أنا فتاة خليجية، عمري 26 عاما.. تخرجت في كلية الطب منذ عام تقريبا.. وأعمل حاليا بأحد المستشفيات.. حالتي الاجتماعية والمادية ممتازة بفضل الله.. أعيش في أسرة محافظة حياة ليست سعيدة، لكنها مستقرة.
فأنا أعيش وحدي دون إخوة أو أخوات.. بعد أن استقل كل منهم بحياته.. ولم يبق غيري مع والديَّ -حفظهما الله- بدأت قصتي بعد تخرجي.. حيث مكثت في البيت في انتظار الوظيفة مدة 5 أشهر.. كانت أيامًا مملة وفيها الكثير من الفراغ الذي لم أعتده.. وخلال هذه الفترة اتجهت لعالم الإنترنت وشاركت في المدونة.. وكانت مشاركاتي دينية وأدبية.. وأخذ هذا العالم الجديد جزءا كبيرا من وقتي.. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.. فقد كنت أتابع مواضيع أحد الأعضاء بإعجاب.. ولم أكن أعلم حينها أنه إعجاب مشترك حتى تلقيت منه أول رسالة خاصة.. ثم تتابعت الرسائل التي لم تخرج عن مجال المواضيع الأدبية والدعوية، وكنت أزداد به إعجابا يوماً بعد يوم، وتطورت العلاقة فتبادلنا البريد الإلكتروني.. ثم الماسينجر.. وكان بيننا توافق عجيب في أمور كثيرة؛ مما جعل العلاقة تتوطد في فترة قصيرة بالرغم من الفارق العمري الكبير بيننا؛ فهو أكبر مني بـ13 سنة تقريبا، وهو شخص ملتزم.. داعية إلى الله.. مؤدب.. وخلوق.. على علم وثقافة عالية.. وما إن تعرفت عليه أكثر حتى تعلقت به أكثر.. ووجدت فيه من الصفات التي تحلم بها أي فتاة الشيء الكثير.
استمرت علاقتنا بهذا الشكل لبضعة أشهر.. نما فيها الإعجاب المشترك.. فأصبح حبًّا.. كنا صريحين مع بعضنا منذ البداية، فعرفت عنه الكثير.. فازددت إعجابا به وبصدقه.. أخبرني بتواضع أحواله المادية والاجتماعية، لكن هذا لم يزدني إلا تمسكاً به.. حتى أتى اليوم الذي صارحني فيه بحبه الشديد لي وبرغبته في الارتباط بي، وطلب مني أن أعطيه رقم هاتفي.. وبعد أن أقنعني برغبته الجادة.. ولإيماني به وبصدقه أعطيته رقم المحمول.. وكانت هذه المكالمات بداية جديدة لعلاقة أقوى.. حب لم أصدق بوجوده حتى عشته معه.. قصة حب أسطورية.. أجمل مما قرأته في كتب العشق وروايات الغرام.
تعلقنا الشديد ببعضنا جعلنا نتبادل المكالمات الهاتفية لمدة ساعات يوميا.. رغم أن كلا منا يعيش في دولة مختلفة.. فأنا لم أره مباشرة حتى الآن، وهو كذلك.. وهذا هو سبب مشكلتي.. فأنا خليجية -كما ذكرت- وهو من إحدى الدول العربية الشقيقة.. واختلاف الجنسيات هذا كان هو مصدر عذابي وعذابه والمنغص علينا.
ويأتي في المرتبة الثانية الاختلاف الكبير في المركز الاجتماعي والحالة المادية.. أنا أعلم مسبقاً رأي أهلي الذين تحكمهم العادات والتقاليد البليدة التي لا تمنع فقط زواجي من خارج بلدي، وإنما من خارج أسرتي.. التي لا أرى فيها الشخص المناسب لي!
حيرتي تزداد يوما بعد يوم.. فقدري دلني على شاب ممتاز من جميع الجوانب، إلا أنه لا يحمل نفس جنسيتي.. وذنبه الوحيد أنه لا يتحدث بنفس لهجتي.. وكأن الحدود بين الدول سماوية وليست من وضع بني البشر!! هو يسعى حاليا لتحسين وضعه المادي وقضاء ديونه.. وخلال هذا الوقت فإنه يطلب مني أن أهيئ له الجو المناسب للتقدم لخطبتي والتمهيد لأهلي.. لكني لا أستطيع ذلك.. وعندما أخبره باستحالة زواجنا وبرفض أهلي الأكيد ينهار لدرجة أني أخشى عليه من أن يصيبه مكروه من شدة تعلقه بي.. ويرجوني ألا أكون متشائمة، وأنتظره حتى تتهيأ الظروف، لكني مع كل هذا أخبرته وأنا أحترق أني لا أستطيع أن أكمل معه علاقة مستحيلة، وأن نستمر في علاقة غير مشروعة ودون علم أهلي.. والله وحده يعلم أننا -لا أنا ولا هو- نرضى بشيء يغضبه سبحانه، لكنها الظروف التي منعتنا من أمر حلال.. لذلك أشار علي بالزواج العرفي دون علم أهلي.. وأن يرسل لي ورقة بذلك.. لكننا لسنا مقتنعين بهذا الحل، لكنه المخرج الوحيد لبقائنا سوياً حتى يقضي الله في أمرنا.. وبهذا يكون هناك سبب شرعي يسمح لنا بالمكالمات، وما يتخللها من عبارات الحب.. بدون الشعور بالذنب الذي يكاد يقتلني.
أنا في حيرة شديدة من أمري.. لو فكرت بإخبار أهلي بعلاقتي معه.. فكيف لي أن أخبرهم حتى بطريقة تعرفي عليه؟ فهذه مصيبة أخرى! وخصوصاً أنه من جنسية أخرى، ويسكن بلداً آخر.. وإن فكرت في الزواج العرفي؛ فهو حل لا أظنني سأقبله على نفسي، خصوصاً أني -ولله الحمد- أتمتع بصفات يتمناها أي شاب.. ولا أعلم حتى مشروعية زواج كهذا في وضعنا.. خصوصاً أننا لا ننوي أن نستخدم هذا العقد إلا لغرض المكالمات فقط، وليس لأمور أخرى، ها نحن سنكمل سنة كاملة من أول لقاء لنا.. وأنا لا أستطيع اتخاذ القرار.. ولا أستطيع الابتعاد عنه؛ ففي كل مرة أحاول الابتعاد كنت أفشل بسبب تعلقي به.. وبسبب إلحاحه علي فأعود له بقوة أكبر من المرة السابقة.. وهو أيضا لا يوجد بيده حل.. فهو يطلب مني أن نستمر على وضعنا حتى تحين فرصة مناسبة، أنا بين نارين.. خوفي من غضب ربي وأهلي.. وعدم رغبتي في إغضابهم أو التصرف دون علمهم.. ونار حبي له وتعلقي الشديد به ورغبتي بالزواج بالشخص الذي أحببت.
هذه تساؤلات كثيرة تؤرقني.. هل إذا تزوجته رغم كل الظروف، ورغماً عن أهلي ..فهل سيأتي يوم وأندم على فعلتي هذه؟ وهل سيبقى حبنا كما هو برغم صعوبة أحواله.. واحتمال اغترابي عن أهلي؟ لا أدري.
في النهاية.. أحببت قبل أن أختم رسالتي هذه أن أوضح عدة أمور.. حتى لا تشككوا في مصداقية علاقتنا، وأنها علاقة عابرة على النت:
أولا: أنا لست فتاة طائشة.. يخفق قلبها لأي شخص.. بل بحكم وظيفتي فإني عرفت الكثير من قصص الحب، وأعلم ملابساتها، وأعلم عواقبها جيدا، وقد كنت بحمد الله في منأى عن هذه العلاقات طيلة أيام دراستي.. ومعاملاتي مع الجنس الآخر قليلة وبحدود.
ثانياً: الشخص الذي أحببته إنسان ناضج له عقل راجح.. وعلم غزير.. أحسبه كذلك.. ومعرفتي به تعدت الحديث العابر على النت.. فأنا على علم بالكثير من جوانب حياته.. وكم مرة قضينا الساعات نحاول حل مشاكلنا وكنا نخرج سويا أكثر حبا وتمسكاً ببعضنا البعض.. وقد ساعدته ماديًّا على تخطي الكثير من مشاكله.. كما ساعدني معنويًّا على تجاوز مشاكلي وهمومي.
نقطة أخيرة.. إني كما ترون قد وصلت إلى مشارف العنوسة (على الأقل في نظر عائلتنا).. وهذا لا يزعجني مطلقاً؛ فأنا أفضل حياة العنوسة على حياه زوجية تعيسة.. ونظرتي هذه ناتجة من تجربة.. واسمحوا لي أن أطلعكم عليها؛ فقد تكون ذات فائدة في حل مشكلتي.. وهي أنه كُتب كتابي وأنا في الـ20 من عمري على شخص اختاره أبي لي.. وقد وافقت لقلة خبرتي ولاقتناع أهلي به.. وقد شرط أبي أن يتم الزواج بعد تخرجي حتى لا يؤثر على دراستي وأنا أيدت رأيه؛ لأني لا أرى أن هناك شيئا أهم من شهادتي ومستقبلي.. ولتمسك أبي بالعادات والتقاليد فإنه منع أي اتصال بيننا حتى يوم إعلان الزواج.. ورضخت لأوامره كالعادة واستمر الوضع لمدة سنتين.. بعدها نفد صبر زوجي (السابق) وحاول إقناع أمي بضرورة المكالمات، وفعلا كانت بيننا مكالمات هاتفية فقط وبدون علم أبي.. وكان هذا من فضل الله علي؛ لأني اكتشفت أنه ليس هو الإنسان المناسب؛ فنحن لا نتفق في أمور كثيرة.. وبعد الاستخارة والاستشارة قررت الانفصال بالمعروف، وانتهت تجربة فاشلة في حياتي.. لكنني تجاوزت الأزمة بنجاح والحمد لله..
لكني لست على استعداد أن أعيد التجربة ثانيةً، وخصوصا أني أصبحت في نظر المجتمع مطلقة.. فيا ترى الزواج من أجنبي.. أم العنوسة؟ هل أعيش مع والديّ في انتظار نصيبي برغم الوحدة التي تسكنني.. أم أتحدى ظروفي وأفوز بحب العمر؟ وكيف أستطيع ذلك؟
أدعو الله دائما أن يفرج همي وأن يريني الحق حقاً ويرزقني اتباعه ويريني الباطل باطلاً ويرزقني اجتنابه.. أرجوكم أخبروني ماذا أفعل؟ واعذروني على الإطالة.
الاجابة
" أن بينت عدم إنكاري لوجود الحب عن طريق الإنترنت في حال الوصول إلى النضج الفكري والروحي والعمري، وخاصة إذا وجدت تجربة ارتباط سابقة فاشلة؛ فليس من وسيلة للنضج كالمعاناة التي أشبهها بالبوتقة التي تصهر الحديد، فتزيده عطاء ومضاء، وليس من مصدر للتطور أفضل من الصدمات واهتزاز المشاعر، خاصة إذا اعتبر المرء الصدمة تحدياً له للاستمرار والنماء ولم ينظر إليها –كما يفعل الكثيرون- على أنها ظلم واقع عليه، ليس له من حيلة سوى الرضوخ إليها والتمزق تحت آثارها.
ولكنني أصارحك يا ابنتي العزيزة أنني لا أجد كلامي هذا ينطبق على مشكلتك هنا، وذلك لأن مجتمعك الذي تعيشين فيه لا يزود الفتاة والشاب إلا بأقل القليل من الخبرات؛ فالأسر منغلقة على نفسها، كما أن كل جنس –سواء كان ذكرا أو أنثى- منغلق على نفسه، بسبب عدم السماح بالاختلاط بين الجنسين ضمن ضوابطه المشروعة، والأنكى من ذلك هذه التقاليد التعيسة –كما ذكرتِ- عن خطبتك الأولى، وكيف أن والدك كان لا يسمح لخطيبك برؤيتك رغم أن القران قد تم عقده، فأي إجحاف بالدين هذا؟ وأي إسفاف بالإنسانية؟
كيف يتخيلون أن الزواج هو مجرد الجماع وتفريغ الماء المهين في رحم الزوجة؟! إلى متى يبقى الوضع في مجتمعك بهذا الشكل، وعدد العوانس في ازدياد، وعدد المطلقات في ازدياد أكبر؟ أين والدك من قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"، وأين مجتمعك من قول الله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"؟ وكيف يؤدم بين الخطيبين وهما لا يعرفان بعضهما بعضا رغم عقد القران؟ وأي مودة ورحمة وسكينة ستنشأ بينهما بعد هذه الطريقة من الزواج المخالفة لكل شرائع الدين وأعراف البشرية؟!
لذلك مع اعترافي بأن تجربتك السابقة قد تكون ساهمت في نضجك، ومع تأكيدي أنك لست طائشة، لكنني لست واثقة من خبرتك في الحياة، خاصة مع قولك: "إني عرفت الكثير من قصص الحب، وأعلم ملابساتها، وأعلم عواقبها جيدا، وقد كنت بحمد الله في منأى عن هذه العلاقات طيلة أيام دراستي.. ومعاملاتي مع الجنس الآخر قليلة وبحدود"؛ لأن معنى كلامك هذا أنها أول تجربة حب تمرين بها؛ فهنا تكون خمر الحب أشد إسكارا وتغييبا للعقل، فخمر حبك قد وضعتِها في زجاجة منذ سنوات طويلة، ورميت بها في قبو بعيد عن ناظريك، فلما لاح هذا الرجل في أفقك استعدت زجاجة الخمر المعتق، ورشفت منها، فأذهلتك الرشفة الواحدة عن الواقع والحقيقة، وأعجبتك نشوة الخمر، فقمت يا حبيبتي الغالية بالتجرع رشفة بعد رشفة؛ لتزدادي ذهولا وإعجابا بهذا الرجل.
وبغض النظر عن مدى صدقه في كلامه أسألك: هل فاتك أن تدركي أن الإنترنت أو الهاتف يحجبان عنك كل شيء إلا الكلام؟ أنت لا تعرفين شكله ولا وجهه ولا طوله ولا عرضه، ولا إذا ما كان مشوها أو مسخا أو قزما أو عملاقا، ناهيك عن الصفات الشخصية الأخرى الأهم والتي لا تظهر إلا عياناً!! ولله در من قال:
أخا السماحة ألا تدنو فتبصرنا قد حدثوك فما راءٍ كمن سمعا
ثم هل تراك سألت نفسك: لماذا لم يتزوج هذا الإنسان الملتزم رغم أن عمره 39 عاما، وأنت تعلمين أن الملتزمين أكثر الناس حرصا على الزواج المبكر؟ فهل هو متزوج؟ وكم لديه من الأولاد، أم أن هذا الأمر ليس مهمّا لديك؛ لأن من سمات مجتمعك تعدد الزوجات؟ فهل تعلمين أن أغلب المجتمعات العربية الأخرى تقرن التعدد بموافقة الزوجة الأولى، أم أن قصة الحب الأسطورية -كما تصفينها- قد حلقت بك إلى أفق السماوات فأنساك الخيالُ الحالم السؤالَ عن الحال القائم، أم أن حبيبك يطرح الزواج العرفي كحل دائم؟
تعالي الآن لنحدد أسباب علاقة الحب الخيالية هذه؛ فأول هذه الأسباب هو أنك متعطشة لتجربة حب، سواء كان هذا التعطش بوعي منك أو لا وعي؛ فأنت وحيدة في بيت أهلك تعيشين في فراغ عاطفي في مجتمع لا يفهم معنى الصداقة بين فتاة وأخرى؛ فكيف سيتفهم إمكانية وجود صداقة بين شاب وفتاة؟ ومن مشاكل مجتمعك الواضحة هي أن العلاقات إما سطحية أو قائمة على مصالح؛ إذ يندر وجود صداقات حميمية ناجمة عن ارتباط وتعلق بمبادئ، بل ما تزال النزعة القبلية مسيطرة، وهذا ما يؤكده كلامك أن عائلتك ترفض زواجك من خارج الأسرة أو القبيلة. وانظري كيف أطلقت لفظة "أجنبي" على هذا الرجل دون أن تنتبهي؛ فهذه اللفظة في مجتمعك تدل -مع الأسف- على العربي أو المسلم غير الخليجي كما تدل على غيره؛ وكثيرا ما تجعلني بعض التقاليد الجاهلية والأعراف الغبية أتساءل: هل يقرأ أصحاب هذه التقاليد والأعراف القرآن ولو مرة في العمر؟ هل قرءوا آية "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"؟ هل سمعوا بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى"؟
ثاني الأسباب هو ضغوط مجتمعك الذي ينظر إلى من تجاوزت الخامسة والعشرين من العمر على أنها عانس، إضافة إلى أنك تحملين لقب مطلقة؛ أي أنت مجرمة في نظر قومك بذنب لم ترتكبيه، بل كان سببه والدك وتعنته والعادات وآثامها؛ ولكن سؤالي: لماذا تثبتين هذه النظرة الخاطئة في زوايا عقلك؟ ولماذا لا تتجاوزينها وقد بلغت سن النضج؟ ولماذا تتقوقعين حولها وقد ساعدك القدر بأن حملت شهادة عالية، وحصلت على عمل ممتاز؟
يحسن كذلك أن أبين لك سبب سيطرة هذا الحب عليك، وخاصة مع وصفك له بأنك لم تقرئي عن مثله في كتب العشق وروايات الغرام؛ فالسبب أن الخيال لديه قدرة على تضخيم وتفعيل ما يستحيل في الواقع، وكلما كان الحبيب ممنوعا كان حبه أشد تمكنا، وقديما قيل: "وأحب شيء إلى الإنسان ما مُنعا"، فكيف إذا كان الحبيب تمنعه التقاليد ويغيّبه المكان البعيد؟!
يجدر أيضا أن نتفحص معاً تتمة العوائق التي تحول دون تكليل هذا الحب الخيالي بالزواج؛ فإذا غضضنا الطرف عن قوانين بلدك التي لا تبيح لخليجية أن تتزوج بغير خليجي حتى لو كان مقيما -فكيف إذا كان خارج المكان كله؟- فهل نستطيع أن نغض الطرف عن كونك أفضل منه من الناحية المادية والمركز الاجتماعي؟ هذا ما يخل -على الأغلب- بشرط الكفاءة؛ فالمرأة لا يمكن أن تخضع لرجل تشعر أنها أفضل منه، والرجل لا يجد السعادة مع امرأة يدرك أنه أقل منها، ولا أدري أين هي الجوانب الممتازة التي تتكلمين عنها في شخصية هذا الشاب، وهو أقل منك من الناحية المادية والاجتماعية؟ فهل يكفي أن يكون الشاب متكلما أو خطيبا مفوها أو داعية إلى الله ليكون صالحا للزواج؟
أذكرك أن إحدى الصحابيات سألت الرسول عليه الصلاة والسلام عن بعض من تقدم لها للزواج، فوصف لها أحدهم قائلا: "أما معاوية فصعلوك لا مال له"، فهذا نبينا أفضل البشر والذي سما بروحه فوق كل ما هو دنيوي من مال وجاه وغيرهما، يؤكد أن المال مهم لإنجاح الزواج، ولا يتعارض ذلك مع حديثه صلى الله عليه وسلم عن وضع الدين والخلق بالدرجة الأولى، وإن قد كان زوّج أحد الصحابة بما معه من القرآن؛ فقد كان ذلك في مناسبة لا تتفق مع حالتك.
أنت طبيبة يا عزيزتي، ولدينا في بلاد الشام ينادون من يدخل الطب منذ السنة الأولى بكلمة "حكيم"، فأين حكمتك أيتها الطبيبة؟ كيف تحكمين على أي شخص أنه هو المناسب لك من خلال معرفة لا يسندها شيء إلا خواطر من وحي الفضاء الإلكتروني؟ وعلى فرض أنه ينهار بمجرد أن يعلم برفض أهلك له؛ فكيف تقبلين أن ترتبطي بشخص ضعيف إلى هذه الدرجة؟ وكيف يصل إلى حافة الانهيار من اقترب عمره من الأربعين الذي هو سن الحكمة كما نزل في القرآن الكريم؟! فماذا ترك للأطفال والمراهقين؟!
أخشى ما أخشاه أن يكون متقنا للتمثيل، واستطاع أن يصطاد قلبك البريء ببعض الكلمات المعسولة بعد أن درس شخصيتك من خلال الإنترنت والشات، ولما وجد أنك مناسبة لقضاء ديونه ومشاركته أعباءه المادية لم يتأخر في نسج خيوط الحب المزيف حولك، وبقدر ما كانت متاعبك وهمومك مسيطرة عليك، بقدر ما وجدت في هذا الحب شلالا متدفقا تغسلين فيها أحزان وحدتك وآلام معاناتك؛ لكن يا ويح قلبي ماذا تفعلين إذا أظهرت لك الأيام أن هذا الشلال المتدفق ليس إلا سرابا زائفا؟
صدقيني لو كانت علاقتك به وجها لوجه، وعرفتِه مباشرة لما حبذت لك زواجا تَفضُلين فيه شريك حياتك؛ لأن من شروط القوامة شعور المرأة أن الرجل يَفضُلها سواء من الناحية الاجتماعية أو الثقافية أو المادية، خاصة في هذا الزمن المغرق في المادة؛ فهلا نظرت بعين الحكمة إلى زواج كهذا لا يسنده اعتراف من أهل، ولا مباركة من عقل!
أحذرك أخيرا من طريقة الزواج العرفي التي يوحي بها إليك كي تكون مكالماتكما حلالا؛ لأنها في البداية ستكون من أجل المكالمات، لكن من يضمن لك ألا تكون النهاية بالزنا الإلكتروني؟ فضلا عن أنني أستغرب بالطبع كيف يسمى هذا زواجا؟! أم أن فضاء الإنترنت الرحب الذي تسبحان فيه معا أوحى لكما بتسميات وأعراف جديدة تتناسب مع وهم الخيال أكثر بكثير من ملائمتها لأي شيء آخر؟!
ولا أدري كيف غاب عن عقل هذا الداعية أن البيوت لا تؤتى من ظهورها بل تؤتى من أبوابها؟ فهل وجود الأبواب مقفلة مبرر له أن يقفز من فوق الأسطح؟ وهل نسي أن الغاية لا تبرر الوسيلة في شرعنا؟ هذا ما يجعلني أنبهك ألا تصغي لنداء قلبك الضعيف، وكم من مرة ذكرت أن على الأنثى أن تحذر على قلبها ومن قلبها ألا يوردها المهالك، وتذكري قول أحد الأئمة: "السلامة لا يعدلها شيء"، فاحرصي على خروجك سالمة من هذه التجربة، ولا يكون ذلك إلا بقطع علاقتك به نهائيا، واشغلي نفسك بأمور أخرى، وتأكدي أن حياتنا نصنعها بأنفسنا، وليس أسهل من تبخر حب الإنترنت؛ إذ إن وهم الخيال لا يصمد لحظة أمام صدق الواقع، والقصور المبنية في الهواء تتهدم بسرعة عجيبة.
ستجدين ولا شك بعض آلام الفراق، لكن يسهل السيطرة عليها بالعقل والانشغال، إضافة إلى لجوئك إلى الله سبحانه ليعوضك بصبرك خيرا، وليكون رفيقا لك في وحدتك يملأ فراغك الروحي، وكذلك إيجاد بعض صداقات ممن حولك يملأ فراغك العاطفي.
منقول