاد, حازم, وبلال كتيبة من الفرسان تسبق زقزقة طيور الفجر لتوقظ كومة أحجار سجيليه تصفع بها عار التخاذل وعجرفة الإحتلال, وأمه وإشتياقه الى حضنها خبزها قهوتها وأدعيتها , كانت أمه قد طلبت منه بعض الفواكه التي تتوق إليها الأجساد الهزيلة المعتمدة في قوتها على طحين الإغاثة ومعلبات الجمعيات الخيريه , ناجت روحه طيف أمه : [/font]
[font]أمي العزيزه كل أدوات الفرحة معي , عملت جاهدا على توصيلها لكن سوء الحظ ترصد دربي وأعاق وصولي , سامحني وأدع لي . من الممكن أن تصل الحقائب بعد العيد لكن مالفائده . فاللعيد فلسفته الخاصه وخصوصيته الفلسفيه مافائدة الثياب الجديدة والأحذية الجميله إن كان يوسف الجميل سيمضي العيد ببنطاله المرقع وحذائه المرمم.[/font]
[font]قام الفجر يتوضأ لصلاة العيد , وإنطلقت من الحناجر تكبيرات موسمية بصوت غير مبحوح , في الوقت الذي كان فيه الصوت المنبعث من الخارج يعصف برأسه غير أنه بدا أكثر وضوحا في هذه المره , صرخات لأصوات هجرت الحلوى ومتطلبات الطفوله , وكلمات لأطفال كبروا خارج التوقيت الزمني المعهود.[/font]
[font]لمعت في عينيه فكره ثم اتسعت اتساع السماء , حتى طغت على ذهنه . ودون أدنى تفكير , أطفأ باب الغرفة , واتجه بأنظاره في الظلام الدامس صوب حقائبه , حملها لم يكن يريد لأشيائه الصغيرة أن تراه ولا حتى نصف جسده الأخر فينقص أجره عند خالقه , وبسرعة البرق , طرق بابا لايختلف كثيرا عن باب بيته . كتب عليه هنا بيت الشهيد مجاهد, القى امامه الحقائب المقفله, ووقف دقيقة أمام بيت سيد دقيقة الصمت المشرفه, ثم سار بخطوات واثقة كملاك صوب المسجد وحنجرت الصافية تردد مع الماّذن [/font]
[font]الله اكبر الله اكبر الله اكبر لا اله الاالله[/font]
[font]الله اكبر الله اكبر الله اكبر ولله الحمد [/font]