بسم الله الرحمن الرحيم
قصة ذكرها الشيخ عباس بتاوي مغسل الأموات
اردت نقل هذه القصه لكم لانها كانت فعلا من اغرب واجمل القصص التي قرأت يوما وتقول:
في إحدى المحاضرات وصلت ورقة صغيرة كُتبت بخطٍ غير واضح ، تمكنت من قراءتها بصعوبة بالغة … مكتوب بها:
فضيلة الشيخ:هل لديك قصة عن أصحاب أو أخوان … أثابك الله ؟؟
كانت صيغة السؤال غير واضحة، والخط غير جيد..
سألت صديقي: ماذا يقصد بهذا السؤال ؟
وضعتها جانباً، بعد أن قررت عدم قراءتها على الشيخ…ومضى الشيخ يتحدث في محاضرته والوقت يمضي …
أذن المؤذن لصلاة العشاء …توقفت المحاضرة، وبعد الآذان عاد الشيخ يشرح للحاضرين، طريقة تغسيل وتكفين الميت عملياً …..
وبعدها قمنا لأداء صلاة العشاء …
وأثناء ذلك أعطيت أوراق الأسئلة للشيخ ومنحته تلك الورقة التي قررت أن استبعدها، ظننت أن المحاضرة قد انتهت …
وبعد الصلاة طلب الحضور من الشيخ أن يجيب على الأسئلة …
عاد يتحدث وعاد الناس يستمعون …ومضى السؤال الأول والثاني والثالث …هممت بالخروج ، استوقفني صوت الشيخ وهو يقرأ السؤال …
قلت : لن يجيب فالسؤال غير واضح …
لكن الشيخ صمت لحظة ثم عاد يتحدث:
جاءني في يوم من الأيام جنازة لشاب لم يبلغ الأربعين ، ومع الشاب
مجموعة من أقاربه ، لفت انتباهي ، شاب في مثل سن الميت يبكي بحرقة ،شاركني الغسيل ، وهو بين خنين ونشيج وبكاء رهيب يحاول كتمانه ، أما
دموعه فكانت تجري بلا انقطاع …..
وبين لحظةٍ وأخرى أصبره وأذكره بعظم أجر الصبر …
ولسانه لا يتوقف عن قول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لا حول ولا قوة إلا بالله …
هذه الكلمات كانت تريحني قليلاً …
بكاؤه أفقدني التركيز ، هتفت به بالشاب …
إن الله أرحم بأخيك منك، وعليك بالصبر
التفت نحوي وقال : إنه ليس أخي
ألجمتني المفاجأة، مستحيل ، وهذا البكاء وهذا النحيب
نعم إنه ليس أخي ، لكنه أغلى وأعز عليّ من أخي …
سكت ورحت أنظر إليه بتعجب ، بينما واصل حديثه …
إنه صديق الطفولة ، زميل الدراسة ، نجلس معاً في الصف وفي ساحة
المدرسة ، ونلعب سوياً في الحارة ، تجمعنا براءة الأطفال مرحهم ولهوهم
كبرنا وكبرت العلاقة بيننا ، أصبحنا لا نفترق إلا دقائق معدودة ، ثم
نعود لنلتقي ، تخرجنا من المرحلة الثانوية ثم الجامعة معاً …
التحقنا بعمل واحد …
تزوجنا أختين ، وسكنا في شقتين متقابلتين …
رزقني الله بابن وبنت ، وهو أيضاً رُزق ببنت وابن …
عشنا معاً أفراحنا وأحزاننا ، يزيد الفرح عندما يجمعنا ، وتنتهي
الأحزان عندما نلتقي …
اشتركنا في الطعام والشراب والسيارة …
نذهب سوياً ونعود سوياً ..
واليوم … توقفت الكلمة على شفتيه وأجهش بالبكاء …
يا شيخ هل يوجد في الدنيا مثلنا ؟؟ ….
خنقتني العبرة ، تذكرت أخي البعيد عني ، لا .. لا يوجد مثلكما ..
أخذت أردد ، سبحان الله ، سبحان الله ، وأبكي رثاء لحاله …
انتهيت من غسله ، وأقبل ذلك الشاب يقبله …..
لقد كان المشهد مؤثراً ، فقد كان ينشق من شدة البكاء ، حتى ظننت أنه
سيهلك في تلك اللحظة ..
راح يقبل وجهه ورأسه ، ويبلله بدموعه …
أمسك به الحاضرون وأخرجوه لكي نصلي عليه …
وبعد الصلاة توجهنا بالجنازة إلى المقبرة …
أما الشاب فقد أحاط به أقاربه …
فكانت جنازة تحمل على الأكتاف ، وهو جنازة تدب على الأرض دبيباً …
وعند القبر وقف باكياً ، يسنده بعض أقاربه …
سكن قليلاً ، وقام يدعو ، ويدعو …انصرف الجميع …عدت إلى المنزل وبي من الحزن العظيم ما لا يعلمه إلا الله ، وتقف عنده الكلمات عاجزة عن التعبير …
وفي اليوم الثاني وبعد صلاة العصر ، حضرت جنازة لشاب ، أخذت أتأملها ،
الوجه ليس غريب ، شعرت بأنني أعرفه ، ولكن أين شاهدته …
نظرت إلى الأب المكلوم ، هذا الوجه أعرفه …
تقاطر الدمع على خديه ، وانطلق الصوت حزيناً …
يا شيخ لقد كان بالأمس مع صديقه …
يا شيخ بالأمس كان يناول المقص والكفن ، يقلب صديقه ، يمسك بيده ، بالأمس كان يبكي فراق صديق طفولته وشبابه ، ثم انخرط في البكاء …انقشع الحجاب ، تذكرته ، تذكرت بكاءه ونحيبه …
رددت بصوت مرتفع : كيف مات ؟
عرضت زوجته عليه الطعام ، فلم يقدر على تناوله ، قرر أن ينام ، وعند
صلاة العصر جاءت لتوقظه فوجدته ، وهنا سكت الأب ومسح دمعاً تحدر على
خديه ، رحمه الله لم يتحمل الصدمة في وفاة صديقه ،
وأخذ يردد : إنا لله وإنا إليه راجعون …إنا لله وإنا إليه راجعون ،
اصبر واحتسب ، اسأل الله أن يجمعه مع رفيقه في الجنة ،
يوم أن ينادي الجبار عز وجل : أين المتحابين فيِّ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي …
قمت بتغسيله ، وتكفينه ، ثم صلينا عليه ….
توجهنا بالجنازة إلى القبر ، وهناك كانت المفاجأة …
لقد وجدنا القبر المجاور لقبر صديقه فارغاً …
قلت في نفسي: مستحيل .. منذ الأمس لم تأت جنازة ، لم يحدث هذا من قبل…
أنزلناه في القبر الفارغ ، وضعت يدي على الجدار الذي يفصل بينهما ، وأنا أردد،
يا لها من قصة عجيبة ، اجتمعا في الحياة صغاراً وكباراً ، وجمعت
القبور بينهما أمواتاً …
خرجت من القبر ووقفت أدعو لهما : اللهم اغفر لهما وأرحمهما ، اللهم
واجمع بينهما في جنات النعيم على سرر متقابلين ، في مقعد صدق عند مليك
مقتدر ، ومسحت دمعة جرت ، ثم انطلقت أعزي أقاربهما …
انتهى الشيخ من الحديث ، وأنا واقف قد أصابني الذهول ، وتملكتني
الدهشة ، لا إله إلا الله ، سبحان الله ، وحمدت الله أن الورقة وصلت
للشيخ وسمعت هذه القصة المثيرة ، والتي لو حدثني بها أحد لما صدقتها …
وأخذت أدعو لهما بالرحمة والمغفرة
اللهم اغفر له ولوالديه وللمسلمين اجمعين
ماتقدم من ذنبهم وما تأخر
وقِهم عذاب القبر وعذاب النارو أدخلهم الفردوس
الأعلى مع الأنبياء والشهداء والصالحين
للأمانة منقول